البطيخ.. التأثيرات المناخية تطيح بتاج مائدة رمضان.. عدَّ فات

الخرطوم- محمد عبدالباقي
سيطر الغلاء على الأسواق بكل أريحية حتى تجاوز قدرة الفقراء الذين لم يجدوا بداً غير إكرامه بمزيد من التنازل منذ بداية شهر رمضان وحتى (منتصفه)، اكتفى البعض بالحلو مر فقط، أوالكركدي والبليلة وصحن العصيدة بمسمياتها المختلفة.
توارى عدد من الفواكه التي كانت في السابق تمثل تاج كل الموائد الرمضانية، لكنها على أي حال اختفت تدريجياً إلى أن لوح آخرها هو البطيخ بالوداع.. حيث كان أكثر فاكهة شعبية تمتلئ به موائد الفقراء والأغنياء على حد سواء.
مرارة الحرمان
في السابق، لم يكن البطيخ يمثل هاجساً للصائمين، إذ كان متوفراً بكثرة في جميع الأسواق، لا يشكو من غلاء ولا يهاب الندرة. وللحق أن هذا الوضع سبق التغيرات المناخية التي حورت كثيراً في الفصول. فتدحرج شهر رمضان من فصل الشتاء إلى نهاية فصل الصيف، حتى أصبح يطل مع بداية فصل الخريف.. فالبطيخ الذي كانت زراعته تتم في كل مكان، بحسب الجيلي العبيد تاجر خضروات وفاكهة بالسوق المركزي أم درمان، قبل أن يهاجر شرقا إلى حلفا الجديدة والشُوك وشمالا إلى عطبرة كأحدث مناطق لزراعته وصار مستحيلا الحصول عليه، ورغم أن حلفا والشُوك وعطبرة ليستا ببعيدتين عن الخرطوم كمسافة، ولكنهما بعيدتان جداً بحساب الجبايات المتعددة التي تأخذ مسمىً مختلفاً على كل رأس كيلومتر يقطعه، ولهذا تضاعف سعر البطيخ مائة مرة ما بين المكان الإنتاج والاستهلاك حتى صار الحصول عليه حصرياً على فئة بعينها في المجتمع، بعد كان يقف أمامه سواسية الغني والفقير دون أن يتباهى به الأول أو يعجز عن الحصول عليه الثاني.
جنون البطيخ
أسباب موضوعية جعلت البطيخ هذه الأيام ينعدم من مناطق زراعته الأصلية، وهي منطقة الحقنة وود حامد وكوستي وربك ومناطق أخرى عديدة بنهر النيل والشمالية والجزيرة، ولا يوجد إلا في أماكن محددة منها حلفا الجديدة على سبيل المثال والشُوك. وأرجع عدد من تجار البطيخ بالسوق المركزي أم درمان، منهم الجيلي العبيد، السبب إلى أن الموسم الرسمي له انتهى قبل نحو شهرين تقريباً، ولهذا أصبح لا يتوفر إلا نادراً في منطقتين أو ثلاث كما وصفها الجيلي العبيد، وقد أدت قلة وارداته لارتفاع أسعاره بصورة جنونية رغم أن هذا الغلاء لا يعود على المنتج بفائدة، بل يذهب للجيوب الوسيطة كالترحيل والجبايات والسماسرة.
فجوة واضحة
انعدام البطيخ في أهم مناطق الإنتاج أدى لخلق فجوة كبيرة في السوق عجزت المناطق التي يوجد بها اليوم على سد ذلك النقص الحاد جداً، خاصة وأن الإنتاج المتوفر حالياً لا يساوي شيئاً يذكر أمام الإقبال المتزايد عليه بصورة مستمرة منذ بداية رمضان. ونبه (الجيلي العبيد) إلى أن البطيخ ليس من الفواكه التي يمكن تخزينها بعد موسمها، ودعا إلى ضرورة توفير مخازن مزودة بتكييف ومشيدة من مواد بعينها لغرض التخزين حتى لا تتكرر الفجوة سنويا، أما غير هذا الحل فتظل قضية البطيخ وارتفاع أسعاره تتكرر بنهاية كل موسم مثله والطماطم والجرجير والمانجو والبرتقال والقريب.
عملية إفلات مدبرة
شدة الإقبال على المتوفر منه هذه الأيام جعلت أسعاره تبدو غير منطقية حتى للذين يعملون في تجارته، حيث أصبحت الأسعار تتراوح بين (20،30،50،70،100) ولهذا فلت من بين يدي الفقراء والمساكين الذين كانوا في السابق يعدونه فاكهتهم الشهية وتاج موائدهم الرمضانية، لكنه صار حصرياً على المقتدرين وميسوري الحال كغيره من الفواكهة والخضروات والمواد الأخرى التي يحتاجها المواطنون في مثل هذه الأيام المباركة.
اليوم التالي