أخبار السودان

عقل «الهيمنة» السوداني الذي يعلو ولا يعلى عليه

محجوب حسين

السودان كبيئة استثنائية خاصة لصناعة الأزمات، فيه سال مداد غزير ومن خلال وجهات نظر لمدارس فكرية عديدة، في محاولة منها لتلمس خيط يفتح النافذة المغلقة في الأزمة، ومن ثم المخرج العقلاني لحل إشكاليات الأقواميات السودانية مع بعضها بعضا، في اجتهاد أخذ مساحة زمنية لأكثر من نصف قرن ونيف.
وهي مجموع الفترة التي تعرفها الأدبيات بالتاريخ «الحديث»، في إشارة إلى السودان ما بعد التحرر الوطني من الكولونيالية البريطانية، لفائدة نظام وطني وبأعمدة قيمية وطنية تعبر عن ماهية الجغرافيا وفسيفسائية تشكلات التاريخ والثقافة وارتباطاتهما وتداعيات هذه الارتباطات، لا الشكل المعاكس أو المضاد لها، الذي أنتج نظما في نظام واحد، لم يقتصر على إعادة إنتاج مقننة للفكر الاستعماري بكل مواصفاته، بل تمدد وتوسع في منهج إهانة منقطعة النظير للشعوب السودانية وبدرجات متفاوتة .
في بحث عام لمسار عقل الهيمنة السوداني، نجده عقلا يعلو ولا يعلى عليه، ناهيك من أن يتساوى معه، عقل حاكم، لا يقبل أن يُحكم ولا يقاد، هو عقل ذو طبيعة جينية تشكل منذ التاريخ على أن يقود فقط، ويتوجب على الناس الالتزام بمنتجات هذا العقـــل وأدوات بطولات وسياجات الشرعنة التي يقيمها حول نفسه، وخضوع وامتثال الآخرين له، طوعا أو كرها، هذا العقل الذي يتولي مسؤولية الفشل والخلل السوداني بشكل كبير، وفي منتجاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافـــــية، وعموم الشأن الحياتي لا يتحمل المسؤولية وظل يعيش على المناورة، يجيد صناعة خطابه، وفق سياقات ومتطلـــــبات كل مرحلة زمانية ومكانية، فيما يغــــدق في توظيـــف استعمال شعارات الوطن والوطنية والوحدة والالتفاف حول القيم الجماعية المشتركة الكبرى، كمجال للتلاعب والتستر والاحتكار، حيث الولاء لقوالبه الجاهزة، تمنحك نوط الجدارة، والخروج عنها هو اللعنة من الاجتماعي إلى العام، لتتحول القيم الوطنية وتفسيرها والإحساس بها حقوقا خاصة توزع في شكل صكوك للرحمة، كما يعرف كيف يحارب عبر فنون لا تنتهي بتجاوز الأخلاق، وإنما بتجاوز إنسانية الإنسان وحق البقاء من عدمه، إنه عقل ماكر يتحين الفرص ولا يرى إلا ما يراه.
إن عقل الهيمنة السوداني، ظل على الدوام يحدد مجال الصراع ودائرته ولا يقبل بتجاوز دائرته المصبوبة، حكما ومعارضة، في عقد يبدو، ضمنيا، متفقا عليه وفق مكونات تشكله التاريخية التي فلح في توظيف عائد قوة وسلطة الدولة المادية والرمزية بلا حدود.
إن التحدي الماثل أمامه، هو كيف يستطيع هذا العقل التاريخي السلطوي في الهيمنة، في تقديم جراحات نقدية تقوم على التفاعل والتواصل والتنسيق بقطيعة تسمح له بهدم تلك البناءات النمطية، التي لا يجمع فيها بين استعلائه وفشله التاريخي في إدارة الشأن الحياتي العام المشترك، الذي يرى فيه فلاحه وتفوقه في الاستئثار به.
إن تجاوز هذا العقل لبنية الاستبداد والهيمنة قد يفتح الطريق أمام تسوية سودانية جديدة تنقل مشروع الدولة القائم من حالة الثبات الفاشل إلى المتحرك لتجاوز الفشل والبناء الوطني، ولا تنفع في ذلك، كما تبين جليا مثلا، عقلية قطع الجغرافيا لفائدة سيادة وهيمنة العقل نفسه، قطعت الجغرافيا السودانية وفقا لتقديرات هذا العقل، فكان الناتج تكريسا لفشل الجغرافيا القديمة ذاتها، فلم تنجح فيها لا جوبا ولا الخرطوم، كما لم تنجح كسلا ولا مروي ولا الفاشر ولا الأبيض وكادوقلي.
تأكد بما لا يدع مجالا أن مضي هذا العقل في نمطيته نفسها قد يكلف التاريخ السوداني المقبل كثيرا، لأن جدليات حراك التاريخ وقعت وانتهت، ولا مناص إلا بالتسليم والإقرار بها، بوقف عاجل للعب الدولة القائم والتغطية لها بأيديولوجيات أرضية وسماوية، فيما المرجع العقلي فيه واحد، لذا دعوتنا هنا ليست لاستقالة هذا العقل ولا مصادرة لحقه في أن يكون كما يريد، فهذا حق مكتسب، ولكن ليس من حقه ان يفرض على الآخرين تحت اي مزاعم أو أحبولات ايديولوجية أو جهوية أو عرقية، على أن يكونوا كما يريدون، فذلك ضدا لفطرة تشكل وتكون الإنسانية الأولى.
الجدير بالذكر ايضا، حتى الإسقاطات التي تقع من طرف هذا العقل ضد ما يعرف بالآخر السوداني ولفائدة بنياته نفسها القائمة على مشروع الهيمنة التاريخي والأزلي الذي لا يسنده برهان تاريخي معلوم ومقنع، وإلا لوقع الامتثال، تلك الاسقاطات هي التي شكلت ردود فعل الآخر تجاه تلك الذات المهيمنة، إلى أن وصلت الأمور إلى تبني خيار العنف السوداني، الذي يعتبر الأطول ليس في القارة الأفريقية وإنما خارجها أيضا، كآلية لحسم الصراع مع عقل الهيمنة، وهو معطى يتنافي مع توصيفات وتضخيم الذات السودانية في تقدمها وعصرنتها وحداثتها التي تعتبر مقومات ومؤشرات كافية لوداع حالة التأخر في التاريخ، بل الثبات في التأخر نفسه، من دون ان يتحمل المسؤولية أحد، كشأن عنف الجرائم التي ينفذها العقل نفسه تجاه السكان وكلها مقيدة ضد مجهول كشأن ماله المسروق كله غير معلوم، الخ، حالة سودانية تقبل كل التوصيفات والتحليلات. إنه عقل يعلو ولا يعلى عليه فهو» مقدس» ومن هذه القدسية التي بناها لنفسه يقول لا تتعبوا انفسكم كثيرا، ومن أي طرف إلا بما يحقق مصالحه وفي الحالتين غائبة .

٭ كاتب سوداني
القدس العربي

تعليق واحد

  1. لا اله الا الله محمدا رسول الله

    يقول زعبلة المستكاوى
    (في بحث عام لمسار عقل الهيمنة السوداني، نجده عقلا يعلو ولا يعلى عليه، ناهيك من أن يتساوى معه، عقل حاكم، لا يقبل أن يُحكم ولا يقاد، هو عقل ذو طبيعة جينية تشكل منذ التاريخ على أن يقود فقط،)
    اى عقل؟؟ وتحت الشعر الوسخ دا والودك فى عقل كمان؟؟

  2. وما هو الفارق الجوهرى بين مفهومك للهيمنة واحتكار السلطة وبين مفهوم من انبريت لهم بالنقد والتجريح بما ليس فيهم . مما يثبت الفكرة القائلة بان اهل المركز قد ارتكبوا خطأ استراتيجيا عندما حملوا رايه القومية السودانية دون سواهم وتحملوا عبء اعالة وتعليم الهامش ومحاولة دمجة فى المجتمع الحضرى فاصبحوا الان يمثلون كارثةومعولا يهدم كل ما تم بناؤه على مدى ستون عاما من الاستقلال مما يوجب سرعةالبحث عن جلول اخرى لامر الدولة الموحدة و استبعاد فكرتها بصفة نهائية للوصول الى سلام دائم ينعم به الجميع فجميع المؤشرات تدل على ان التعايش اصبح ابعد مما كان عليه الحال فى بدايات سنى الاستقلال الاولى .

  3. مقال عميق..يضع اليد على أحد مواطن الداء المسكوت عنه..موطن مؤلم الا أننا لا نقبله ولا نتقبله بحسب عقلية بعضنا المبنية على باطل ومستمدة شرعنتها من باطل..وهي عقلية الهيمنة التي تدثر بعضنا بها..الا من رحم ربي..

    * كمفهوم عام.. ان مواجهة الحقائق والاعتراف بها رغم مرارتها هي من أحد آليات الحل لأي مشكل واشكال..

    اتفق مع الاخ الكاتب تماما في الجزئية الآتية: [لذا دعوتنا هنا ليست لاستقالة هذا العقل ولا مصادرة لحقه في أن يكون كما يريد، فهذا حق مكتسب، ولكن ليس من حقه ان يفرض على الآخرين تحت اي مزاعم أو أحبولات ايديولوجية أو جهوية أو عرقية، على أن يكونوا كما يريدون، فذلك ضدا لفطرة تشكل وتكون الإنسانية الأولى].

    **وذلك يعني المواطنة الحقيقية غير “المدغمسة” التي ينشدها الجميع..وتكفي البلاد والعباد شر المصائب والبلاوي والفتن.. لك التحية اخ محجوب..

  4. فاليسمح لى القراء وكذلك راكوبتنا الظليلة ان اقول امرا امسكت عنه لسنوات طيلة عن هذا (الكاتب) الاخ محجوب حسين .
    اولا ومنذ اكثر من عشرة سنوات لم اكمل قراءة مقال للاخ محجوب حسين الا اليوم ، واليوم هدفى ليس الاعجاب بالمقال ولكن قصدت تكملة قراءته للتعليق عليه هذه المرة ، لانه حقيقة مقال (نموذجى) فى اللاموضوع ورص لكلمات وجمل فارغة شكلا ومضمونا ، اعتاد المذكور على ترديدها فى كل مقال (على الاقل فى اى جزء اكتفى انا دايما بقراءتها ) . ارجو تكرما من يقرأ تعليقى هذا يعيد قراءة مقال الاخ محجوب ويقول لنا بعدها وبامانة شديدة ما هى الرسالة التى يود المحجوب توصيلها للقراء ؟ يقينى لا شى غير حشر مفرط لالفاظ معلبة ومكررة بلا رباط موضوعى . هنالك تساؤل ظل يورقنى منذ سنوات طويلة وهو : جريدة القدس العربية جريدة قديمة يقال انها تصدر فى لندن (حيث اقامة الكاتب) منذ سنوات ، ما هى المعايير المعتمدة لديهم لاعتماد كاتب راتب فى هذه الجريدة ؟ هل تعتقد ادارتها ان القارئ العربى يحترم الجريدة التى تنشر مثل هذا المقال ؟ والله اشك كثيرا فى ذلك . تم ان هنالك امر اعجب من هذا ، مع احترامى الشديد لقراء الراكوبة الذين تظهر دائما مستوى وعيهم نوع التعليقات الذكية التى يكتبونها فى كل مواضيع الجريدة ، مع ذلك تجد من يشيد بهذا المقال وهناك من سماه الفيلسوف فى هذه التعليقات !!
    انا اعفى تماما قراء الراكوبة الذين اعرف ذكاءهم ، واميل للاعتقاد ان الاخ محجوب هو الذى يعلق على نفسه احيانا ، وادعو القراء لمراجعة احدى التعليقات الموجودة الان ليعرف حتى اللغة هى لغة الاخ محجوب حسين
    واخيرا اوجه صوت لوم لجريدتى المفضلة (الراكوبة ) ، واقول انى اعلم ان جريدة الراكوبة تنشر كل او اغلب ما يرد اليها من المقالات ، ولكن نشر مثل هذا المقال ? واى مقال ? للاخ محجوب حسين فى الصفحة الرئيسية للمقالات المميزة فهى قطعا سوف تنال من سمعة الجريدة وليس العكس
    مدثر الصديق عجبنا

  5. لا اله الا الله محمدا رسول الله

    يقول زعبلة المستكاوى
    (في بحث عام لمسار عقل الهيمنة السوداني، نجده عقلا يعلو ولا يعلى عليه، ناهيك من أن يتساوى معه، عقل حاكم، لا يقبل أن يُحكم ولا يقاد، هو عقل ذو طبيعة جينية تشكل منذ التاريخ على أن يقود فقط،)
    اى عقل؟؟ وتحت الشعر الوسخ دا والودك فى عقل كمان؟؟

  6. وما هو الفارق الجوهرى بين مفهومك للهيمنة واحتكار السلطة وبين مفهوم من انبريت لهم بالنقد والتجريح بما ليس فيهم . مما يثبت الفكرة القائلة بان اهل المركز قد ارتكبوا خطأ استراتيجيا عندما حملوا رايه القومية السودانية دون سواهم وتحملوا عبء اعالة وتعليم الهامش ومحاولة دمجة فى المجتمع الحضرى فاصبحوا الان يمثلون كارثةومعولا يهدم كل ما تم بناؤه على مدى ستون عاما من الاستقلال مما يوجب سرعةالبحث عن جلول اخرى لامر الدولة الموحدة و استبعاد فكرتها بصفة نهائية للوصول الى سلام دائم ينعم به الجميع فجميع المؤشرات تدل على ان التعايش اصبح ابعد مما كان عليه الحال فى بدايات سنى الاستقلال الاولى .

  7. مقال عميق..يضع اليد على أحد مواطن الداء المسكوت عنه..موطن مؤلم الا أننا لا نقبله ولا نتقبله بحسب عقلية بعضنا المبنية على باطل ومستمدة شرعنتها من باطل..وهي عقلية الهيمنة التي تدثر بعضنا بها..الا من رحم ربي..

    * كمفهوم عام.. ان مواجهة الحقائق والاعتراف بها رغم مرارتها هي من أحد آليات الحل لأي مشكل واشكال..

    اتفق مع الاخ الكاتب تماما في الجزئية الآتية: [لذا دعوتنا هنا ليست لاستقالة هذا العقل ولا مصادرة لحقه في أن يكون كما يريد، فهذا حق مكتسب، ولكن ليس من حقه ان يفرض على الآخرين تحت اي مزاعم أو أحبولات ايديولوجية أو جهوية أو عرقية، على أن يكونوا كما يريدون، فذلك ضدا لفطرة تشكل وتكون الإنسانية الأولى].

    **وذلك يعني المواطنة الحقيقية غير “المدغمسة” التي ينشدها الجميع..وتكفي البلاد والعباد شر المصائب والبلاوي والفتن.. لك التحية اخ محجوب..

  8. فاليسمح لى القراء وكذلك راكوبتنا الظليلة ان اقول امرا امسكت عنه لسنوات طيلة عن هذا (الكاتب) الاخ محجوب حسين .
    اولا ومنذ اكثر من عشرة سنوات لم اكمل قراءة مقال للاخ محجوب حسين الا اليوم ، واليوم هدفى ليس الاعجاب بالمقال ولكن قصدت تكملة قراءته للتعليق عليه هذه المرة ، لانه حقيقة مقال (نموذجى) فى اللاموضوع ورص لكلمات وجمل فارغة شكلا ومضمونا ، اعتاد المذكور على ترديدها فى كل مقال (على الاقل فى اى جزء اكتفى انا دايما بقراءتها ) . ارجو تكرما من يقرأ تعليقى هذا يعيد قراءة مقال الاخ محجوب ويقول لنا بعدها وبامانة شديدة ما هى الرسالة التى يود المحجوب توصيلها للقراء ؟ يقينى لا شى غير حشر مفرط لالفاظ معلبة ومكررة بلا رباط موضوعى . هنالك تساؤل ظل يورقنى منذ سنوات طويلة وهو : جريدة القدس العربية جريدة قديمة يقال انها تصدر فى لندن (حيث اقامة الكاتب) منذ سنوات ، ما هى المعايير المعتمدة لديهم لاعتماد كاتب راتب فى هذه الجريدة ؟ هل تعتقد ادارتها ان القارئ العربى يحترم الجريدة التى تنشر مثل هذا المقال ؟ والله اشك كثيرا فى ذلك . تم ان هنالك امر اعجب من هذا ، مع احترامى الشديد لقراء الراكوبة الذين تظهر دائما مستوى وعيهم نوع التعليقات الذكية التى يكتبونها فى كل مواضيع الجريدة ، مع ذلك تجد من يشيد بهذا المقال وهناك من سماه الفيلسوف فى هذه التعليقات !!
    انا اعفى تماما قراء الراكوبة الذين اعرف ذكاءهم ، واميل للاعتقاد ان الاخ محجوب هو الذى يعلق على نفسه احيانا ، وادعو القراء لمراجعة احدى التعليقات الموجودة الان ليعرف حتى اللغة هى لغة الاخ محجوب حسين
    واخيرا اوجه صوت لوم لجريدتى المفضلة (الراكوبة ) ، واقول انى اعلم ان جريدة الراكوبة تنشر كل او اغلب ما يرد اليها من المقالات ، ولكن نشر مثل هذا المقال ? واى مقال ? للاخ محجوب حسين فى الصفحة الرئيسية للمقالات المميزة فهى قطعا سوف تنال من سمعة الجريدة وليس العكس
    مدثر الصديق عجبنا

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..