أخبار السودان

المحنة السودانية أم المحن “محنت المحنة”

المحنة السودانية التي “محنت المحنة”

د.علي عبدالقادر ? باحث أكاديمي ? باريس
[email][email protected][/email]

خرجت معظم الدول الاوربية من الحرب العالمية الثانية منهكة إقتصادياً وعلى حافة الفقر، بالإضافة إلى انها -وحسب وصفنا لها -دول لا دينية تقدمها المدني والحضاري عبر التاريخ القديم والحديث يتناسب تناسباً طردياً مع تدهورها الاخلاقي والروحي!!!
حاولت هذه الدول النهوض اقتصاديا ، ولما كانت لا تملك موارد طبيعية ، كافية لإنتاج الطاقة لجأت بحجة نشر الثقافة والدين للاستيلاء على الموارد الطبيعية للدول الأخرى بذرائع واهية فيما عرف بعدئذ بالاستعمار.
وضعت تلك الدول عبر مختلف الانظمة التي حكمتها نظم هيكلية لضمان الاستقرار السياسي وعدم عودة الحكم الملكي على الإطلاق وفي البعض الاخر قامت بتحجيم سلطات الاسرالملكية حتى اصبح وجودها رمزي اكثر منه سلطوي، ونضجت تلك التجارب على وقع إنتاج الديمقراطية والتعددية الحزبية.
ثم شرعت في تنمية بلادها وبنت تلك الانظمة بنيات تحتية حيث كانت كل حكومة او نظام حاكم يأتي ليدفع بالبلاد خطوات وخطوات للإمام وبالعدم يحافظ على مكتسبات الفترة السابقة. فهل لادينية تلك الدول على المستوى الداخلي لها علاقة بإنضباطها وتقدمها المادي والمدني!!!؟
نأتي الآن للوضع في بلادنا و بعض بلاد العالم التي تبنت إنظمة أخرى من الحكم الملكي او الديمقراطية الليبرالية المفصلة على مقاس الأحزاب الطائفية او تلك التي رفعت شعارات دينية حتى لا نقل إنها ثيوقراطية، نجد أنها شغلت نفسها بحروب حدودية مع دول الجوار أو في حروب داخلية ووقعت بذلك في الفخ الذي نصبه لها المستعمر بأن تظل دائما في حالة صراع وعدم استقرار وتشرزم، حتى يستمر المستعمر في استغلال خيرات تلك البلاد من خلال وسطائه وعملائه الذين زرعهم قبل خروجه، وقبل تحول تلك الدول من دول مستغلة وغير مستقلة إلى دول مستقلة ومستغلة أي فعلياً تم سحب كلمة غير فقط وسمى ذلك نيل “السيادة الوطنية”. ولكن المثير والعجيب في الامر والذي يدعو الى الجنون حقيقة على خلاف ما إتهمت به “إحلام عبدالرسول”، هو ان كل النخب في أغلب دول العالم الثالث رضت مرغمة بالولوج في ذلك الفخ و استمرأت تلك الحالة من عدم الاستقرار السياسي بحيث اصبحوا ملكيين أكثر من الملك لأن مصالحهم ارتبطت باستمرارية ذلك الوضع رغم تدينهم المظهري “هي لله هي لله لا للسلطة ولا للجاه”، أو لم يصلوا مرحلة من النضج السياسي والإخلاص في التدين للسعي لتحقيق ما فيه مصالح شعوبهم من خير وأول ذلك الخير وقف الحرب والاقتتال.
والأسواء من ذلك أن الشعب تم تغييب وعيه تماماً بحيث لا ينهض لا على المستوى الفردي ولا على المستوى الجماعي، ويظل وكيل المستعمر القديم هو اللاعب الاساسي فيخلق لهم من الفتن والحروب ما يشغلهم به ليل نهار وحتى في حالات الهدوء الذي يحدث بعد انهاك قوى الجميع، يشغلهم بصراعات هامشية “لاتقدم ولا تأخر”، مثل أزمة الهوية، العلاقة بين الدين والدولة، صراع المركز والهامش والجهويات والقبلية من جانب، – وكمثال لذلك، ودون السقوط في التبسيط المخل , يمكن القول بأن الصراع الطويل في تشاد بين جوكوني عويدي وحسين هبري وإدريس دبي أدى إلى تدفق كميات مهولة من السلاح في دارفور، وبعد أن كان الصراع في دارفور بين الرعاة والمزارعين على المسارات، استقوى بعض الحكام بالقبائل العربية وقواها لتحارب المتمردين بالإنابة عنه، وقام سياسيون بسحب البساط منه بالاستقواء بالقبائل غير العربية عبر نخبها في الجبهة الإسلامية، ثم عاد بعض المسئولين الحكوميين فمال لجانب القبائل العربية، وهكذا نجد ان بعض الافراد او الجماعات هم أصل البلاء وراس الفتنة التي كانت نائمة فلعنة الله على من أيقظها، وندعو هنا الله بإخلاص بأن يَهدي الجميع و يُهديء النفوس ويوسع مدارك الافهام ويبرَد ألاحقاد ويطفئ النيران، مذكرين الجميع بحديث الرسول “ص” )لزوال الدنيا بأثرها أهون عند الله من قتل أمريء مسلم( . وكمحاولة في المساهمة في إيجاد حلاً سبق ان طرحناه، فكرة نقل قطاع من الحكومة المركزية إلى قلب دارفور وبقاؤه هناك سنتين كاملتين والسعي لإرضاء كافة الأطراف بما يرضي الله ورسوله بالجلوس مع الحركات الكبرى في لقاءات يومية والاستجابة الفعلية لأكبر قدر ممكن من المطالب، وعقد مؤتمرات صلح حقيقية وإعمال الجودية الصادقة التي تزيل أسباب الحرب مع إبعاد “كسار الخواطر” وخاصة من جانب الحكومة.
نسب فيصل الدابي لتاور أغنية
” بالجودية تحت شجرايا أو راكوبة تعالو نقعد ما دام دارفور بقت منكوبة
ختو سلاحـكم جيبو الـشاى نسمع قولكـم من جـاى و جاى
مافى أخـير من قولة راى من شيخ أو شرتاى أو مواطن ساى
اهلـنا دِماهم راحـت ساى!”
حتى تطفي ذلك الحريق الذي يوشك ان يلتهم الاخضر واليابس “الفضل” ويمحى ما تبقى من السودان من الوجود !!!.-
ومن جانب اخر يشغل النظام الظالم المواطن بغلاء المعيشة فيظل الفرد فقيراً على المستوى العلمي والمادي، ولربما يرمى له ببعض الفتات بين الفينة والاخرى في شكل مشروعات لا تسمن ولا تغنى من جوع “ست كباري وسد” ، فيظن المواطن انه اخيراً بدأ يتلمس خطواته على الدرب الصحيح ويبدى ألف باء طريق التنمية، وفي الحقيقة، ان الامر ليس سوى مسكنات وقتية تمد في عمر الامل عند المواطن وتوهمه بأنه سيصل يوماً الى اخر النفق، في حين أنها تطيل في عمر النظام الحاكم، اما اؤليك الذين ادركوا سر اللعبة فيتم أعطائهم أكثر من الفتات أي جزء من الكعكة في شكل مرتب مغرى وخدم وحشم وعربات للأسرة وإجازة في كبرى المدن مثل جنيف ولندن وحساب مصرفي في ماليزيا، اما الذي يرفض قطعة الكعكة فيتم التضييق عليه حتى الافقار فاذا ازدادت معارضته وفضحه لاساليب النظام يتهم بالجنون والأمراض النفسية ويساق إلى السرايا الصفراء السودانية أي مستشفى “التجاني الماحي”، وقد تلفق له التهم الغير اخلاقية ويتم اغتيال شخصيته ، فاذا استمرت مقاومته وعناده فمستقبله رهين بحادث سير او بسقوط طائرة و”هلم جرا”.
إذا نظرنا لوجهة نظر ذلك المواطن الذي “باع القضية” نجده يعلق فشله على شماعة أن “اليد الواحدة ما بتصفق” وانه لا يستطيع فعل أي شيء ولا مقاومة التيار، وان الشعب قلبه معه ومساندته للذي في السلطة طمعاً ورغبةً في بعض العطاء على وزن “قلوبهم مع علي وسيوفهم مع معاوية”. ويبقى السؤال الملح هل نلقي باللائمة على الانظمة الحاكمة ام على المواطن المثقف ام على عامة الشعب وغالبيته الذين لا هم لهم سوى الحصول على منفعة وقتية تسد رمقهم، أم على الفهم الخاطيء للدين والتطبيق!!!.ولما كنا نعتقد بان “كل شاة معلقة من عصبتها” ، ومن هنا ندعو الجميع حاكم ومحكوم أن يمحص كل منا سكناته ويزن كلماته ويحاسب نفسه قبل ان يحاسبه الله ويسأله عن إسهامه في المحنة السودانية التي محنت المحنة.
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. فعلا يا دكتور محنتنا ( محنت المحنة ) ,وأري ان اصل البلاء , الذي يجب ان نلقي عليه اللائمة علي ما وصلنا إليه هو الطائفية والهوس الديني , وهؤلاء هم المسؤولون مسؤولية مباشرة عن نوعية الانظمة السياسية التي ابتلينا بها , وهم من يحمل وينشر الفهم الخاطئ للدين , وأكثر من ذلك فهم يفتقدون للصدق حتي في فهمهم الخاطئ هذا , إذ ان هدفهم الاوحد هو استغلال الدين وتوظيفه لتحقيق مصالحهم في احتكار السلطة والثروة ,, وأما المثقفون من حيث العموم , فقد وضعوا انفسهم في خدمة الطائفية والهوس مقابل الفتات الذي يتلقونه , كما صار بعضهم ملوكا اكثر من ملوكهم في جانب وقوفهم ضد الوعي إرضاءا لاولياء نعمتهم

    لقد اسمعت يا دكتور , إذ ناديت حيا , ولكن لا حياة لمن تنادي

  2. ياراجل بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية سنة 1945 اتجهت الدول الاوربية الاستعمارية نحو سياسة تفكيك المستعمرات وكان الاستنزاف المصاحب للحرب العالمية الثانية احد اسباب عجزهم واتجاههم نحو بناء حكومات وطنية في مستعمراتهم.يادكتور انصحك بالعودة لكتب التاريخ وانت راجل في فرنسا كل التاريخ بين ايديك

  3. شكرا يادكتور على وعيك واسلوبك الجميل ويشرفني التواصل….الانغلاق داخل دائرة المؤامرة وان الغرب هو الشيطان الاوحد الاكبر وان مايحدث في بلادنا هو نتاج افعال الغرب الشرير وان هناك مؤامرة تحاك لن يؤدي بنا الا الى مزيد من التخلف والرجعية.قصدت ان اذكرك بوجودك في فرنسا محاولا لفت انتباهك للعودة للتاريخ الموثق في دور العلم الفرنسية واكيد ارشيفهم يحكي نضال الشعب الفرنسي ضد الحكم الكنسي الاقطاعي وكيف ان الشعب الفرنسي استطاع ان ينتزع علمانية الدولة مما أدى بهم ومن استفاد من تجربتهم الى السير في طريق الحكم الراشد وستجد ان احتلالهم لاراضي افريقياوغيرها كان فيه من الخير مايمكن البحث عنه وان وجد الشر وكتر, فالعمل البشري لن يصل للكمال بل هو تراكم للتجارب بنجاحاتها وفشلها.سياسة الاستعمار الفرنسي كانت تختلف عن سياسة الاستعمار الانجليزي والبرتغالي في المستعمرات باختلافاتها. من الحكمة وحسن العمل تدبر تجارب الامم وبتسليمنا ان الغرب شرير متآمر على الاطلاق يبقى من الصعب بل المستحيل تدبر تجربة من يريد بنا شرا.

  4. شكرا يا دكتور على تناولك اهم قضية تعانى منه السودان , و هى إستغلال الجهوية فى السياسة ,,, لا اقول اهنا قدرنا , لكن إنها افة زرعناها نحن بانفسنا عندما فكر جزء مننا بان يكونوا افضل من الاخرين
    ,,, و لا اوافقك فى تعليق فشلنا فى إقامة امة موحدة يعمها المساواة و العدل و الحرية على رقبة الاستعمار , هذه خزعبلات فى عقولنا فقط فيجب ان نعترف اننا فاشلون ,,, و اننا السبب فى انتشار العنصرية ,,,, هل الخواجه هو من طلب من السودان ان يدرج سؤال القبيلة فى مؤسسات الدولة ؟
    هل الاستعمار لا زال يستخدم الفيتو لبقاء ذلك السؤال فى ملف الجنسية السودانية ؟

    نحن المسؤلين عن إنتشار العنصرية و هى الداء الاكبر فى هذه البلاد , و لا اظن ان الله سيرسل كلاكا من السماء ليمحيها من دفاترنا ,,,, فقط نحن إن تردنا ذلك يمكننا ذلك

    تحياتى

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..