رسالة إلى الطيب مصطفى وآخرين

رسالة إلى الطيب مصطفى وآخرين

بقلم/ منتصرالطيب

لقد سجلت تذكرة في صحيفة(الصحافة) في ديسمبر الماضي في الذكرى العاشرة لأحداث رواندا لاستخلاص العِبر(( لعل الذكرى تنفع المؤمنين))أشرت فيه إلى أن المجرمين الحقيقيين هم في تلك المذبحة ليسوا الغوغاء الذين حملوا السواطير والاسلحة النارية وقتلوا مئات الالاف من البشر والفاعل الحقيقي هم المحرضون والمسؤولون عن الإعلام في رواندا، الذين أججوا مشاعر البغضاء وغرائز القتل لدى الجمهور، والآن وقد كنا قاب قوسين أوأدنى من وضع مماثل لا أرى شخصاً أنسب منك لتنطبق عليه هذه الصفات أنت ومن والاك ممن جهروا بالدعوة إلى استباحة الروح البشرية. وإني الآن بصدد النظر في رفع دعوة عليكم وعلى منبركم لقيامكم بتهديد سلامتي وسلامة أسرتي ومجتمعي فالبيان الذي اصدرتموه باسم منبر السلام العادل لايمكن تصنيفه إلا تحت بند التحريض على الإبادة الجماعية التي تحرمها القوانين الدولية والشرائع السماوية. لكن أود قبلاً أن استبين في ماهية منبر السلام العادل، الذي ظهر مؤخراً والذي هو كما يبدو لي ليس إلا تجمع لبعض من الشماليين ممن يعتقد بضرورة انفصال جنوب السودان سواء بسبب الحرب أو اختلاف الثقافة والتاريخ ومن ثم انفصال دارفور وجبال النوبة ومناطق البجة وهلم جر. أنتم إذن ممن لا يمانعون في تمزيق الأمم والشعوب حتى ولو كان مالهم في حاكمة المطاف حكم((بانتوستان))صغير يقضون فيه أوطارهم لا يأبهون كيف يتم ذلك ولو كان على أكداس الجثث وأشلاء الأوطان، وفي الوقت الذي تتكتل وتتجمع فيه الأمم الغنية والقوية لتزداد غنى وقوة يسعى أمثال الطيب مصطفى بين الناس بحديث الكراهية والانفصال، الذي ما حل ببلد فصارت أفضل ودونكم أمثلة الصومال ويوغسلافيا والهند، التي كان انفصالها فاصلاً دموياً وحزيناً في التاريخ تخللته مذابح قتل فيها الملايين وأسكن الضغينة وأثمر عن دولة باكستان التي هي مرتع للتعصب والهوس والعنف الطائفي والمنطقة برمتها الآن تشكل أكبر بؤرة للتوتر النووى في العالم سنرى ماذا سيكون حال الدولتين لو كانا دولة واحدة اليوم؟ وهناك مثال الصومال الذي لم تمنع وحدة اللغة والدين والعرق من انفصالها وتحول جنوبها إلى ساحة للفوضى والاقتتال القبلي وغياب القانون. وفي يوغسلافيا التي نعمت لأول مرة بنصف قرن من السلام بين قومياتها المختلفة قبل أن يقوم بعض من أمثالكم باستدعاء عفاريت التاريخ واشباحها اعادت البلقنة وأشعلت أوار قتال لا رابح فيه إلا الشيطان.

ولعلكم غير قادرين على تسميته باسمه الحقيقى((منبرالحرب والضيم الاجتماعي)) لأنّ كلمة الحرب منكورة، فمالكم تقولون ما لا تفعلون وقد كنتم على رأس الألة الحربية طوال السنوات الماضية، وما هو تصوركم للسلام العادل عدا عن فصل الجنوب هل العدالة أن تنفرد بحكم الشمال الذي هو أحد أسوأ المجتمعات الطبقية في العالم، بينما يذهب الجنوبيون إلى أرض يباب وإلى المؤسسات المدمرة والقرى المحروقة، بينما تنعم أنت والطبقة التي أثرت من استنزاف بترول الجنوب وذهب الشرق وزراعته وتنعمون بمنازلكم التي جلبتم لها الرخام من اوروبا والأثاث من الهند وايطاليا وبالتسوق من عفراء، بينما يعتصر الفقر المدقع أكثر من أربعة ملايين من النازحين من الجنوب ودارفور وجبال النوبة الذين تركتموهم لما تجود به المنظمات التبشيرية ووكالات الإغاثة، هل هذه العدالة التي تنشدها؟ وهل تتصورأنكم يمكن أن تنعموا بثرواتكم دون وجل؟ ولقد انتهز السيد الطيب مصطفى فرصة الشغب الذي اعقب رحيل الدكتور جون قرنق ليرفع عقيرته بالصياح ألم نقل لكم ! ولكن لنفترض إن كل مثيري الشغب هم من جنوب السودان ـ لوسلمنا فرضاًـ أليسوا هم مواطنون سودانيون؟ ألم يكونوا في ذمتكم طوال السنوات الخمسين الماضية، ماذا فعلتم لهم؟ وماذا تتوقع من ملايين حرمت من التعليم والعلاج والماء النظيف دعك من كماليات الحياة التي تحبونها أنت وأمثالك حباً جماً، لكنهم حرموا قبل ذلك من الأمل, ألا نتوقع أن يخرج بضع عشرات من هؤلاء ليصبحوا خارج القانون وفي الواقع أرى إن الجنوبيين ـ بالذات ـ كمجتمع قد تمكنوا من تجاوز محنة النزوح في العاصمة والمدن الكبرى بفضل نسيجهم الاجتماعي المتماسك وجذورهم الحضارية الفريدة فلم ينزلوا إلى مهاوى التسول والدعارة والجريمة المنظمة وغيرها من الشرور الاجتماعية وجميعنا شاهد على ذلك إلا مكابر. ما حدث من انفلات أمني يوم الاثنين لا يمكن أن تجعله ذريعة لإدانة مئات الآلاف من الجنوبيين، وإن كان بينهم بعض المجرمين والممتلئة نفوسهم بالكراهية مثلكم ممن يجب أن يتم علاجهم من داء الضغينة التي تحجب الابصار و تعمي البصيرة. ولو اعقب كل شغب ترحيل الأقليات لما بقى أفريقي أو مسلم في فرنسا أو بريطانيا.

تودون أن تنعموا بالسلام الاجتماعي والأمن، لكن تجارب التاريخ وما نراه حولنا يُبيِّن إن الأمن الحقيقي بعيد المدى والمستدام في المجتمع لا تكفله الهراوات والمجنزرات وقمع الدولة مهما كانت قوة الدولة، بل في قدرة المجتمعات والدول في توفير الحدود الدنيا من العدالة الاجتماعية، يجب مقايضة الأمن بالتوزيع العادل للدخول والاحصائيات تُبيِّن إن 4% من السودانيين يحصلون على معظم الثروة القومية وفي تدهور خدمات التعليم والصحة.

لا أمن دون عدالة:

لقد امضيت بعضاً من سنوات دراستي العليا في الدنمارك حيث رأيت كما رأى غيري من السودانيين كيف ينعم سكان اسكندانافيا بالطمأنينة الشخصية دون قمع الدولة وأجهزتها وبطشها بتوزيع الثروة العادل عبر النظام الضريبي وتوفر العلاج والتعليم و سائر الخدمات. إن المثال الامريكي الذي ينبهر به أهل الانقاذ، والذي جعلوه ديدن دولتهم يحدثنا كيف أن الفوارق الاجتماعية والطبقية تُخِلُّ بالنسيج الاجتماعي، و تقود إلى امتلاء السجون، بل وإلى حدوث الانفلاتات الأمنية، كما حدث في نيو يورك ولوس انجلوس التي احترقت كلها بعد أحداث ردونى كينغ، ونيويورك التي نُهِبت عندما انقطع التيار الكهربائي لسويعات(في أمريكا أعلى معدل لنزلاء السجون في العالم، حيث يوجد حوالي الـ2 مليون شخصا مسجونا!).

الأمن في المجتمعات الطبقية يجب مقايضته بالعدالة، والمقصود هنا العدالة في توزيع الثروة والخدمات من صحة وتعليم ?..الخ ودونها دولة الدنمارك والسويد والنرويج ـ كما أسلفت ـ ومؤخراً يبدو أن هذا المفهوم قد تجلى لنائب الرئيس علي عثمان محمد طه حينما رد على أحد المزارعين من المنادين بتطبيق الشريعة بإن: الدين في العجين، أخيراً يؤوب الإسلاميون إلى حكمة قديمة من حكم أهلنا الصوفية و هو عين الموقف الماركسي الذي ينظر إلى اللب الاقتصادي للمشاكل الاجتماعية.

الميدان

تعليق واحد

  1. كلام رائع لكين امثال الطيب مصطفى والصادق الرزيقى وغيرهم لايستوعبون مثل هزه الافكار لانهم فى قمة الانحطاط الفكرى ولاخلاقى وهم يمثلون الطبقة المتعلمة فى شلة الموتمر الوطنى وكيف يستوعب امثال هولاء وشعارهم ( او ترق كل الدما )

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..