حي “كوريا”.. من “مستر دبينسون” إلى أبو القاسم محمد إبراهيم.. ذكريات البراري

الخرطوم – زهرة عكاشة
في أيام الاستعمار طبق الإنجليز قاعدة حميدة أفادتهم كثيراً تقول “أي إداري إنجليزي تعلم اللغة العربية يمنح علاوة”، وهو أمر طبيعي ومعروف لجميع من يعمل في سلك الحكومة الاستعمارية حينها، لكن هذه القاعدة كانت سبباً رئيساً في ميلاد حي كبير ومشهور يسمى (كوريا)، وأصل الحكاية بدأت في مدينة بورتسودان شرق البلاد، وذلك حينما نجح مساعد مفتش قطارات السكة حديد في بورتسودان آنذاك السيد محمد مراد من تعليم المفتش الإنجليزي في المدينة (مستر دبينسون) العربية.
ويروي لنا أحد سكان الحي القدامى، العم عوض إدريس، بقية الحكاية فقال: نقل محمد مراد إلى الخرطوم مترقياً إلى مفتش، وبعد مدة نقل المفتش الإنجليزي مستر دبينسون أيضاً مترقياً إلى الخرطوم مديراً للمديرية، عندما علم محمد مراد بذلك الأمر أقام له حفل شاي بمنزله ببري، حضره كل أعيان ورجالات بري، وكان ذلك سنة (1952)م، وبعد أن تجاذبوا أطراف الحديث وشكروه على تلبية الدعوة وشكرهم بدوره على الدعوه، قال لهم مستر دبينسون: تقولون في أحد أمثالكم “من علمك حرفاً صرت له عبداً” و”أنا محمد مراد ده علمني العربي يعني أستاذي وعلى حسب المثل أنا عبده، وهو شخص ما هين بالنسبة لي”.
الأرض جنوب بري
ومضى عم عوض في حكيه قائلاً: أحد كبار رجال بري الحاضرين، وهو السيد حسن عثمان إسحق، وكان يعمل بالبلدية لمحمد مراد “طالما أن هذا الضيف الإنجليزي مستعد أن يعطيك أي شيء فاطلب منه أن يعطينا قطعة الأرض التي تقع جنوب بري، الأولاد كبرو ونريد التوسع فيها”. فما كان من محمد مراد إلا أن قال للمدير الإنجليزي: “كبار رجال البلد ديل طلبوا منك أن تعطيهم قطعة الأرض التي تقع جنوب بري الدرايسة”. وفي نفس اللحظة رد عليه الإنجليزي: “طلبك ده مجاب، وما عليكم إلا أن تكونوا لجنة وتأتيني في المنزل الأسبوع المقبل”.
أعضاء اللجنة
لم يمض الأسبوع وكان أهل بري كونوا لجنة تضم: محمد مراد وحسن عثمان أسحق صاحب المقترح وزيد محمد إبراهيم والطيب شيخ إدريس ويوسف عباس ومبارك أبو زيد وآخرين، بحسب ما روى عم عوض. وذهب أعضاء اللجنة لمدير المديرية بمنزله في اليوم والوقت المحدد، ووجدوا أنه قد أعد لهم حفل شاي حضره مدير الأراضي حاملاً خارطته وأحد مسؤولي البلدية، بادرهم المدير الإنجليزي: هذا مدير الأراضي، وهذه هي المنطقة التي تريدونها.
مزاد علني
بعدها بأيام أي في العام (1952)م، ظهرت أراضي المنطقة في مزاد علني واشترى من أراد، وأقيم المزاد في النادي الثقافي ببري الدرايسة ثم نقل إلى سينما كلزيوم بعد حدوث بعض الخلافات، ورغم أن المزاد كان مخصصاً أول الأمر لأهل بري، لكن هناك من سمع به ودخل المزاد وحاز على قطعة أرض، لكن الأغلبية العظمى كانت من أهل بري. وفي عام (1955)م بدأ يتوافد ساكنو الامتداد الجديد وفي (1956) تم سكن الأغلبية العظمى.
حكاية كوريا
وواصل العم عوض إدريس حديثه حينما قال: يتكون حي كوريا من (5) مرابيع من الشمال إلى الجنوب، و(4) مرابيع من الغرب إلى الشرق، وفي السجلات والأوراق الرسمية ليس هناك منطقة تسمى كوريا، وإنما هي امتداد لبري الدرايسة، وحتى في المحلية تتبع لبري الدرايسة وما يسري على الدرايسة يسري عليها، إلا أنها تنفصل عنها في اللجان الشعبية، وتاريخاً كانت اللجان أيضاً تتبع لبري الدرايسة لكن اجتمعنا وقررنا الانفصال، وقد كان. وكان أول رئيس للجنة الشعبية بحي كوريا الأستاذ عوض يسن، وكلنا كنا معه وكان ذلك في عهد قريب أي في هذا العهد، والحقيقة أردنا فصلها من قبل لكن الحكومات السابقة رفضت بقرار رسمي، وذلك لأن اللجنة السابقة بحي بري الدرايسة كانت تفضل أن تكون لجنة واحدة.
أصل التسمية
وحول أصل تسمية ذلك الامتداد لحي بري بـ (كوريا) يقول عم عوض: كان في ذلك الوقت الحرب بين كوريا الشمالية وأمريكا، وكانت إنجلترا متحالفه مع الأمريكان في حربها، وعلى ذلك كان يأخذ الاستعمار السودانيين إلى هناك، ومن كان يذهب إلى حرب كوريا لا يرجع مرة أخرى، فكانت كوريا شرسة جداً في حربها وكانت حرب عصابات، حتى طلعت حينها أغنية (الله لي كوريا وشباب كوريا) أي كان أهل السودان جميعاً يغنون للشباب الذي يذهب لكوريا الشمالية ولم يرجع، فلما اشترينا قطع الأرض هنا أهلنا في بري والدرايسة كانوا يصفون المنطقة بكوريا لبعدها ويقولوا “خلاص قنعنا منهم”، ومن ذلك الحين سار عليها الاسم وسميت بكوريا وهو حي مترابط ومكاتف أهله.
نادي كوريا
وروى العم عوض قصة نادي (كوريا) فقال: عندما علمت دولة كوريا الشمالية بأن هناك منطقة في السودان تسمى (كوريا)، قررت انشاء نادي للحي وبالفعل جاءوا الكوريون واتفقوا مع أهل الحي على إنشاء نادي سُمي بنادي الصداقة الكورية (نادي كوريا)، وكان ذلك في العام (1971)م، حضر حفل افتتاحه السفير الكوري، وكان أول رئيس للنادي الأستاذ عمر حامد الحسن الذي كان معلماً، ومن أول ساكني حي كوريا، وكان السيد السر شكر الله (رجل أعمال) سكرتيراً له، بعد ذلك دعت الحكومة الكورية رئيس النادي وسكرتيره لزيارة كوريا تكريماً لهم على إنشاء ناديهم، تتغير اللجنة كل عامين إلى أن تولى السيد بدر الدين كباتا كآخر رئيس للنادي وكان قبله المرحوم السماني الذي كانت له بصمة واضحة في تطوير النادي.
مدارس ونقطة ومسجد
وأخيراً حكى لنا العم عوض قصة المدارس والنقطة والمسجد حين قال: قرر أهل الحي بالجهد الشعبي المحلي (الكوري) إنشاء مدارس لأبناء وبنات الحي ويستفيد منها تباعاً أهل المنطقة جميعاً، وبذلك أنشئت مدرسة الطيب شيخ إدريس الابتدائية للبنين في العام (1953)م كأول مدرسة تقام بالتبرعات والجهد الشعبي، وسميت كذلك نسبة لشيخ الحلة الطيب شيخ إدريس، ولما كانت المدرسة في حي بري الدرايسة أعطاهم منزلاً من منازله تبرعاً منه أقاموا فيه المدرسة ولما شيدت في حي كويا لم يغيروه وتركت باسمه، وثاني مدرسة بنتها الحكومة السودانية بعد الاستقلال مدرسة الأميرية المتوسطة بنين، ثم مدرسة علي السيد التي شيدت أيضاً بالتبرعات والجهد الشعبي، وذلك في سنة (1966) أو(1967)م لا أذكر وكان اسمها بري الحكومية المتوسطة بنات التي كان يطلق عليها مدرسة أبو زيد موسى نسبة لمديرها، ولما حولت لثانوية أصبح اسمها بري الحكومية الثانوية بنات، وتوالت بعد ذلك المدارس، فكانت مدرسة بري الدرايسة بنات (1) والتي تغير اسمها حديثاً إلى (الحميراء) ومدرسة علي التلب التي تأسست في العام (1967)م، ثم بعد ذلك نقطة البوليس، فالمسجد الذي بدأ بنائه في العام (1967)م وانتهى في (1969)م، ثم مدرسة البراري الثانوية بنات التي تأسست في العام (1984)م وتم افتتاحها على يد السيد الصادق المهدي رئيس أول حكومة بعد نميري في عام (1985)م، والتي أنشئت على أرض المجلس الشعبي بعد أن حول الوزير السابق أبو القاسم محمد إبراهيم المجلس الشعبي من مكانه لتشيد فيه المدرسة، وذلك لأن بنات حي البراري كنّ يدرسنّ في مدارس بعيدة عن المنطقة في (الجريف) و(حلة كوكو)، وكونت للمدرسة حينها لجنة من أهل بري كان أول رئيس لها العميد محمد نصر الدين عبد الله.
اليوم التالي
يا سلام على حى كوريا وعلى السرد الجميل من عمنا عوض ادريس وأضيف حيث كان لنادى فريق للكرة الطائرة وفريق لكرة القدم للشباب والناشئين باسم فريق المستقبل كما انشى فريق اخر باسم نجوم كوريا وكان ميدان كوريا يجمع كل أبناء البرارى اى تمرين في الميدان تجد كل أبناء برى فيه من المحس وكوريا والدرايسة وامتداد ناصر وابوحشيش وبرى اللاماب وتميز أبناء حى كوريا بانهم اكثر انفتاحا على الاخرين
كما كان في النادى فرقة مؤسيقية وتخرج منها الفانان العالمى عاصم الطيب قرشى كما كان كل عازفين الفانان المرحوم مصطفى سيد احمد من أعضاء فرقة نادى كوريا
بحكم عيشتي في بري كوريا لي بها ذكريات طفولة استمتعت بهذا السرد الجميل والمعلومات التي تنشر لأول مرة شكرا للاخ نصر الدين عبد الله