تجربة الصراع بين الحزب الشيوعي الإنقلاب وإنقسام 1970م

بقلم: تاج السر عثمان

واجه الحزب الشيوعي بعد انقلاب مايو، ظروفا معقدة وصعبة، لم يواجهها من قبل، فكان هناك الصراع المركب أو المزدوج: ضد السلطة الانقلابية والصراع الفكري داخل الحزب، وزاد من تعقيد هذا الصراع تبني الانقلابيين لاجزاء كبيرة من برنامج الحزب وتعيين شيوعيين في مجلس قيادة الثورة صبيحة الانقلاب وتعيين وزراء شيوعيين بصفتهم الشخصية ودون اعطاء الحزب الحق في تحديد من يمثلونه، مما يعني نسف استقلال الحزب تمهيدا لتصفيته، هذا فضلا عن فرض ديكتاتورية عسكرية صادرت كل الحقوق والحريات الديمقراطية باسم التقدم والاشتراكية!!(أى -اذا جازاستخدام لغة اليوم – أن الانقلابيين اخترقوا اجندة الحزب الشيوعي وتبنوها وافرغوها من مضمونها)، لدرجة تصور فيها الكثيرون أن الحزب الشيوعي وراء هذا الانقلاب خاصة بعد المرارات التي شعر بها الشيوعيون نتيجة لمؤامرة حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان في اواخر عام 1965م، ثم بعد ذلك اختلط الحابل بالنابل، ودار صراع داخلي حول وجود الحزب نفسه، هل يظل حزبا مستقلا ام يذوب في تنظيمات ومؤسسات السلطة ويتحول كادره الي موظفين داخل النظام؟ وزاد من تعقيد الصراع دخول النظام بثقله في الصراع لمصلحة الانقساميين الذي ربطوا نفسهم بالنظام، واصبحوا يصورون للنظام كل نقد للسلطة من مواقع الحزب المستقلة معولا لهدم النظام، اضافة لعدم صدور بيان من الحزب للجماهير في الايام الأولي يشرح حقيقة ما حدث بسبب شل الصراع الداخلي لارادة الحزب الموحدة، وعدم طرح فكرة الانقلاب علي اللجنة المركزية بعد أن رفضها المكتب السياسي في اجتماعه بتاريخ 9/5/1969، فما هي حقيقة هذا الصراع؟ وما هي القضايا التي دار حولها والذي وصل الي ذروته في انقلاب 19/يوليو/1971م؟.
في الساعات الأولي من صباح 25/مايو/ 1969م، وقع انقلاب عسكري قام به صغار الضباط، وصفهم الحزب الشيوعي في تحليله الطبقي بفئة من البورجوازية الصغيرة، وكانت تركيبتهم: عقيد(1)، مقدم(1)، رواد(7)، مع وجود مدني بينهم هو بابكر عوض الله الذي كان رئيسا سابقا للقضاء، كان ذلك مثار دهشة للكثيرين، فكيف يجوز لرئيس سابق للقضاء أن يشترك في عملية انقلابية، ضاربا عرض الحائط بحكم القانون والدستور؟!!، اذاع جعفر النميري وبابكر عوض الله بيانين علي الشعب السوداني، أشار النميري في خطابه: أن السودان لم يشهد الاستقرار منذ الاستقلال عام 1956م، وانحي بلائمة النكسات في البلاد علي الفساد الذي انتشر خلال حكم الاحزاب السياسية وقال أن الحكومات المتعاقبة عجزت عن مواجهة الامبريالية ووقف التسلل الصهيوني الي افريقيا وحماية حدود السودان، وبعد 16 عاما كانت انتفاضة مارس- ابريل 1985م، وبعدها كان قادة النظام أمام محاكمات بتهمة ترحيل الفلاشا الي اسرائيل، والفساد!!! وغير ذلك مما لم تفعله الاحزاب التي اطاح بحكمها، وبعد ذلك اعلن النميري تشكيل مجلس ثورة مؤلفا من تسعه ضباط ومدني واحد(بابكر عوض الله)، واصبح النميري رئيسا لمجلس قيادة الثورة وقائدا للقوات المسلحة ورقي نفسه الي رتبة لواء!!، كما اعلن النميري أن المجلس عين بابكر عوض الله رئيسا للوزارة ، ووافق علي تشكيل جكومة عسكرية- مدنية من 21 عضوا.
وتم اعتقال عدد من كبار ضباط الجيش واحيل عدد كبير من كبار المسئولين في وزارات التجارة والمواصلات والداخلية علي التقاعد أو سرحوا من الوظيفه.
وصدر الأمر الجمهوري الأول الذي اعطي البلاد لقبا جديدا: جمهورية السودان الديمقراطية(انقلاب عسكري يصادر الديمقراطية ويسمي البلاد جمهورية السودان الديمقراطية!!). وحل المرسوم مجلس رأس الدولة( السيادة) ومجلس الوزراء والجمعية التأسيسية ولجان الخدمة المدنية والانتخابات وخول الحكومة الجديدة جميع السلطات التنفيذية والتشريعية ، وجعلها مسئولة مع مجلس قيادة الثورة عن جميع شئون الدولة. واصبح من سلطات مجلس قيادة الثورة أن يقيل ويعين الوزراء علي أن يمارس هذه السلطة بعد التشاور مع رئيس الوزراء.
كما صدر الأمر الجمهوري رقم(2)(قانون الدفاع عن السودان) الذي نص الاعدام أوالسجن عشر سنوات لكل من يحاول اثارة معارضة في وجه نظام الحكم أو يخطط لمهاجمة أعضاء مجلس قيادة الثورة وذمهم، لأن ذلك يعتبر مثيرا للفتن ، وسواء كانت هذه الأعمال عن طريق رفع الشعارات أو المواكب أو المظاهرات أو المطبوعات أو الصحف أو الكراريس أو الاذاعة والتلفزيون، ويطال هذا القانون كل من يحاول الدعاية لحزب من دون اذن مسبق من مجلس قيادة الثورة، والذين يشتركون في اضطرابات تنظم من اجل عرقلة الاقتصاد، علي أن يحال المخالفون علي المحاكم العسكرية، وتطبق عليهم النصوص المناسبة في القانون الجزائي، واعلن المرسوم أن جميع أعمال مجلس قيادة الثورة هي اعمال سيادة، وبالتالي فهي غير قابلة للطعن والاستئناف أمام المحاكم، ومن حق مجلس قيادة الثورة أن يسرح من يشاء من الدوائر الحكومية من دون أن يكون خاضعا لللاجراءات التأديبية، وفي وسع الحكومة، بناء علي توصية وزير الداخلية ولاسباب تتعلق بالامن العام أن تقيد حرية أى شخص وتحصره في اى مكان داخل الاراضي السودانية، من دون أن يحق للشخص المعني استئناف اى قرار كهذا صادر بحقه. وتم اعتقال قادة الحكومة والاحزاب السابقين: تم اعتقال الصادق المهدى، وادخل اسماعيل الأزهري السجن، ووضع محمد احمد المحجوب قيد الاقامة الجبرية .. الخ.كما وجهت الاتهامات الي ثلاثة وزراء سابقين : احمد السيد حمد، عبد الماجد ابوحسبو، احمد زين( وزراء التجارو والداخلية والمواصلات)، وقدموا لمحاكمات.
وبعد ذلك تداعت الاحداث، ففي اليوم الأول اصدر محمد عثمان الميرغني بيانا وصفه د. محمد سعيد القدال( فيه تأييد حذر، وقد ركز علي الاتجاه الايجابي في السياسة الخارجية للنظام الجديد( قدال: الحزب الشيوعي وانقلاب 25 مايو، الميدان 7/10/1985م).
وفي 2/يونيو/1969م، نظم موكب في ميدان عبد المنعم ( ميدان الأسرة حاليا)، وقد نظم الموكب وشاركت فيه قوى سياسية ونقابية متعددة، فهناك اتحاد العمال والمهنيين والمعلمين، وهناك قوى اخري، كما شاركت فيه بعض العناصر من الاحزاب، وسار الموكب تحت مظلة اليسار العريضة)( المصدر السابق)، وفي 9/يونيو/1969م، صدر بيان 9/يونيو حول مشكلة الجنوب الذي تلخصت قراراته في الآتي: استمرار ومد فترة قانون العفو العام، وضع برنامج اقتصادي اجتماعي ثقافي للجنوب، تعيين وزير لشئون الجنوب، تدريب كادر مستمر لتولي المسئولية، وكانت هذه القرارات في اتجاه حق الجنوبيين في ممارسة الحكم الذاتي الاقليمي.وهذا البيان كان مستخلصا من برنامج الحزب الشيوعي حول مشكلة الجنوب، كما تم تعيين جوزيف قرنق المحامي وزيرا لشئون الجنوب.
اصدرت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني خطابا داخليا في مساء 25/مايو/1969م، جاء فيه:
? ماجري صباح هذا اليوم انقلاب عسكري وليس عملا شعبيا مسلحا قامت به قوى الجبهة الوطنية الديمقراطية عن طريق قسمها المسلح، واصبحت السلطة تتشكل من فئة البورجوازية الصغيرة.
? يبني الحزب موقفه من هذه السلطة علي أساس: دعمها وحمايتها امام خطر الثورة المضادة، وأن يحتفظ الحزب بقدراته الايجابية في نقد وكشف مناهج البورجوازية الصغيرة وتطلعاتها غير المؤسسة لنقل قيادة الثورة من يد الطبقة العاملة الي يدها، فالبورجوازية الصغيرة ليس في استطاعتها السير بحركة الثورة الديمقراطية بطريقة متصلة.
ثم بعد ذلك دار صراع فكري داخل الحزب الشيوعي كانت اهم مظاهره، كما وصفها الشهيد عبد الخالق محجوب في وثيقته التي قدمها للمؤتمر التداولي الذي انعقد في اغسطس 1970م:
– المقالة التي نشرت للزميل معاوية ابراهيم في مجلة الشيوعي( المجلة الفكرية للجنة المركزية للحزب الشيوعي)، العدد 134، ينتقد فيها الخطاب الدوري الأول للجنة المركزية ويعتبر اتجاهه سلبيا في وصفه للسلطة الجديدة بأنها بورجوازية صغيرة مما يؤدي حسب رأيه الي التقليل من قدراتها الثورية والي اضعاف دعم الشيوعيين لها والي اخطاء في تفهمهم لقضية التحالف معها، في ايراد لتحليل سابق لم توافق اللجنة علي تفاصيله، بل وافقت علي الاتجاه العام للتقرير الذي طرحه في دورة مارس 1969م حول الموقف من الانقلاب العسكري.
– رأى الزميل عمر مصطفي في اجتماع المكتب السياسي صباح الخامس والعشرين من مايو 1969م، ثم تكامل هذا الرأي في اجتماع المكتب السياسي بتاريخ 27/10/1969م حول الخطاب الدوري الأول للجنة المركزية والذي اعتبره الزميل وثيقة ملعونة، ثم رأي الزميل عمر مصطفي في مابعد حول اجتماع المكتب السياسي بتاريخ 9/مايو/1969م، والخاص بمناقشة التحضير للانقلاب العسكري، اذ يرى أن ذلك الاجتماع أخطأ في موقفه، وأكد سير الأحداث ذلك الخطأ حسب رأيه.
– مجموعة مواقف عملية أخري في نشاط الهيئات القيادية بعد صدور الخطاب الدوري الرابع، وهي علي سبيل المثال:
أ- الاختلاف في اللجنة المركزية حول تقييم استدعاء وزير الداخلية لعدد من كادر الحزب وأعضاء اللجنة المركزية بتاريخ:18/9/1969م،
ب- الاختلاف حول تقييم التعديل الوزاري وموقف الحزب الشيوعي منه مما دعا الي مناقشة هذا الموضوع في خمس جلسات للمكتب السياسي وتعطل اتخاذ موقف موحد في حينه.
ج- عدم وصول رأى الحزب الشيوعي حول تخفيض الأجور والموازنة للجماهير وعدم وضوح موقف الحزب الشيوعي من هذه القضية.
د- الخط الدعائي الذي تسلكه صحيفة الحزب القانونية… الخ.
أوضح عبد الخالق في وثيقته جذور هذه الاختلافات والتي ترجع الي ما قبل 25/مايو/1969م، وانها نتاج لصعوبات العمل في ظروف الثورة المضادة التي خلقت اهتزازات مختلفة بين كادر الحزب يطرح تارة يمينا وتارة أخري يسارا، وفي كلا الحالين كان هناك تراجع عن تكتيكات الحزب الشيوعي في تلك الفترة، والمتفق عليها في المؤتمر الرابع للحزب والقائمة علي الدفاع وتجميع قوى الثورة استعدادا للهجوم عندما تتهيأ الأسباب الموضوعية والذاتية لذلك. وضرب عبد الخالق مثلا بمقال الزميل احمد سليمان في جريدة(الأيام) بتاريخ:8/12/1969م والذي دعي فيها للمخرج بانقلاب عسكري يوفر الاستقرار لحكومة وحدة وطنية عريضة. ويري عبد الخالق أن هذا المقال اضر بموقف الحزب الشيوعي الموحد حيال القوات المسلحة وتكتيكات الحزب الشيوعي المقررة في المؤتمر الرابع من زاوية أنه:
1- لايري أن الشئ الجوهري هو أن تحشد الجماهير وتعد فكريا وتنظيميا حتي تصل الي مستوى استكمال الثورة الوطنية الديمقراطية ، بل أن الحل لأزمة الحكم والطبقات الحاكمة هو قيام حكومة للوحدة الوطنية تجمع بين القوى الرجعية وقوى التقدم.
2- يعارض تحليل المؤتمر للقوات المسلحة ذلك التحليل الذي لايري فيها جمعا طبقيا واحدا يدخل ضمن القوي الوطنية الديمقراطية، فالمقالة تقترح دخول القوات المسلحة كجسم واحد بأقسامها الوطنية والرجعية لحل أزمة الحكم.
3- يطرح دخول القوات المسلحة ككل في العمل السياسي لحماية حكومة الوحدة الوطنية، ولكن حمايتها ممن؟… الا يدل هذا علي أن القوات المسلحة مدعوة الي دعم حكم رجعي بع عناصر تقدمية شكلا؟. وايجاد صيغة للتصالح بين تلك القوى الرجعية حتي بين ابسط ميادين الديمقراطية واعنى الانتخابات؟.
هذا وقد رد عبد الخالق علي مقال احمد سليمان في صحيفة اخبار الاسبوع بتاريخ:16/يناير/1969م.أشار في هذا المقال الي أن الحديث عن القوات المسلحة بوصفها الأمل الوحيد للانقاذ في اجماله خطر ويتجاهل تجربة الشعب في بلادنا التي خبرت حكم الجنرالات في نظام 17/نوفمبر 1958م، وأن القوات المسلحة لاتخرج من اطار التحليل الطبقي وتشكل في مستواها العلي وبالتجربة جزءا من النادي الذي سقط طريقه الاقتصادي، واصبح لامفر من نظام سياسي جديد يعقب القوي الاجتماعية التي حكمت من قبل وتحكم فعليا علي تعدد الحكومات الحزبية منها والعسكرية).
يواصل الشهيد عبد الخالق ويقول في وثيقته التي قدمها للمؤتمر التداولي( لقد واصل هذا التيار موقفه بعد انقلاب 25/مايو/1969م بصورة قد تبدو جديدة، ولكنها في حقيقة الأمر الصورة القديمة نفسها. قد يبدو غريبا أن الرفاق الداعين للتحالف تحت نفوذ الاجنحة الاصلاحية في الحزب الاتحادي الديمقراطي يؤيدون الانقلاب العسكري الذي اطاح بذلك الجناح ضمن ما اطاح، ولكن الخيط الذي يربط بين الموقفين هو الدعوة لكي يتخذ الحزب الشيوعي موقفا ذيليا في كلا الحلفين: هناك يتحالف بصورة ذيلية مع البورجوازية الاصلاحية، وهنا يتحول، عن سكوت، ذيلا للبورجوازية الصغيرة، ان عناصر من الحاملين لهذا الاتجاه اليميني واخص بالذكر محمد احمد سليمان انتقلوا عمليا وفكريا من الحزب الشيوعي الي السلطة الجديدة، ولم يكن تحللهم من نظام الحزب وقواعده امرا شكليا أو مجرد خرق لاجراءات اللائحة، ولكنه كان تعبيرا عمليا عن الفهم اليميني للتحالف القائم علي الحل الفعلي للحزب الشيوعي وتحول كادره الي موظفين)( ص 103، في كتاب فؤاد مطر: الحزب الشيوعي نحروه أم انتحر؟، 1971م).
يواصل عبد الخالق ويقول ( وكما عجز هذا التيار عن فهم اسس التحالف مع البورجوازية الوطنية وفقا لاستنتاجات المؤتمر الرابع فهو ايضا يعاني الآن من المشكلة نفسها: أسس التحالف مع البورجوازية الصغيرة. ولأن هذا التيار كان يائسا من العمل الثوري الشعبي وخط تجميع وتراكم القوى الثورية بالنضال في الجبهات الفكرية والسياسية والاقتصادية ويبحث عن المخارج الأخري، فقد كان من الطبيعي أن يكون له رأي في ما يخص القوات المسلحة والعمل الانقلابي يختلف عما اجمعنا عليه في المؤتمر الرابع للحزب)(ص 103-104).
وكان هناك الاختلاف في التصور حول دور القوات المسلحة، فكان هناك تحليل الحزب الشيوعي الذي لاينظر للجيش كطبقة او فئة واحدة، كما انه ليس جهازا معزولا عن عمليات الصراع الطبقي، فهناك حكم الجنرالات الرجعيين الذين برهن حكمهم الديكتاتوري في اعوام:1958-1964م علي انه جزء من البورجوازية المرتبطة بالاستعمار، كما أن غالبية جنود القوات المسلحة وضباطها جزء من الشعب لا من معسكر اعدائه.
وعكس ذلك تحليل الاتجاه اليميني والانقلابي في الحزب الذي يصور وضع الحزب الشيوعي للقوات المسلحة ككل في صف القوي المعادية، علما بأن الحزب الشيوعي حدد في مؤتمره الرابع القوى الاجتماعية صاحبة المصلحة في انجاز الثورة الوطنية الديمقراطية بأنها( الجماهير العاملة، المزارعون، والمثقفون الثوريون، والرأسمالية الوطنية، وتكمن قيادة هذه القوى بين جماهير الطبقة العاملة)، وتدخل القوات المسلحة بين هذه القوى حسب فئاتها الاجتماعية وتوزيعاتها الطبقية، كما أشار عبد الخالق محجوب.
ولخص عبد الخالق الصراع الفكري حول هذه النقطة في الآتي:
( هناك تصور يري أن تحتل الفئات الوطنية والديمقراطية في القوات المسلحة المركز المقدم في نشاط الحزب الشيوعي بفضل وجود السلاح بين ايديها ولأنها بهذا أقدر من غيرها علي حسم قضية السلطة بسرعة وبايجاز، وهذا في رأي تصور خاطئ وغير ماركسي. فالثورة الديمقراطية هي ثورة الاصلاح الزراعي ولايمكن أن تصل الي نتيجتها المنطقية الا باستنهاض جماهير الكادحين من المزارعين علي نطاق واسع وادخالهم ميادين الصراع السياسي والاقتصادي والفكري!. فالثورة الاشتراكية هي ثورة غالبية الجماهير الكادحة تتم بوعيهم وبرضاهم وبمشاركتهم الفعالة في اعلي مستويات النشاط الثوري. والقوات المسلحة في بلادنا ننظر الي اقسامها من زاوية انتماءاتها الفئوية والطبقية ويحدد دورها كجزء من الفئات الفئوية أو الطبقية المتصارعة في هذه الفترة أو تلك من فترات التطور الثوري. وعندما يصل هذا التصور الخاطئ الي مراميه النظرية يتحول الي نظرية انقلابية كاملة تدعو الحزب الشيوعي الي التخلي عن النشاط بين الجماهير وعن مهمته الصعبة في توعيتها وتنظيمها وتدريبها خلال المعارك العملية والفكرية، اللجوء الي تنظيم ( انقلاب تقدمي)( ص 105-106).
ويلخص عبد الخالق الموضوع في أن الشيوعيين لايقبلون ايديولوجيا نظرية القلة التي تقبض علي السلطة ثم بعد ذلك ترجع لجماهير، وأن الشيوعيين يرفضون التكتيك الذي يهمل العمل الجماهيري ويتراجع أمام مشاقه ويتغاضي عن المفهوم الشيوعي للثورة بوصفها اعلي قمم النشاط الجماهيري ولايعترف بمبدأ الأزمة الثورية ? شروطها وعوامل نجاحها، وأن التكتيك الانقلابي ايديولوجية غير شيوعية( المصدر السابق).
هكذا كان هناك صراع فكري داخل الحزب الشيوعي حول طبيعة السلطة الجديدة: هل نسمي السلطة الجديدة ديمقراطية ثورية أم بورجوازية صغيرة؟(علما بأن الديمقراطيين الثوريين لايشكلون طبقة قائمة بذاتها، فمنها من يتخذ مواقف يمينية ومنها من يتخذ مواقف يسارية) ، لانركز علي التمايز بقدر ما نركز علي نقاط الاتفاق. ووصف عبد الخالق ذلك: أن ذلك تعبير عن مفهومين يتصارعان حول قضية التحالف في هذه الفترة مع السلطة الجديدة، احدهما مفهوم يميني والاخر مفهوم شيوعي.
فماهي القضايا العملية التي دار حولها الصراع؟.
يمكن أن نقسم القضايا التي دار حولها الصراع الي الآتي:-
1- الحقوق والحريات الديمقراطية.
2- التاميمات والمصادرة
3- السلم التعليمي.
4- احداث الجزيرة أبا
5- الاوضاع المعيشية ولاقتصادية.
6- ميثاق طرابلس( الاتحاد الثلاثي بين السودان ومصر وليبيا)
7- التنظيم السياسي( حزب واحد أم جبهة؟).
أولا: الحقوق والحريات الديمقراطية:
أشرنا من قبل الي الاوامر الجمهورية التي صدرت في بداية الانقلاب والتي تم بموجبها حل الاحزاب ومصادرة كل الحقوق والحريات الأساسية، أشار عبد الخالق في تقريره للمؤتمر التداولي( علينا أن نلحظ في الوقت نفسه مواقف واتجاهات سلبية عاقت تطور الثورة الديمقراطية في بلادنا، فالامران الجمهوريان الرقم(1) والرقم(2) ينصان علي حل جميع الأحزاب السياسية ، وأى تشكيل سياسي أو أى تنظيم يحتمل أن يستغل لأغراض سياسية وعلي تحريم الاضراب للجماهير العاملة، ويعتبر مجرما كل من ( يقوم بأى عمل من شأنه اثارة الكراهية بين طبقات الشعب بسبب اختلاف الدين أو الوضع الاجتماعي)، ومن يشهر بوزير أو عضو في مجلس الثورة)
يواصل عبد الخالق ويقول ( نحن نعتبر مرحلة الانتقال ? انجاز مهام الثورة الوطنية الديمقراطية- غنية بالصراع الطبقي وتعتمد في نجاحها علي تمتع الجماهير الشعبية بمستوى عال من الديمقراطية في التنظيم وفي الرأي..الخ، ولهذا فكل قيد علي الجماهير يعوق تطور الثورة ويؤدي الي تقوية مراكز القوي الرجعية)( المصدر السابق:ص 131).
يواصل عبد الخالق ويقول ردا علي الانقساميين الذين يقللون من خطر مصادرة الحقوق والحريات الديمقراطية، بحجة الاشتراكية والتقدمية، بقوله:
(من زاوية طبيعة الثورة الديمقراطية نفسها نحن كشيوعيين نرى أن هذه الفترة تمتاز بطابع تغير الحياة علي اسس ديمقراطية ومن زاوية خصائص فترة الانتقال في بلادنا، فان هذا التغيير علي اسس الديمقراطية هو الذي يجعل العملية العسكرية التي غيرت السلطة تسير في طريق التحول الي ثورة شعبية حقيقية. ان مفهوم (حل جميع الأحزاب) هو في واقع الأمر تصور خاطئ، تصور انقلابي، وهو يعبر عن قصور حقيقي في فهم طبيعة المرحلة الانتقالية بوصفها مرحلة انطلاق وتعميق للصراع الطبقي الاجتماعي في بلادنا بما يكفل انجاز الثورة الديمقراطية، وحسم هذه المرحلة لصالح استقبال الثورة الاشتراكية، لهذا فالموقف من هذه القضية مبدئي، وعلينا أن نناضل بحزم من اجل حق الطبقة العاملة في الديمقراطية والتنظيم والنشاط المستقل).
النقطة الثانية التي اشار لها عبد الخالق( من زاوية فهمنا لدورنا كشيوعيين خلال انجاز مرحلة الثور الوطنية الديمقراطية في بلادنا، أن واجبنا هو ايقاظ الملايين من جماهير المزارعين للعمل الثوري وخلق تحالف ثابت بينهم وبين الطبقة العاملة وحزبها الشيوعي. هو نشر الوعي الاجتماعي بين مختلف فئات الكادحين اعتمادا علي النظرية الماركسية اللينينية..الخ، هذه المهمة التاريخية تنهض بها الطبقة العاملة وطلائعها الشيوعيون بكل طاقاتها وكل قيد علي حرية الطبقة العاملة وكل سد يقام لحبس هذه الطاقات يعوق من تنفيذ هذا الواجب ومن احداث ثورة اجتماعية عميقة في البلاد).
أما النقطة الثالثة التي اشار لها عبد الخالق( من زاوية ما انجزت الحركة الثورية وحركة الطبقة العاملة من مكاسب خلال نضالها الشاق والطويل. فالتنظيمات المستقلة للطبقة العاملة والحقوق الديمقراطية للجماهير الثورية كانت مدار نضال عميق ضد القوي الرجعية والاستعمارية في بلادنا، وهذه الجماهير تدخل في فترة انجاز الثورة الديمقراطية من فوق هذه التقاليد والمكاسب لابتصفيتها، وعلينا نحن الشيوعيين قبل غيرنا الا نقلل من هذا الرصيد الضخم الذي يشكل عنصرا مهما لنجاح الثورة الديمقراطية في بلادنا ثم لنقلها صوب الاشتراكية).
اما النقطة الرابعة التي اشار اليها عبد الخالق(من زاوية المصالح الحقيقية للطبقة العاملة السودانية وهي التي مازالت تعيش تحت ظل الاستغلال. ان فترة الانتقال ? الثورة الديمقراطية- لاتعني الغاء الاستغلال الرأسمالي، والسبيل الوحيد لذلك هو توفير الشروط المادية والسياسية للانتقال بمجتمعنا صوب الاشتراكية. ومن دون حق الطبقة العاملة في التنظيم والاضراب، فان الاستغلال الرأسمالي يتزايد ولاتتوفر شروط ملائمة لتراص صفوف هذه الطبقة كقوة يعتمد عليها في النضال من اجل انجاز الثورة الديمقراطية وحسم فترة الانتقال ومواجهة مهام الثورة الاشتراكية. ان الطبقة العاملة مازالت تتعرض بالالاف للعطالة، مازالت اجورها في القطاع الرأسمالي في مستوى لايليق بالبشر، ومازالت تنتظرها عشرات المعارك الطبقية، وحرمان الطبقة العاملة من حق الاضراب سلاح يوجه اليوم عمليا الي صدور هذه الطبقة).
كما أشار عبد الخالق الي قرار حل اللجان الثورية الشعبية ووصفه بأنه (ضربة ايضا لتطور الثورة الديمقراطية في بلادنا، كان من الناحية الايديولوجية يعبر عن تردد السلطة في تحويل الانقلاب الي ثورة ديمقراطية عميقة الجذور وفي تطوير الصراع الاجتماعي في بلادنا).
وانتقد عبد الخالق حل الاتحادات الطلابية، يقول: ( ان الغاء الاتحادات الطلابية ومصادرة العمل السياسي في المدارس الثانوية اضرا بالعمل الثوري لحركة الطلاب وتركا المجال فسيحا لليمين، في وقت كان ميزان القوي قبل الخامس والعشرين من مايو يسير لصالح الحركة الديمقراطية، وفتحا الباب لتزايد نشاط العناصر الرجعية تحت ستار الجمعيات الدينية).
كما انتقد عبد الخالق جهاز الرقابة الذي كونته السلطة باعتباره بعيد عن الرقابة الجماهيرية والذي سوف يتحول الي سلطة بوليسية ويدفع البلاد الي نظام بوليسي لامبرر له وسيشكل عقبة أمام تحول الأوضاع الراهنة الي ثورة شعبية عميقة الجذور)( ص 130).
وبعد احداث الجزيرة أبا اصدر مجلس قيادة الثورة المرسوم الجمهوري رقم(4) الذي وسع نطاق الجرائم والعقوبات الخانقة المعددة في الأمر الجمهوري رقم(2) الصادر في مايو 1969م، وقد شملت المخالفات الجديدة الأعمال التي تشكل تهديدا أو اخلالا بالثورة، سواء كانت مقصودة أو لا، وغالبا ما كانت العقوبة الاعدام أو السجن المؤبد مع مصادرة الممتلكات. كل من يتآمر أو يقوم بأعمال تحسس مع بلد اجنبي أو عملاء ذلك البلد، وكل من ينضم الي الخدمة المدنية أو العسكرية لبلد (معادي) أو حتي يتاجر مع مثل هذا البلد، سيحكم عليه بالاعدام أو السجن المؤبد علي كل من يدان بتهريب البضائع والعملات، ويقبل الرشوة أو يسئ استعمال الموال العامة، أو يعلن الاضراب عن العمل. كما فرض المرسوم حكم الاعدام علي كل من يقوم(باعمال حروب العصابات في المدن)، واصبح حمل السلاح وتسليح الناس واتلاف الممتلكات العامة وقبض الأموال لعرقلة الثورة، وطبع مواد تنتقد نظام الحكم أو ضباطه ونشرها واذاعتها اعمالا تعاقب بالاعدام ومصادرة الممتلكات، وبات نشر خبر كاذب في صحيفة ما يجعل رئيس التحرير مسئولا ومعاقبا بالسجن وبدفع غرامة لاتقل عن عشرة الاف جنية سوداني مع وقف الترخيص للصحيفة، ومصادرة موجوداتها. كما جاء في المرسوم، أنه في مثل جميع حالات الاعلام الكاذب كهذا( ستقع مسئولية اثبات صحة الأحداث والانباء البيانات علي المتهم). كما نص المرسوم الحكم بالسجن عشر سنوات علي كل شخص لايبلغ السلطة المخططات والمؤامرات التي تحاك لارتكاب المخالفات الآنف ذكرها)( المحجوب: الديمقراطية في الميزان، ص 243).
انتقد الحزب الشيوعي الطريقة الهمجية في ضرب الجزيرة، كما انتقد الأمر الجمهوري رقم(4)، باعتباره يصادر الحقوق والحريات الديمقراطية، بينما تغاضي الانقساميون عن هذه هذا الأمر وبرروا باعتباره موجه ضد الثورة المضادة وليس الحزب الشيوعي، وهاجموا انتقاد عبد الخالق لتصرف السلطة بعد احداث الجزيرة أبا، وباعتبار أن ذلك معادي لنظام مايو.
وتم اعتقال عبد الخالق محجوب بعد احداث الجزيرة ابا ومعه الصادق المهدي وتم نفيهما الي مصر، في عملية وصفها عبد الخالق بأنه خليفة الزبير باشا في النفي والذي اعتقلته الحكومة التركية ونفته الي مصر معتقلا!!.
وفي ابريل 1970م، قامت السلطة بحل اتحاد الشباب والاتحاد النسائي وهما تنظيمان ديمقراطيان مستقلان، وبدأت السلطة الأعداد لتكوين تنظيمات سلطوية بديلة لهما تمهيدا للاعلان لتكوين تنظيمات سلطوية بديلة لهما تمهيدا للاعلان الرسمي بتكوين الاتحاد الاشتراكي في الذكري الأولي للانقلاب في 25/مايو1969م.
هكذا بدأ النظام في مصادرة الحقوق والحريات الديمقراطية، وانشاء هياكل الدولة البوليسية ونظام الحزب الواحد ومصادرة حقوق التنظيم والتعبير.
وخلاصة الأمر، كان موقف العناصر المنقسمة ان حديث الحزب الشيوعي عن الديمقراطية هو حديث ليبرالي يتعارض مع ثورة مايو!!، وهكذا تنكر الانقساميون لكل الماضي النضالي الطويل الذي الذي تركته من خلفها القوي التقدمية السودانية حينما دافعت في جسارة ووضوح عن حقوق وحريات المواطن السوداني من اجل سيادة القانون.
جاء في قرار المؤتمر التداولي لكادر الحزب المنعقد في اغسطس 1970م ما يلي: ( اقتصرت اشاعة الديمقراطية في اجهزة الدولة الأساسية( الجيش والبوليس) علي شكل التطهير. ولكن مازالت النظم واللوائح التي تتحكم في هذه الاجهزة بعيدة عن الديمقراطية، وما زلنا بعيدين عن اهداف اعادة تنظيمها علي اسس ديمقراطية.
خلق جهازان رئيسيان للدولة في هذه الفترة وهما جهاز الأمن القومي والجهاز المركزي للرقابة العامة. ومن المهم أن يكون جهاز الأمن قوة في يد الدولة توجهه ضد أعداء الثورة الوطنية الديمقراطية( المحليين والاستعماريين) وان يعمل في حدود الشرعية وأن يخضع للقيادة السياسية والرقابة الديمقراطية. ويجب أن يوجه جهاز الرقابة المركزي في طريق التخفيف من ثقل البيروقراطية، وان تصرف جهوده نحو المراقبة المتقدمة لانجاز الخطة الخمسية).
تواصل وثيقة المؤتمر التداولي وتقول: ( ومن اجل استكمال الثورة الديمقراطية لابد من اعادة بناء الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في بلادنا علي اسس ديمقراطية ما زالت تنتظر الحل ونحن نناضل في سبيل: 1- ديمقراطية جهاز الدولة وهو شعار الثورة الديمقراطية خلافا لشعار الثورة الاشتراكية الذي يتلخص محتواه في: ( الجهاز الجديد لحكم الطبقة العاملة). 2- اشاعة الديمقراطية في حياة اغلبية الكادحين السودانيين وهم جماهير المزارعين في القطاعين الحيواني والزراعي وذلك بتغيير العلاقات الاجتماعية لما قبل الرأسمالية وباحداث اصلاح زراعي يدفع بعوامل التطور غير الرأسمالي خطوات الي الامام ويحسن من مستوي معيشة فقراء المزارعين والعمال الزراعيين. 3 ? التطبيق الفعلي لنظام الحكم الذاتي الديمقراطي في جنوب البلاد. 4- تقنين الحرية السياسية للجماهير الثورية: من حقوق في التنظيم والتعبير وشرعية منظماتها الثورية وبينها الحزب الشيوعي السوداني .. الخ. 5- تطبيق الديمقراطية في مؤسسات الانتاج الحديث وذلك بالاشتراك الديمقراطي للجماهير العاملة في ادارتها).
هكذا كان التمايز واصحا في قضية الديمقراطية بين الحزب الشيوعي وسلطة البورجوازية الصغيرة، وبين الانقساميين الذين غضوا الطرف عن مصادرة الحقوق والحريات الديمقراطية وتنكروا لماضي الحزب النضالي في هذا الجانب، الي أن عصفت بهم الديكتاتورية العسكرية ولفظتهم بعد أن استفادت منهم في ضرب الحزب الشيوعي.

ثانيا: التأميمات والمصادرة:
في مايو 1970م، قامت الحكومة بمصادرة وتأميم عدد من الشركات الخاصة، ففي 14/مايو/1970م، تم الاستيلاء علي شركات رجل الأعمال الثري عثمان صالح واولاده، وصودرت 16شركة أخري في الرابع من يونيو: مجموعة شركات بيطار، وشركة شاكروغلو وشركة كونتوميخالوس وشركة مرهج وشركة سركيس ازمرليان وشركة جوزيف قهواتي وشركة صادق ابوعاقلة واعمال حافظ البربري وشركة السجائر الوطنية(تيم نبلوك: صراع السلطة والثروة في السودان، ص 231).
اعلن جعفر نميري أولي قرارات التأميم في خطاب القاه في الذكري الأولي لاستيلائه علي السلطة وشملت جميع المصارف الي جانب اربع شركات بريطانية، وشملت البنوك 24 فرعا لبنك باركليز وستة فروع لبنك مصر واربعة فروع لناشونال اند جرند ليز وثلاثة فروع للبنك العربي والفرع الوحيد للبنك التجاري الاثيوبي والبنك التجاري السوداني وبنك النيلين والأخيرين تأسسا برأسمال سوداني.
أما الشركات البريطانية فقد كانت شركة كوتس وشركة جلاتي هانكي وشركة سودان ميركنتايل وشركة الصناعات الكيماوية الامبريالية. وفي الرابع من يونيو اممت شركة اسمنت بورتلاند علي أساس أن الاسمنت سلعة استراتيجية، واعقب ذلك تأميم عشرات الشركات الأخري، وبنهاية يونيو 1970م، كانت الدولة قد استولت علي كل الشركات العاملة في مجال التصدير والاستيراد وكل المؤسسات المالية، وغالبية مؤسسات التصنيع، كما امتد التأميم والمصادرة لتشمل مطاعم ومحلات صغيرة ودور سينما وبعض المساكن.
وقد تمثل التعويض في شكل صكوك بفائدة 4% وبنفس قيمة الممتلكات المؤممة يبدأ سدادها في عام 1980م ويستمر حتي 1985م، وقد وصفت صحيفة التايمز اللندنية التعويضات بأنها (غير عادلة ولا ناجزة وغير فعالة)( تيم نبلوك: المصدر السابق، ص 231).
وهكذا بدأت تتضخم مؤسسات القطاع العام، وقبل ذلك بدأت محاولات احكام سيطرة الدولة علي الاقتصاد والحد من حريات القطاع الخاص في وقت مبكر، ففي 16/اكتوبر/1969م، اعلن عن تأسيس شركتين حكوميتين للسيطرة علي قطاعات مفتاحية في التجارة الخارجية، واحدة لاحتكار حقوق استيراد الجوت والسكر والمواد الكيماوية والخري لاستيراد كل مشتريات الحكومة من الخارج كالسيارات والجرارات والادوية.

ولايمكن معالجة هذه الاجراءات بمعزل عن الصراع الداخلي في الحزب الشيوعي يومئذ، فتأميم البنوك وشركات التأمين والشركات الأجنبية كان من الشعارات التي رفعها الحزب الشيوعي في برنامجه المجاز في المؤتمر الرابع 1967م، بهدف تحقيق الآتي:
1- بالاستيلاء علي تلك المراكز يمكن وقف تدفق موارد البلاد الذي كان يتم في شكل أرباح البنوك وشركات التأمين وشركات التجارة الخارجية وفي شكل مرتبات وعلاوات وامتيازات للموظفين الأجانب، وفي شكل تهريب للعملة في اسعار الصادرات والواردات. ان استيلاء الدولة علي هذه الموارد يمكنها من استخدامها في عملية التنمية الاقتصادية.
2- باستيلاء الدولة علي المصارف وشركات التأمين تتمكن الدولة من التحكم في حجم المدخرات والعمل علي زيادتها باتخاذ كل القوانين المشجعة لذلك وتوجيه تلك الاستثمارات في مشاريع التنمية للقطاعين العام والخاص حسب الاسبقيات والاولويات التي تضعها الحكومة في خطط التنمية الاقتصادية.
3- وباستيلاء الدولة علي البنوك وتصدير واستيراد السلع الأساسية تتمكن من التحكم في التجارة الخارجية من حيث الجهات والدول التي تتعامل معها ومن حيث نوعية السلع المستوردة ومن ناحية الكميات ويصبح للدولة وضع احتكاري يمكنها من ايجاد احسن الاسعار للصادرات واقل الاسعار للواردات والتحكم في تموين البلاد باحتياجاتها الضرورية من السلع.
( أزمة طريق التطور الرأسمالي في السودان، اصدار الحزب الشيوعي السوداني، 1973م ، ص 30).
ولكن ما حقيقة التأميمات والمصادرة:
1- لقد اتخذت هذه الاجراءات بدون أن يصدر قرار بذلك لا من مجلس الثورة ولامن مجلس الوزراء، بل اتخذها عدد من اعضاء مجلس الثورة من وراء ظهر بقية الأعضاء.
2- كان هناك تفكير من جانب المنقسمين من الحزب الشيوعي السوداني وبعض أعضاء مجلس الثورة يقول:اذا ما قامت الحكومة بالتأميم والمصادرة، تكون قد نفذت شعارات الحركة الثورية وتكسب الحكومة القوي التقدمية الي جانبها وتسحب البساط من تحت أقدام الحزب الشيوعي ويسهل بذلك ضربه. ولهذا تمت هذه القرارات في عجل وفي وقت بدأ السخط يزداد بسبب نفي سكرتير الحزب الشيوعي وبداية الاضطهاد للقوي الثورية، وتمت كذلك دون مشاورة العناصر التقدمية في مجلس الوزراء أو في مجلس قيادة الثورة.
تواصل وثيقة( أزمة التطور الرأسمالي ..)، وتقول: ( في مجال المصادرة كان رأي القوي التقدمية ولايزال أن هذه المرحلة من تطور الاقتصاد السوداني ? مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية- تتطلب موضوعيا قيام القطاع الخاص بدور هام في التنمية الاقتصادية في اطار الخطة العامة التي ترسمها الحكومة، وأن أى انكار لدور القطاع الخاص في هذه المرحلة الانتقالية، ومحاولة القفز فوق المراحل أمر خطير وضار بالاقتصاد القومي، ولذا يجب عدم اتخاذ اجراءات يسارية عفوية تخيف القطاع الخاص وتجبره علي الانكماش. ان المصادرة لأى فرد أو جهة من الجهات يمكن أن تتم في ظل القانون والشرعية الثورية ويجب الا تتم دون تهم محددة ودون تقديم المتهم للمحاكمة واعطائه فرصة الدفاع عن نفسه. لقد تمت المصادرة بطريقة مستعجلة وبدون محاكمة الأمر الذي ادي الي كثير من الجرائم وعمليات الفساد والافساد واصبحت مجالا للتهديد والابتزاز. لقد ادت عمليات المصادرة الي نشر جو من الفزع والخوف عند جميع افراد القطاع الخاص والي اخفاء الأموال والاحجام عن الاستثمار، المر الذي أضر بعمليات التنمية الاقتصادية. بالاضافة الي ذلك اضرت كثيرا بالشعارات الاشتراكية وتشويهها، واصبحت كل الجرائم والفساد والسرقة يتم باسم الاشتراكية).
ويؤكد د. منصور خالد الذي كان وزيرا للشباب والرياضة يومئذ، في كتابه(السودان والنفق المظلم) ما جاء في وثيقة الحزب الشيوعي ويقول حول الجهة التي ايعزت لنميري للقيام بتلك التاميمات والمصادرة ، يقول د. منصور خالد( لقد وجد النميري سنا قويا في معركته مع الشيوعيين من داخل الحزب الشيوعي نفسه، خاصة من جانب المجموعة المنشقة بقيادة احمد سليمان وزير التجارة الخارجية ومعاوية ابراهيم وزير الدولة للشئون الخارجية ووزير العمل، وحاولت تلك المجموعة احراز نصر علي الحزب الشيوعي بالضغط من أجل التأميم الشامل والمصادرات والذي قام باعداد تفصيلاتها احمد سليمان بمعاونة المستشار الاقتصادي لمجلس قيادة الثورة احمد محمد سعيد الأسد ، وقد هزت تلك التأميمات الاختباطية الاقتصاد السوداني هزا عنيفا لسنوات).
ويخلص د. منصور خالد الي أن الحزب الشيوعي لاعلاقة له بالتأميمات والمصادرة، وقد كان صادقا في ذلك.
أما عبد الخالق محجوب فقد كتب مقالا في صحيفة( أخبار الاسبوع) بتاريخ يوليو 1970م، بعنوان ( حول المؤسسات المؤممة والمصادرة)، جاء فيه( ان المصادرة في هذه الفترة الوسيطة من الثورة الوطنية الديمقراطية تعتبر عقوبة اقتصادية علي اصحاب المال ( من الرأسماليين) الذين يخرجون علي قوانين واومر الدولة المالية والاقتصادية وبهذا يضعفون التخطيط المركزي ومؤشراته المختلفة التي رسمتها الدولة ، وبما ان هذا الاجراء السياسي الاقتصادي والاجتماعي احراء خطير في هذه المرحلة التي مازالت فيها العناصر الرأسمالية مدعوة للاسهام في ميدان التنمية وتنفيذ الخطة الخمسية. من المهم أ لا تقتصر المصادرة في اطار سيادة الدولة علي رعاياها. يجب أن تحاط المصادرة بالتالي:
1 ? وضع تشريعات دقيقة ومفصلة ومحكمة تشمل الجرائم التي تستوجب توقيع عقوبة المصادرة.
2 ? تعرض الأموال المختلفة علي دائرة قضائية لها القدرة علي الحسم السريع في القضايا وذات قدرات سياسية ايضا(برئاسة عضو من مجلس قيادة الثورة مثلا).
لماذا نقترح هذا؟.
أ ? لأن في هذا ضمان لانتفاء الفساد وتفادي القرارات الذاتية التي ربما طوحت في كثير من الاحيان عن الموضوعية.
ب ? لادخال الطمأنينة في قلوب اصحاب اصحاب المال الذين تحتاج اليهم البلاد الي استثماراتهم في هذه الفترة مدركين جيدا أن العلاقات الرأسمالية مازالت تمتد الي اعماق مجتمعنا، الي خلاياه الأساسية).
وخلاصة الأمر كانت قرارات التأميمات والمصادرة خاطئة حيث قامت زمرة المنقسمين من الحزب الشيوعي مع زين العابدين محمد احمد عبد القادر ومحمد عبد الحليم، بتعيين مجالس ادارات ومديري البنوك والمؤسسات دون التشاور مع مجلس الثورة أو مجلس الوزراء مما أدى الي تعيين عدد كبير من الأشخاص غير الاكفاء لهذه المناصب بسبب عدم معرفتهم وقلة تجربنهم بالمسائل الاقتصادية والمالية وعدم الامانة. الأمر الذي عرض النشاط الاقتصادي لهذه المؤسسات لكثير من الاضرار والخسائر ولعمليات الثارء الحرام، وبدلا من أن تكون مصدرا للارباح للقطاع العام ومساعدته في التنمية تحول الكثير من هذه المؤسسات من مؤسسات رابحة الي مؤسسات تشكل عبئا علي مالية الدولة مثل مؤسسة الزيوت الافريقية وغيرها. بالاضافة الي ذلك تزايد عدد المستخدمين في هذه المؤسسات لابسبب حوجة العمل، ولكن بهدف ارضاء الحكام بتعيين المحاسيب والاقرباء وغيرهم الأمر الذي ادى الي ارتفاع تكلفة الانتاج والي تقليل الأرباح وزيادة الخسائر.( أزمة طريق التطور الرأسمالي، ص 31).
اضافة الي أنه اثناء عملية استلام المؤسسات المصادرة والمؤممة تمت كثير من عمليات النهب لللاموال من الخزائن والبضائع والي سرقة الكثير من المعدات والاثاثات من المنازل. كما قام المسئولون عن الكثير من الشركات بعمليات فساد كبيرة مع رجال القطاع الخاص، وذلك بالتحكم في استيراد السلع لصالح مجموعات قليلة من التجار وتحويلها للسوق السوداء كما حدث في تجارة الاسبيرات ومواد البناء وبعض المنسوجات والتلاعب بحسابات هذه المؤسسات. لقد ورث الكثير من المديرين كل امتيازات اصحاب هذه المؤسسات من منازل وعربات وعلاوات. وكل ذلك تم تحت شعار الاشتراكية الأمر الذي أدي الي تشويه معنى تحرير الاقتصاد السوداني والمفاهيم الاشتراكية واضر بقضية التمية الاقتصادية وبتبديد موارد البلاد.
وبهذا الشكل بدأت تنشأ فئة الرأسمالية المايوية الطفيلية علي حساب جهاز الدولة عن طريق النهب والفساد،وفي عملية حراك طبقي شهدتها الفترة المايوية. مما يوضح أن الصراع الداخلي في الحزب الشيوعي كان له علاقة بالصراع الطبقي الدائر في المجتمع ومن خلال تطلع فئات من كادر الحزب الشيوعي للثراء السريع والانضمام الي نادي الرأسمالية السودانية.
ثالثا: السلم التعليمي:
اعلنت الحكومة السلم التعليمي الجديد بطريقة متعجلة، لم يتم فيها التشاور مع المعلمين والمختصين، وكانت هذه الطريقة مثار نقد عبد الخالق محجوب في وثيقته التي قدمها للمؤتمر التداولي، يقول عبد الخالق( من زاوية السياسة التعليمية: ان نضال القوي التقدمية من طلاب ومعلمين لدفع وزارة التربية والتعليم في طريق المساهمة في النهضة الثقافية الوطنية في بلادنا، نضال قديم وله جذوره . ومنظمات المعلمين الديمقراطية لها نقد متعدد الجوانب للبرامج ولنظم التعليم في بلادنا، ولكننا نلحظ أن هذا المرفق المهم يسير علي طريق خاطئ:
– الكثير من الخطوات التي اتخذها الوزير ذات طابع دعائي ولم تستهدف تغييرا جوهريا في التعليم لخدمة الثورة الديمقراطية. مشروع الاستيعاب الذي يستهدف ديمقراطية التعليم لم يستفد منه الا ميسورو الحال من أبناء المدن التي فيها مدارس غير حكومية.( علي سبيل المثال: في 21 يونيو/1969م، اصدرت الحكومة قرارا برفع عدد التلاميذ المقبولين في المدارس المتوسطة من 24 الفا الي 38,500 وفي المدارس الثانوية من سبعة الآف اي 10,400 وذلك للعام الدراسي القادم)(تيم نبلوك،ص 232).
– لم يتم اشراك نقابات المعلمين في التخطيط التربوي، وفي تنفيذ برامج الديمقراطية التي ناضلت من قبل لتحقيقها. ان الاتجاه الرسمي للوزارة يتجاهل الطرق الديمقاطية في العمل ويعمل لفرض سياسة لا تتلاءم مع ظروف بلادنا واهداف ثورتنا الثقافية. انه يطبق ما يجري في ج.ع.م(مصر) تطبيقا اعمي.
يواصل عبد الخالق الي أن يقول: (ونستطيع القول أن هذه الوزارة التي تلعب دورا مهما في ميدان أساسي للثورة الديمقراطية- واعني البعث الوطني الثقافي ? تعاني من سلبيات وأخطاء فاحشة، لابد من النضال ضدها. وأخطر هذه السلبيات هو الفهم القاصر والتصور الخاطئ للثورة الثقافية المنبعثة من خصائص شعبنا ومن حضارته العربية والزنجية، واللجوء الي النقل الاعمي بلا تمييز ولا نظرات ناقدة)( ص،133 ? 134 ).
كما جاء في المؤتمر التداولي لكادر الحزب المنعقد في اغسطس 1970م حول هذه القضية مايلي:
( وفي مايختص بالثورة الثقافية النابعة من المرحلة الوطنية الديمقراطية فالتوجيهات الأساسية في هذه القضية خاطئة: 1- اقتصر المجهود في حيز التعليم المدرسي، ولم تطرح قضايا الثقافة الشعبية من محو للامية ومن بعث ثقافي يعبر عن ثروات شعبنا الحضارية ويساهم في ازاحة المؤثرات المختلفة عن كاهل المواطنين. 2- المجهود التعليمي لايستهدف ديمقراطية التعليم من حيث تحقيق الزاميته، من حيث توجيهه نحو ابناء الكادحين. اننا نحتاج بالوتائر الراهنة الي اكثر من 38 سنة لاستيعاب كل الاطفال من الذين هم في سن التعليم في المدارس الابتدائية. 3 ? لايرتبط التعليم بحاجيات الخطة الخمسية وما ينتظر بلادنا من ثورة اقتصادية)( ص ، 159، في المصدر السابق).
جاء في خطاب للحزب الشيوعي للديمقراطيين 1971م حول السلم التعليمي مايلي: ( لقد استطاع الوزير الحالي( محي الدين صابر) أن يوهم الرأي العام وجمهور المعلمين بأن في ادخاله لنظام السلم التعليمي الجديد قد احدث ثورة في التعليم مستغلا في ذلك الاستجابة العظيمة التي قابل بها المواطنون المشاكل التي نتجت عن تطبيق السلم التعليمي الجديد ولكننا امام ادعاء يجب علي كل شيوعي وثوري ان يحدد موقفنا منه . الا وهو هل ما يجري الآن في بلادنا من تطبيق لسلم تعليمي جديد وتغيير في بعض المناهج هو الثورة الثقافية التي ننشدها جميعا؟ وكيف يمكن أن نتحدث عن ثورة تعليمية أو ثقافية اذا كانت هذه الثورة التعلمية المزعومة لاتمس جوهر الحقيقة التي تؤكد أن 82% من سكان بلادنا مازالوا يعانون من الأمية. كيف يمكننا أن نتحدث عن أية ثورة ونحن لانستطيع أن نتقدم بأى مشروع لمحاربة هذا التحدي العظيم؟ ان الثورة الثقافية نفسها لن يكتب لها الانتصار اذا بقيت غالبية شعبنا تعيش في امية وفي جهل مطبق. ثم كيف يجوز لنا أن نتحدث عن الثورة التعليمية بينما نحن لانستطيع ان نتقدم بأى مشروع يقدم من التعليم المهني في بلادنا ، ذلك التعليم الذي تعتمد علي وجوده تطوير كل مشاريع التنمية الصناعية والزراعية التي نصبوا الي انجازها في خططنا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية؟
ثم كيف يجوز لنا ان نتحدث عن ثورة ثقافية بينما تراثنا الثقافي يرقد بين الاطلال يبحث عن من ينقب فيه ؟ اهي مشاريعنا لاحياء ذلك التراث ؟ ماهي مشاريعنا في ميادين الفنون والآداب ، في الغناء والموسيقي والرقص الشعبي ، في ميادين الشعر والتأليف والقصص ؟ ان الحديث عن الثورة الثقافية لايستقيم في نظر أى عاقل ما لم يعالج بصورة جادة قضية احياء التراث الثقافي للشعب السوداني)( ص، 11- 12).
هذا وقد اصدر د.محمد سعيد القدال كتابا ممتازا بعنوان( التعليم في مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية)، 1971م، أوضح فيه التمايز بين الشيوعيين وسلطة البورجوازية الصغيرة حول مفهوم التعليم واهدافه في مرحلة الثورة الديمقراطية، والكتاب خلاصة لما توصلت اليه حركة المعلمين الديمقراطية ونقاباتها في مضمار اصلاح التعليم، ويمكن للقارئ الراغب في المزيد أن يرجع له.
رابعا: أحداث الجزيرة أبا:
في مارس 1970م، وقعت احداث الجزيرة أبا المشهورة، وكانت أول مواجهة مسلحة للنظام قام بها حزب الأمة بقيادة الامام الهادي المهدي، واتحادي الديمقراطي بقيادة الشريف الهندي، اضافة للاخوان المسلمين، وكانت معارضة ومطالب الامام الهادي المهدي تركز علي النقاط الستة التالية في مقابلته مع اللواء ابو الدهب:
1- وجوب ازالة الواجهة الشيوعية من السلطة فورا.
2- أن تكون مسودة الدستور الاسلامي التي اعدت قبيل حركة مايو هي الأساس لاقرار دستور دائم.
3- اجواء انتخابات حوة في البلاد.
4- اطلاق سراح السجناء السياسيين وعلي رأسهم الصادق المهدي.
5- ايقاف جميع الاتفاقات مع المعسكر ا

تعليق واحد

  1. هناك تشابه بين انقلاب نمبري وانقلاب البشير وبين الحزب الشيوعي والجبه الإسلامية
    فالحزبين يتفقان في فرض افكارهم على الآخرين بالقوة وبنظام سياسي يهيمن عليه حزب واحد كما هو الحال في الصين الشيوعية وايران الإسلامية
    وهناك ايضا تشابه في الصراعات الداخلية بين اعضاء الحزب الواحد بعد الاستيلاء على السلطة. التمرد على مفكري الحزب كعبد الخالق والترابي عامل مشترك. ومن الطبيعي ان يكون هناك نسبة من الفاسدين في الحزبييين يسهل لهم ان يفسدوا في الأرض في نظام الحزب الواحد.

  2. لماذا لم يشر الكاتب الى انقلاب هاشم العطا في هذا التحليل الطويل ؟؟؟ هل تعمد الكاتب ذلك أم ماذا ؟؟؟؟؟؟؟

    مع تحياتي .

  3. مايو حكمت السودان حتى 1983م حكما وطنيا ورشيدا وحققت تنميه مقدره بقليل من القطن والصمغ والفول والكركديه واكتشفت البترول ولكنها لم تستفد منه في التنميه وحتى انجازاتها التى قامت بها تفوق انجازات اي حكومة من بعدها ومن قبلها مع هذه الموارد الضئيله
    لم يشهد للرئيس السوداني او مايو فسادا يذكر بل ان الرئيس جعفر نميري مات وهو لا يملك منزلا وكذلك الكثير من قادة مايو
    مايو استلمت السودان مليون ميل مربع واعادته للشعب السوداني مليون ميل مربع
    ولكن يبقى سؤال ماهو سر تدهور ثورة مايو وانهيارها على هذا النحو المريع ومن يقف وراء ذلك ولماذا لم يشهد السودان خيرا بعد مايو حتى اليوم..ده السؤال؟؟؟؟؟؟؟؟ !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!

  4. هناك تشابه بين انقلاب نمبري وانقلاب البشير وبين الحزب الشيوعي والجبه الإسلامية
    فالحزبين يتفقان في فرض افكارهم على الآخرين بالقوة وبنظام سياسي يهيمن عليه حزب واحد كما هو الحال في الصين الشيوعية وايران الإسلامية
    وهناك ايضا تشابه في الصراعات الداخلية بين اعضاء الحزب الواحد بعد الاستيلاء على السلطة. التمرد على مفكري الحزب كعبد الخالق والترابي عامل مشترك. ومن الطبيعي ان يكون هناك نسبة من الفاسدين في الحزبييين يسهل لهم ان يفسدوا في الأرض في نظام الحزب الواحد.

  5. لماذا لم يشر الكاتب الى انقلاب هاشم العطا في هذا التحليل الطويل ؟؟؟ هل تعمد الكاتب ذلك أم ماذا ؟؟؟؟؟؟؟

    مع تحياتي .

  6. مايو حكمت السودان حتى 1983م حكما وطنيا ورشيدا وحققت تنميه مقدره بقليل من القطن والصمغ والفول والكركديه واكتشفت البترول ولكنها لم تستفد منه في التنميه وحتى انجازاتها التى قامت بها تفوق انجازات اي حكومة من بعدها ومن قبلها مع هذه الموارد الضئيله
    لم يشهد للرئيس السوداني او مايو فسادا يذكر بل ان الرئيس جعفر نميري مات وهو لا يملك منزلا وكذلك الكثير من قادة مايو
    مايو استلمت السودان مليون ميل مربع واعادته للشعب السوداني مليون ميل مربع
    ولكن يبقى سؤال ماهو سر تدهور ثورة مايو وانهيارها على هذا النحو المريع ومن يقف وراء ذلك ولماذا لم يشهد السودان خيرا بعد مايو حتى اليوم..ده السؤال؟؟؟؟؟؟؟؟ !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!

  7. الحزب الشيوعي انتهى تماما بتصفية نميري لقياداته
    وهو حزب بحكم المعدوم جماهيريا و فكريا الان
    حزب يعيش على الالام القديمة وتراثه القديم
    وليس له فعل ذو تأثير يذكر

    حزب في الجرايد والمنتديات فقط

  8. من بين قادة الحزب الشيوعي السوداني يعتبر تاج السر عثمان بابو الأكثر كتابة وتأليفا ونشرا خصوصا في مجال قضية تأريخ الحزب وانقساماته. وتجد كتاباته رواجا في المواقع اليسارية على الشبكة العنكبوتية وخصوصا موقع الحوار المتمدن.لكن تاج السر عثمان (بابو) هو في ذات الوقت أقل هؤلاء القادة اتساقا في كتاباته وأكثرهم مقدرة على عدم قول الحقيقة أو على الأقل تمويهها لتمرير أجندة حزبية كثيرا ما تتعارض مع الدقة والحياد المفترضين في من يتصدى لمهمة تدوين التاريخ ، وعلى وجه الخصوص التاريخ المعاصر.
    مقاله في الراكوبة بعنوان (الذكري ال 47 لانقلاب 25 مايو 1969م). اوحى لي بالعديد من الأفكار حول ما احتواه من وقائع وإحكام وتقديرات تتعلق بموقف الحزب الشيوعي السوداني من انقلاب العقيد جعفر محمد نميري ورواده من القوميين العرب والناصريين.
    يقول تاج السر عثمان بابو (واجه الحزب الشيوعي بعد انقلاب مايو، ظروفا معقدة وصعبة، لم يواجهها من قبل، فكان هناك الصراع المركب أو المزدوج: ضد السلطة الانقلابية والصراع الفكري داخل الحزب، وزاد من تعقيد هذا الصراع تبني الانقلابيين لأجزاء كبيرة من برنامج الحزب وتعيين شيوعيين في مجلس قيادة الثورة صبيحة الانقلاب وتعيين وزراء شيوعيين بصفتهم الشخصية ودون إعطاء الحزب الحق في تحديد من يمثلونه، مما يعني نسف استقلال الحزب تمهيدا لتصفيته، هذا فضلا عن فرض ديكتاتورية عسكرية صادرت كل الحقوق والحريات الديمقراطية باسم التقدم والاشتراكية!!(أي – إذا جاز استخدام لغة اليوم – أن الانقلابيين اخترقوا أجندة الحزب الشيوعي وتبنوها وأفرغوها من مضمونها)، لدرجة تصور فيها الكثيرون أن الحزب الشيوعي وراء هذا الانقلاب).
    الحقيقة أن الظروف التي سماها بابو (ظروفا معقدة وصعبة) لم تكن أبدا كذلك. الصعوبة والتعقيد اللذان بديا لتاج السر ناجمان عن الضعف الفكري الذي عانى منه ? بل وعانت منه ? كل الحلقة القيادية في الحزب حينذاك وميزها حتى الآن. فحدوث انقلاب عسكري ليس فيه أي تعقيد وهو واقع واجهته عشرات الأحزاب الشيوعية في مختلف أنحاء العالم واتخذت حوله مواقف قادت في النهاية لتجاوز واقع الانقلاب ? في حال صحة تلك المواقف ? أو الغرق في مستنقع المراوحة حين يتبنى الحزب وقيادته موقفا خاطئا لا مبدئيا ومتذبذبا كما فعلت قيادة الحزب الشيوعي السوداني وبصورة قادت في النهاية لتصفية تلك القيادة جسديا والإجهاز على نفوذ الحزب الجماهيري وثقله السياسي والنقابي بصورة لم يستطع الخروج منها حتى الآن.
    وقد منعت القدسية التي يكنها الشيوعيون للقيادة التاريخية للحزب واستشهادها في خضم نجاح وسقوط سلطة انقلاب 19 يوليو 1971 م من تناول ذلك الأمر بصورة موضوعية. وظلت أحاديث التمجيد للبطولة والاستشهاد الشجاع لمؤسس الحزب ورفاقه المدنيين والعسكريين تطغى على كل محاولات التقييم الموضوعي. بل أن القيادة التي جاءت بعد عودة نميري للسلطة في 22 يوليو 1971م قد أخفقت ? بل تعمدت ? في تقييم موقف الحزب من انقلاب 25 مايو 1968م ودور الحزب في انقلاب 19 يوليو 1971م. فما من شيوعي تجرأ على القول بـأن كلا الموقفين كانا خاطئين ومخالفين لخط الحزب السياسي وإستراتيجيته السياسية التي أقرها مؤتمره الرابع الذي عقد في أعقاب نجاح ثورة أكتوبر 1964م.
    فالانقلابات لا يحكم عليها بالشعارات التي ترفعها أيا كانت ? كما يحاول أن يقنعنا تاج السر – وإنما بطبيعة قيادتها والانتماء الطبقي والسياسي لتلك القيادة. كما يتخذ الموقف من الانقلابات بناءا على مدى تطابق حدوثها مع إستراتيجية وتكتيكات الحزب وبرنامجه السياسي المقرة في مؤتمراته. وإعمال أي من المعيارين ل على خطأ موقف الحزب وخطل تقديرات قيادته. لقد فضلت قيادة الحزب الشيوعي السوداني تقديراتها الذاتية للتوازنات والضغوط السياسية الماثلة في تلك اللحظة التاريخية على الموقف المبدئي المعبر عنه في برنامج الحزب وخطه السياسي المجاز في مؤتمره العام الرابع
    فمن ناحية كان المؤتمر العام الرابع للحزب الشيوعي السوداني قد أقر برنامجا وخطا سياسيا قائما بصورة محورية على تحويل الحزب لقوة سياسية واجتماعية ضاربة وعلى بناء الجيش السياسي الجماهيري القادر على تحقيق مهام التغيير في السودان عبر طريق النضالات الجماهيرية الشعبية كسبيل وحيد لفتح طريق التحول الديمقراطي بأفقه الاشتراكي.
    كان برنامج الحزب السياسي وخطه المقر في المؤتمر واضحا وقاطعا وحاسما في تحديد طريق النضال الديمقراطي الجماهيري الشعبي كسبيل وحيد للتغيير. وجعل البرنامج من ديمقراطية الفعل السياسي وشعبيته وجماهيريته معايير لا بديل لها لتقييم أي فعل أو رد فعل سياسي. وبهذا المعنى فقد كان واضحا أن انقلاب 25 مايو 1968م كان عملا فوقيا محدودا قامت به فئة من الضباط بمعزل عن حركة الجماهير الديمقراطية والتي كانت في وضع معقول (مقارنة بالوضع الذي نشأ بعد الانقلاب). ولم يكن الانقلاب بأي حال من الأحوال متميزا بصفة الديمقراطية ولا الجماهيرية ولا الشعبية. إعمال المعايير التي اقرها المؤتمر الرابع كان يفرض على قيادة الحزب رفض الانقلاب ومقاومته منذ اللحظة الأولى كما فعلت في 17 نوفمبر 1958م عندما وقع انقلاب عبود العسكري.
    موقف قيادة الحزب في 17 نوفمبر 1958م كلفها بعض الخسائر التكتيكية من اعتقال وملاحقة بوليسية وتضييق. لكنه بالمقابل اكسبها مصداقية لدى الجماهير مما أهل الحزب لقيادة نضال استمر لست سنوات وانتهى بإسقاط نظام عبود عبر انتفاضة 21 أكتوبر 1964م والتي استندت على تراكمات نضالات الشعب الجماهيرية وسلاح الإضراب السياسي والعصيان المدني الذي شهره الحزب وعبأ الجماهير حوله بجدارة واقتدار مما فرض على قوى اليمين أن تقبل بالحزب لاعبا أساسيا وفاعلا في الساحة السياسية حتى حين. وما كان للحزب الشيوعي أن يحقق ما حققه من نجاح في قيادة النضالات الجماهيرية لولا صحة موقفه ومصداقيته في رفض الانقلاب العسكري لعبود وجنرالاته منذ يومه الأول مقارنة بالمواقف المترددة والمائعة ? بل والمؤيدة للانقلاب ? التي تبنتها أحزاب وقوى اليمين ممثلة في قيادة طائفتي الأنصار والختمية.
    المعيار الثاني للحكم على الانقلاب العسكري هو الطبيعة الطبقية والانتماء السياسي لقيادته. وهنا كان الاتفاق تاما بين جناحي الحزب. فقد رأى الكل في قائد الانقلاب ومن معه من الرواد ضباطا ينتمون للبرجوازية الصغيرة بكل خوائها الفكري ومطامعها وترددها السياسي. كما كان الجميع على وعي بان الكتلة الغالبة من ضباط الانقلاب هم من القوميين العرب والناصريين.
    وقد كان للحزب ذخيرة وافرة في تجربة هؤلاء في مصر وما انتهت إليه من تصفية كاملة لكل فصائل الشيوعيين المصريين وإنهاء كل نفوذ لهم وسط الطبقة العاملة المصرية وحلفائها من الفلاحين. تم كل ذلك تحديدا من خلال سرقة وتبني شعارات الحركة الشيوعية والعمالية تمهيدا للسيطرة عليها ومن ثم تصفيتها. ما من سبب يمكن أن يدفع قيادة الحزب لحسن الظن بالضباط الناصريين والقوميين العرب أو حتى لمجرد الشك في أن انقلابهم لا يستهدف تصفية الحزب الشيوعي والحركة العمالية وإنهاء وجودهما.
    وما من سبب كان يمكن أن يبرر للشهيد راشد ومن معه في قيادة الحزب التردد في إدانة الانقلاب وإعلان معارضة الحزب له وفضح أهدافه الحقيقية واتخاذ الإجراءات التأمينية التي تتيح للحزب الانتقال لأساليب المقاومة السياسية السرية. مثل ذلك الموقف الثوري والصحيح كان يضع الحزب الشيوعي السوداني على رأس القوى الديمقراطية التي كانت حتما ستنتصر على ديكتاتورية النميري العسكرية المتسربلة بشعارات التقدم والاشتراكية.
    بدلا من ذلك الموقف المبدئي الثوري اتخذت لجنة الحزب المركزية موقفا وسطيا مساوما مهادنا مبنية على تقديرات ذاتية ومؤسسا على تقييم غير صحيح لتوازن القوى في البلاد. أمسكت قيادة الحزب بالعصا من الوسط. ومن هنا بالذات بدأت سلسلة التنازلات التي جعلت الانقلابيين وحلفائهم داخل الحزب يتطاولون عليه ويدفعونه في طريق ردات الفعل المتتالية والتي قادته في النهاية لتأييد انقلاب آخر هو انقلاب 19 يوليو 1971م. وانتهى الأمر بتصفية شبه كاملة للحزب ونفوذه. وهو بالضبط ما كانت قيادة الحزب تحاول تفاديه بموقفها اللامبدئي من انقلاب 25 مايو 1969م.
    لم يتوقف ضرر الموقف الخاطئ لقيادة الحزب من انقلاب 25 مايو 1969م على التصفية الجسدية لسكرتير الحزب وابرز قياداته المدنية والعسكرية واعتقال كوادره وأعضائه والزج بهم في السجون. امتد الضرر ابعد من ذلك ليطال مصداقية الحزب ومواقفه السياسية. أقسام واسعة من الجماهير التي كانت تحت التأثير الفكري للحزب تراجعت. واستطاعت دعايات أحزاب اليمين أن تحمل الحزب الشيوعي ? في المخيلة الشعبية ? كل أوزار (مايو الشيوعية). كما أن ما صحب انقلاب 19 يوليو 1971م من مجازر بشعة ما زال منسوبا ? في نلك المخيلة ? للحزب الشيوعي. لم تفلح الجهود المبذولة كثيرا في تحسين صورة الحزب رغم أن الوقائع تؤكد أنه بريء من تهمة مجزرة بيت الضيافة. غير أن المخيلة الشعبية لا تخلقها الوقائع وإنما تتأثر بالآلة الإعلامية الجبارة لليمين والتي أفلحت في استغلال خطأ موقف قيادة الحزب في تحميل الحزب كل تبعات سياسات نظام 25 مايو 1969م وانقلاب 19 يوليو 1971م.
    ما تبقى من مقال تاج السر ليس سوى غرق في تفاصيل الصراع الذي نشب بين جناحين في اللجنة المركزية في الحزب. كان أحد الجناحين يدعوا للتأييد الكامل الشامل غير المشروط للانقلاب بينما كان الثاني يدعو للتأييد من موقع الاستقلال السياسي والتنظيمي مع الحق في تأييد الصحيح من السياسات ونقد الخاطئ منها. والاختلاف بين الموقفين اختلاف مقدار فقط. كلا الموقفين كان ينطلق من رؤية نظرية تتعارض مبدئيا مع خط الحزب السياسي وبرنامجه المجاز في المؤتمر الرابع (إستراتيجية التغيير عبر العمل السياسي الجماهيري الديمقراطي).
    أعرف أن الأمر صعب جدا على الشيوعيين الذين يكنون تقديرا عظيما للشهيد عبد الخالق محجوب ولدوره البارز في بناء الحزب الشيوعي وتأسيس لبناته الأولى. وهو تقدير أشاركهم فيه. لكن ذلك التقدير لا يمنعني من رؤية الحقيقة التي أغمضوا أعينهم عن رؤيتها. لقد أخطأ الحزب بقيادة الشهيد عبد الخالق في تأييده لانقلاب 25 مايو 1969م وتدبير انقلاب 19 يوليو 1971م (آو تأييده فالأمر سيان).
    كان ذلك الخطأ هو الموس التي قطعت حبل المسبحة فكرت حباتها متساقطة ليكون أول ضحاياها عبد الحالق نفسه نفيا واعتقالا ثم إعداما واجهه ببسالة نادر وشجاعة لا مثيل لها. لكن استشهاد عبد الخالق ورفاقه البطولي لا يجب أن يحجب عن الشيوعيين والديمقراطيين رؤية خطئهم السياسي والاعتراف به ونقده.
    ظلت قيادة الحزب منذ ذلك الوقت تحاول أن تدور حول أهمية ذلك النقد الذاتي الواضح والصريح مما ادخل الحزب ومجمل حركة التقدميين السودانية في أزمة خانقة تمسك بتلابيبها وتخنق أنفاسها وتحول بينها وبين جماهيرها حتى اليوم…

  9. الحزب الشيوعي انتهى تماما بتصفية نميري لقياداته
    وهو حزب بحكم المعدوم جماهيريا و فكريا الان
    حزب يعيش على الالام القديمة وتراثه القديم
    وليس له فعل ذو تأثير يذكر

    حزب في الجرايد والمنتديات فقط

  10. من بين قادة الحزب الشيوعي السوداني يعتبر تاج السر عثمان بابو الأكثر كتابة وتأليفا ونشرا خصوصا في مجال قضية تأريخ الحزب وانقساماته. وتجد كتاباته رواجا في المواقع اليسارية على الشبكة العنكبوتية وخصوصا موقع الحوار المتمدن.لكن تاج السر عثمان (بابو) هو في ذات الوقت أقل هؤلاء القادة اتساقا في كتاباته وأكثرهم مقدرة على عدم قول الحقيقة أو على الأقل تمويهها لتمرير أجندة حزبية كثيرا ما تتعارض مع الدقة والحياد المفترضين في من يتصدى لمهمة تدوين التاريخ ، وعلى وجه الخصوص التاريخ المعاصر.
    مقاله في الراكوبة بعنوان (الذكري ال 47 لانقلاب 25 مايو 1969م). اوحى لي بالعديد من الأفكار حول ما احتواه من وقائع وإحكام وتقديرات تتعلق بموقف الحزب الشيوعي السوداني من انقلاب العقيد جعفر محمد نميري ورواده من القوميين العرب والناصريين.
    يقول تاج السر عثمان بابو (واجه الحزب الشيوعي بعد انقلاب مايو، ظروفا معقدة وصعبة، لم يواجهها من قبل، فكان هناك الصراع المركب أو المزدوج: ضد السلطة الانقلابية والصراع الفكري داخل الحزب، وزاد من تعقيد هذا الصراع تبني الانقلابيين لأجزاء كبيرة من برنامج الحزب وتعيين شيوعيين في مجلس قيادة الثورة صبيحة الانقلاب وتعيين وزراء شيوعيين بصفتهم الشخصية ودون إعطاء الحزب الحق في تحديد من يمثلونه، مما يعني نسف استقلال الحزب تمهيدا لتصفيته، هذا فضلا عن فرض ديكتاتورية عسكرية صادرت كل الحقوق والحريات الديمقراطية باسم التقدم والاشتراكية!!(أي – إذا جاز استخدام لغة اليوم – أن الانقلابيين اخترقوا أجندة الحزب الشيوعي وتبنوها وأفرغوها من مضمونها)، لدرجة تصور فيها الكثيرون أن الحزب الشيوعي وراء هذا الانقلاب).
    الحقيقة أن الظروف التي سماها بابو (ظروفا معقدة وصعبة) لم تكن أبدا كذلك. الصعوبة والتعقيد اللذان بديا لتاج السر ناجمان عن الضعف الفكري الذي عانى منه ? بل وعانت منه ? كل الحلقة القيادية في الحزب حينذاك وميزها حتى الآن. فحدوث انقلاب عسكري ليس فيه أي تعقيد وهو واقع واجهته عشرات الأحزاب الشيوعية في مختلف أنحاء العالم واتخذت حوله مواقف قادت في النهاية لتجاوز واقع الانقلاب ? في حال صحة تلك المواقف ? أو الغرق في مستنقع المراوحة حين يتبنى الحزب وقيادته موقفا خاطئا لا مبدئيا ومتذبذبا كما فعلت قيادة الحزب الشيوعي السوداني وبصورة قادت في النهاية لتصفية تلك القيادة جسديا والإجهاز على نفوذ الحزب الجماهيري وثقله السياسي والنقابي بصورة لم يستطع الخروج منها حتى الآن.
    وقد منعت القدسية التي يكنها الشيوعيون للقيادة التاريخية للحزب واستشهادها في خضم نجاح وسقوط سلطة انقلاب 19 يوليو 1971 م من تناول ذلك الأمر بصورة موضوعية. وظلت أحاديث التمجيد للبطولة والاستشهاد الشجاع لمؤسس الحزب ورفاقه المدنيين والعسكريين تطغى على كل محاولات التقييم الموضوعي. بل أن القيادة التي جاءت بعد عودة نميري للسلطة في 22 يوليو 1971م قد أخفقت ? بل تعمدت ? في تقييم موقف الحزب من انقلاب 25 مايو 1968م ودور الحزب في انقلاب 19 يوليو 1971م. فما من شيوعي تجرأ على القول بـأن كلا الموقفين كانا خاطئين ومخالفين لخط الحزب السياسي وإستراتيجيته السياسية التي أقرها مؤتمره الرابع الذي عقد في أعقاب نجاح ثورة أكتوبر 1964م.
    فالانقلابات لا يحكم عليها بالشعارات التي ترفعها أيا كانت ? كما يحاول أن يقنعنا تاج السر – وإنما بطبيعة قيادتها والانتماء الطبقي والسياسي لتلك القيادة. كما يتخذ الموقف من الانقلابات بناءا على مدى تطابق حدوثها مع إستراتيجية وتكتيكات الحزب وبرنامجه السياسي المقرة في مؤتمراته. وإعمال أي من المعيارين ل على خطأ موقف الحزب وخطل تقديرات قيادته. لقد فضلت قيادة الحزب الشيوعي السوداني تقديراتها الذاتية للتوازنات والضغوط السياسية الماثلة في تلك اللحظة التاريخية على الموقف المبدئي المعبر عنه في برنامج الحزب وخطه السياسي المجاز في مؤتمره العام الرابع
    فمن ناحية كان المؤتمر العام الرابع للحزب الشيوعي السوداني قد أقر برنامجا وخطا سياسيا قائما بصورة محورية على تحويل الحزب لقوة سياسية واجتماعية ضاربة وعلى بناء الجيش السياسي الجماهيري القادر على تحقيق مهام التغيير في السودان عبر طريق النضالات الجماهيرية الشعبية كسبيل وحيد لفتح طريق التحول الديمقراطي بأفقه الاشتراكي.
    كان برنامج الحزب السياسي وخطه المقر في المؤتمر واضحا وقاطعا وحاسما في تحديد طريق النضال الديمقراطي الجماهيري الشعبي كسبيل وحيد للتغيير. وجعل البرنامج من ديمقراطية الفعل السياسي وشعبيته وجماهيريته معايير لا بديل لها لتقييم أي فعل أو رد فعل سياسي. وبهذا المعنى فقد كان واضحا أن انقلاب 25 مايو 1968م كان عملا فوقيا محدودا قامت به فئة من الضباط بمعزل عن حركة الجماهير الديمقراطية والتي كانت في وضع معقول (مقارنة بالوضع الذي نشأ بعد الانقلاب). ولم يكن الانقلاب بأي حال من الأحوال متميزا بصفة الديمقراطية ولا الجماهيرية ولا الشعبية. إعمال المعايير التي اقرها المؤتمر الرابع كان يفرض على قيادة الحزب رفض الانقلاب ومقاومته منذ اللحظة الأولى كما فعلت في 17 نوفمبر 1958م عندما وقع انقلاب عبود العسكري.
    موقف قيادة الحزب في 17 نوفمبر 1958م كلفها بعض الخسائر التكتيكية من اعتقال وملاحقة بوليسية وتضييق. لكنه بالمقابل اكسبها مصداقية لدى الجماهير مما أهل الحزب لقيادة نضال استمر لست سنوات وانتهى بإسقاط نظام عبود عبر انتفاضة 21 أكتوبر 1964م والتي استندت على تراكمات نضالات الشعب الجماهيرية وسلاح الإضراب السياسي والعصيان المدني الذي شهره الحزب وعبأ الجماهير حوله بجدارة واقتدار مما فرض على قوى اليمين أن تقبل بالحزب لاعبا أساسيا وفاعلا في الساحة السياسية حتى حين. وما كان للحزب الشيوعي أن يحقق ما حققه من نجاح في قيادة النضالات الجماهيرية لولا صحة موقفه ومصداقيته في رفض الانقلاب العسكري لعبود وجنرالاته منذ يومه الأول مقارنة بالمواقف المترددة والمائعة ? بل والمؤيدة للانقلاب ? التي تبنتها أحزاب وقوى اليمين ممثلة في قيادة طائفتي الأنصار والختمية.
    المعيار الثاني للحكم على الانقلاب العسكري هو الطبيعة الطبقية والانتماء السياسي لقيادته. وهنا كان الاتفاق تاما بين جناحي الحزب. فقد رأى الكل في قائد الانقلاب ومن معه من الرواد ضباطا ينتمون للبرجوازية الصغيرة بكل خوائها الفكري ومطامعها وترددها السياسي. كما كان الجميع على وعي بان الكتلة الغالبة من ضباط الانقلاب هم من القوميين العرب والناصريين.
    وقد كان للحزب ذخيرة وافرة في تجربة هؤلاء في مصر وما انتهت إليه من تصفية كاملة لكل فصائل الشيوعيين المصريين وإنهاء كل نفوذ لهم وسط الطبقة العاملة المصرية وحلفائها من الفلاحين. تم كل ذلك تحديدا من خلال سرقة وتبني شعارات الحركة الشيوعية والعمالية تمهيدا للسيطرة عليها ومن ثم تصفيتها. ما من سبب يمكن أن يدفع قيادة الحزب لحسن الظن بالضباط الناصريين والقوميين العرب أو حتى لمجرد الشك في أن انقلابهم لا يستهدف تصفية الحزب الشيوعي والحركة العمالية وإنهاء وجودهما.
    وما من سبب كان يمكن أن يبرر للشهيد راشد ومن معه في قيادة الحزب التردد في إدانة الانقلاب وإعلان معارضة الحزب له وفضح أهدافه الحقيقية واتخاذ الإجراءات التأمينية التي تتيح للحزب الانتقال لأساليب المقاومة السياسية السرية. مثل ذلك الموقف الثوري والصحيح كان يضع الحزب الشيوعي السوداني على رأس القوى الديمقراطية التي كانت حتما ستنتصر على ديكتاتورية النميري العسكرية المتسربلة بشعارات التقدم والاشتراكية.
    بدلا من ذلك الموقف المبدئي الثوري اتخذت لجنة الحزب المركزية موقفا وسطيا مساوما مهادنا مبنية على تقديرات ذاتية ومؤسسا على تقييم غير صحيح لتوازن القوى في البلاد. أمسكت قيادة الحزب بالعصا من الوسط. ومن هنا بالذات بدأت سلسلة التنازلات التي جعلت الانقلابيين وحلفائهم داخل الحزب يتطاولون عليه ويدفعونه في طريق ردات الفعل المتتالية والتي قادته في النهاية لتأييد انقلاب آخر هو انقلاب 19 يوليو 1971م. وانتهى الأمر بتصفية شبه كاملة للحزب ونفوذه. وهو بالضبط ما كانت قيادة الحزب تحاول تفاديه بموقفها اللامبدئي من انقلاب 25 مايو 1969م.
    لم يتوقف ضرر الموقف الخاطئ لقيادة الحزب من انقلاب 25 مايو 1969م على التصفية الجسدية لسكرتير الحزب وابرز قياداته المدنية والعسكرية واعتقال كوادره وأعضائه والزج بهم في السجون. امتد الضرر ابعد من ذلك ليطال مصداقية الحزب ومواقفه السياسية. أقسام واسعة من الجماهير التي كانت تحت التأثير الفكري للحزب تراجعت. واستطاعت دعايات أحزاب اليمين أن تحمل الحزب الشيوعي ? في المخيلة الشعبية ? كل أوزار (مايو الشيوعية). كما أن ما صحب انقلاب 19 يوليو 1971م من مجازر بشعة ما زال منسوبا ? في نلك المخيلة ? للحزب الشيوعي. لم تفلح الجهود المبذولة كثيرا في تحسين صورة الحزب رغم أن الوقائع تؤكد أنه بريء من تهمة مجزرة بيت الضيافة. غير أن المخيلة الشعبية لا تخلقها الوقائع وإنما تتأثر بالآلة الإعلامية الجبارة لليمين والتي أفلحت في استغلال خطأ موقف قيادة الحزب في تحميل الحزب كل تبعات سياسات نظام 25 مايو 1969م وانقلاب 19 يوليو 1971م.
    ما تبقى من مقال تاج السر ليس سوى غرق في تفاصيل الصراع الذي نشب بين جناحين في اللجنة المركزية في الحزب. كان أحد الجناحين يدعوا للتأييد الكامل الشامل غير المشروط للانقلاب بينما كان الثاني يدعو للتأييد من موقع الاستقلال السياسي والتنظيمي مع الحق في تأييد الصحيح من السياسات ونقد الخاطئ منها. والاختلاف بين الموقفين اختلاف مقدار فقط. كلا الموقفين كان ينطلق من رؤية نظرية تتعارض مبدئيا مع خط الحزب السياسي وبرنامجه المجاز في المؤتمر الرابع (إستراتيجية التغيير عبر العمل السياسي الجماهيري الديمقراطي).
    أعرف أن الأمر صعب جدا على الشيوعيين الذين يكنون تقديرا عظيما للشهيد عبد الخالق محجوب ولدوره البارز في بناء الحزب الشيوعي وتأسيس لبناته الأولى. وهو تقدير أشاركهم فيه. لكن ذلك التقدير لا يمنعني من رؤية الحقيقة التي أغمضوا أعينهم عن رؤيتها. لقد أخطأ الحزب بقيادة الشهيد عبد الخالق في تأييده لانقلاب 25 مايو 1969م وتدبير انقلاب 19 يوليو 1971م (آو تأييده فالأمر سيان).
    كان ذلك الخطأ هو الموس التي قطعت حبل المسبحة فكرت حباتها متساقطة ليكون أول ضحاياها عبد الحالق نفسه نفيا واعتقالا ثم إعداما واجهه ببسالة نادر وشجاعة لا مثيل لها. لكن استشهاد عبد الخالق ورفاقه البطولي لا يجب أن يحجب عن الشيوعيين والديمقراطيين رؤية خطئهم السياسي والاعتراف به ونقده.
    ظلت قيادة الحزب منذ ذلك الوقت تحاول أن تدور حول أهمية ذلك النقد الذاتي الواضح والصريح مما ادخل الحزب ومجمل حركة التقدميين السودانية في أزمة خانقة تمسك بتلابيبها وتخنق أنفاسها وتحول بينها وبين جماهيرها حتى اليوم…

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..