أخبار السودان

ولا مناص من النقد الموضوعي،حول آن اوان التغيير، لكاتبها المفكر الراحل الخاتم عدلان، (2)

صديق عبد الهادي

وعن سؤال تحقيق الحزب الشيوعي السوداني لشعاره الاساس في ان يتحول إلى “قوة إجتماعية كبرى”، أجاب الخاتم بالنفي، أي أن الحزب الشيوعي السوداني فشل في تحويل نفسه إلي قوة إجتماعية كبرى!. وفي إجابته تلك إستند علي إستعراضٍ لملامح الصيغة التي إعتمدها الحزب الشيوعي السوداني لأجل تحقيق هدفه، وقد لخصها الخاتم فيما يلي :
اولاً/
” تأهيل الحزب لنفسه بترقية إلمامه بالماركسية اللينينية”…” ولا يتم ذلك إلا بجذب خيرة المثقفين إلي صفوف الحزب، وإغناء حياته الداخلية وإتساعها للصراع الفكري الخلاق”، (اوان التغيير ص 28).
ثانياً/
“تدعيم مواقع الحزب وسط الطبقة العاملة، وجعله الحزب الاول في صفوفها، من حيث النفوذ السياسي والوجود التنظيمي”، (اوان التغيير ص 29).
ثالثاً/
“تمديد تنظيمات الحزب لتغطي كل أنحاء الوطن، وذلك بإعتماد أشكال تنظيمية مرنة، تستجيب لمقتضيات التطور غير المتوازن للمجتمع السوداني”، (اوان التغيير ص 29).
رابعاً/
“بناء الجبهة الوطنية الديمقراطية، كحركة جامعة، متعددة الاشكال والصور، لتُعبِر عن تحالف العمال والمزارعين والمثقفين والرأسماليةالوطنية”، ( اوان التغيير ص 29).

وقبل النظر في ملامح الصيغة التي إستعرضها الخاتم، اود أن ألخص الاسباب التي أوردها هو أيضاً بحسب انها تقف وراء عدم نجاح الحزب في التحول إلي قوة إجتماعية كبرى:
السبب الاول/
“القمع الشرس الذي ووجه به الحزب منذ تأسيسه وحتى اليوم”، ( اوان التغيير ص31).
السبب الثاني/
ضيق القطاع الحديث، وإتساع القطاع التقليدي حيث يصعب بناء تنظيم وطني حديث كالحزب الشيوعي يتخطى الإنتماءات القبلية والطائفية والعرقية “، ( اوان التغيير ص32).
السبب الثالث/
قيام الحزب علي اساس الماركسية اللينينية، وكذلك الموقف الفلسفي المادي الشمولي للماركسية حيث يصعب التوفيق بينه وبين التصورات الدينية حول الكون والخلق، وقد ادى ذلك إلي قيام حائط عزل بين الحزب والجماهير بفضل العمل السياسي المضاد من قبل احزاب اليمين “، ( اوان التغيير ص32-33).
السبب الرابع/
شمولية برنامج الحزب السياسي ـ كما اشار الخاتم ـ حيث يطرح الحزب ثلاثة مراحل للتنفيذ، وهي مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية، الإشتراكية ، وأخيراً المرحلة الشيوعية”، ( اوان التغيير ص34) .
(إنتهت الأسباب التي اوردها الخاتم).
مناقشة/
بالنسبة لملامح الصيغة التي تبناها الحزب، لأجل أن يصبح قوة اجتماعية كبرى لم يشر الخاتم إلي الدور الذي آله الحزب علي نفسه في تأسيس وبناء ودعم الحركة المطلبية، وذلك من خلال العمل الدؤوب في النقابات منذ نشأتها، إذا كانت العمالية أو غير العمالية، كنقابات الموظفين والمهنيين وإتحادات المزارعين، والطلاب، حيث دفع الحزب الشيوعي إلي الحركة النقابية بأطيب كوادره خبرةً وتجرداً مما وسَّع من نفوذ الحزب خارج المدن والمناطق الحضرية، وتقف مثالاً علي ذلك حركة المعلمين التي تكاد أن تكون قد دفعت بنشطائها إلي كل بقاع السودان بقطاعيه الحديث والتقليدي معاً. وكذلك حركة الشباب والنساء، إذ ساعدت هتان الحركتان علي توسيع نفوذ الحزب، وهذا ما لم تفصح عنه صياغة النقطة الثالثة اعلاه في كتابة الخاتم حول الملامح.
اما الملمح الاساس والمركزي الذي لم يدرجه الخاتم فيما ذهب اليه، هو نجاح الحزب، وقد يكون دون سواه من الاحزاب الاخرى، نجاحه في صياغة ودفع مفهوم “العمل الجبهوي” في الحياة السياسية في السودان. كان لإعتماد الحزب ذلك التقليد والإيمان به والثبات عليه وبصدق، كان له دورٌ كبير في دفع الحزب في إتجاه ان يكون قوة إجتماعية في المستوى الذي وصل اليه في اوقات مجده، هذا من جانب، أما من الجانب الآخر، فقد كان تبنَِي “العمل الجبهوي” سلاحاً إستخدمه الحزب بفلاحٍ شديد في كسر طوق العزلة الذي كثيراً ما كانت تحاول الانظمة العسكرية والديكتاتورية أن تضربه حوله.
اصبح تقليد “العمل الجبهوي” جزءاً اصيلاً من ثقافة الحزب الشيوعي كمؤسسة، ولقد كان الحزب مبدئياً في التعاطي معه، إذ أن الحزب لم يحد عن ذلك التقليد إلا نادراً، وقد لا تحفظ ذاكرة التاريخ غير حالتين من الخروج البائن عليه، ولكن أي حالتين هما، وإلي أي حدٍ كانتا مكلفتين له ؟!.
الاولى/ هي موقف الحزب من إنقلاب 25 مايو 1969م، قبل حدوثه مباشرةً، وأثناء وبعد حدوثه، وأما الثانية/ فهي محاولة إنقلاب 19 يوليو 1971م، حين حاول الحزب إختصار المراحل في الوصول إلي السلطة وفشل!.
ففي الحالتين نجد ان الحزب دفع ثمناً باهظاً، أقله كسر طموحه في أن يصبح قوة إجتماعية كبرى!.
و في هذا الامر قد يُشار إلي علاقة الحزب الشيوعي السوداني بالإنقلابات التي حدثت في غضون الديكتاتورية العسكرية الاولى، اي قبل مايو 1969م. وفي الرد علي ذلك يمكننا القول بأن الموقف الواضح والصارم بخصوص موضوع التداول السلمي للسلطة وعبر الإنتخاب تمّ تبنيه بواسطة الحزب، وبشكل واضح لا يقبل التأويل في مقررات المؤتمر الرابع 1967م.
كان ان تطرق الخاتم لموضوع “العمل الجبهوي” في تصديه لمسألة الجبهة الوطنية الديمقراطية، إلا ان تناوله كان تناولاً مختصراً، لم يعكس أهمية وثقل “العمل الجبهوي” في حياة وتطور الحزب الشيوعي السوداني. قد لا يكون المرء غير صائبٍ اذا ما ارجع جذور “العمل الجبهوي” التاريخية إلي الحركة النقابية السودانية التي إرتبط بها الحزب الشيوعي إرتباطاً وثيقاً منذ ايامها الاولى، وذلك بحكم مساهمته في نشأتها وتأسيسها.
إن “العمل الجبهوي” هو، في الاساس، نشاطٌ تاكتيكي وليس عملاً إستراتيجياً. إنغمس الحزب الشيوعي في ذلك النشاط التاكتيكي ـ بالطبع لضروراته ـ إلي الحد الذي غاب فيه عنه افق العمل الإستراتيجي، حيث أننا نجد أن الحزب أنتج قادة نقابيين من طراز رفيع رفد بهم الحركة النقابية العمالية وغير العمالية، إلا أنه فشل في إنتاج مفكرين يشغلهم إنتاج الفكر والتجديد لضخ الحياة في الحزب!. وقضية الفكر بالنسبة للحزب الشيوعي، وبالتأكيد لأي حزب آخر، هي قضية إستراتيجية من الدرجة الاولى، وذلك بالقطع ما يدفع المرء للقول، وفي هدوءٍ تام، بأن الحزب الشيوعي ظلّ عملياً، ولردح طويل، حزباً تاكتيكياً وليس تنظيماً إستراتيجياً، اذ انه ما فتأ يقتات علي مؤنة فكرية غاضت منابعها!، وغدتْ في امس الحاجة للتجديد.
أعتقد أن الحزب ظلّ يعمل كمنْ لا حيلة له، وعلي قاعدة “رزق اليوم باليوم” فيما يتعلق بالمعرفة، والفكر. ولا اعتقد ان ذهابنا إلي ذلك ينبئ عن أي قسوة في توصيفنا لحالة الحزب الشيوعي السوداني، وخاصةً حالته الراهنة.

……..ونواصل……….
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. بكرتوف مسيو صديق
    انت لم تتفاعل مع القراء الذين تفاعلوا معك في المقال الاول ، وجعلت الامر سجالا بينك و مستر بابو ، ولذلك انسحب كثير من القراء
    الحزب الشيوعي مصر على الماركسية وعلى الطبقة العاملة كطبقة وحيدة لقيادة المجتمع ، ودا صعب ويزاد صعوبة بعد مافعلته الانقاذ في الحركة العمالية
    الان الحزب الشيوعي ليس له وجود في الحركة السندكالية وهو غير مؤهل لاصلاحها لانه اصبح يعتقد ان للعامل مفهوم اكبر من التعريف الذى اتى به ماركس واصبح يدخل فيه العمال الذهنيين ممن لايساهمون اصلا في انتاج القيمة
    اعتقد ان مساهمات نقد حول الدولة المدنية وغيرها فتحت الطريق للاستفادة من الافكار ومنجزات العصر الاخرى وخففت من غلواء حراس معبد الماركسية وكان يمكنها ان تتساهم في جعل الحزب اكثر حيوية كما ذهب الى ذلك الخاتم نفسه
    اعتقد ايضا ان الحزب الشيوعي جعل من قضية مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية التى لم تنجز هي المفهوم الاكثر غموضا في السياسة السودانية ، وبانتظار هذا المسيح القادم فعل الشيوعيون كل شىء الا التقدم خطوة باتجاه انجاز هذا المشروع
    كان الحزب طوال الوقت متحمسا للتفاعل مع احزاب الراسمالية وشبه الاقطاع والتحالف الدائم معها دون ان يبدى نفس القدر من الحماس في التفاعل مع حركات الهامش ، تحالف حتى مع حزب الترابي
    الماركسية والقضايا الفلسفية ليست هي قضيتنا، القضية هي الاشتراكية التى نسيها الشيوعيون ، لان الاشتراكية بغض النظر عن مرجعيتها هي المدخل لانطلاق برنامج اصلاحي مختلف عن كل البرامج المطروحة للاصلاخ ، ولذلك عندما ساد سؤال من هو البديل، نجد ان هذا سؤال مشروع لان طارح السؤال لديه قناعة بان الكل سيطبق نفس البرنامج الاقتصادي مع اتاحة بعض الديمقراطية الليبرالية في بواحة من بؤس الفقر والارتهان لبرنامج اقتصادي يتبنى السائد الان من برامج الليبرالية الجديدة دون اى امل في مستقبل

  2. اقتباس :(كان الحزب طوال الوقت متحمسا للتفاعل مع احزاب الراسمالية وشبه الاقطاع والتحالف الدائم معها دون ان يبدى نفس القدر من الحماس في التفاعل مع حركات الهامش ، تحالف حتى مع حزب الترابي ).وهذه نقيصة النقائص .

  3. اقتباس :(كان الحزب طوال الوقت متحمسا للتفاعل مع احزاب الراسمالية وشبه الاقطاع والتحالف الدائم معها دون ان يبدى نفس القدر من الحماس في التفاعل مع حركات الهامش ، تحالف حتى مع حزب الترابي ).وهذه نقيصة النقائص .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..