ماهو عارف قدمو المفارق

…وجدت في منزل أخى د.مجدى بسلطنة عٌمان ديوان الشاعر الفذ والمجيد خليل افندى فرح بدرى وقد أهداه له حفيد الشاعر ….استوقفتنى كل القصائد والكلمات المختارة بعبقرية لامثيل لها وإحساس نادر وصادق…ولعل قصيدة (ماهو عارف قدمو المفارق) وجدت صدى في نفسى اكبر لحالة نفسية معينة وتطابق مع الظروف الراهنة والتى يمر بها الوطن وأعبر بها ضمنياً كعنصر وفرد من أهل البلد….ثم قال الشاعر (ماعلينا الفات كلو فارق—- رقنا وليهو نعيد الملام) وفرح يتكلم عن الوطن الذى عشقه وكناه بعازة ، لم يحبه فقط بل تدله في عشقه باسم “عازة” والتى ذكرها في قصيدة “عازة” ثلاثة عشر مرة! وقال يخاطب ويشتكى للمحبوبة ? الوطن (فىً شن أبقيت للطوارق—- غير قليبا في همومه غارق ولسانا برده الكلام) (ويح قلبى الما إنفك خافق—– فارق امدرمان باكى شافق) ووجه حديثه الى امدرمان (يا أم القبايل مافيك منافق—- سقى أرضك صوب الغمام)
والخليل رجل عاشق صب في نضاله وشاعر فريد عبر في سماوات السودان كالنيزك وترك أثره البين في ضمير الذات السودانية ، فللرجل قضية واضحة لا لبس فيها وهى تحرير الوطن من المستعمر حينها ، وهو صامد وشامخ مع أقرانه المناضلين كالجبال الراسيات ، وهو في مصر لم ينسى وطن الجمال ولم يبتغى غير الكمال…وكيف ينسى من يحب ويهوى؟ ثم يمضى بحديث الحب الى عازته قائلاً (عازة شفتى كيف نهض العيال—- جددوا القديم تركوا الخيال) والخليل لم يعيش ليرى كيف عبث بنا الخيال واهله من الفئة الضالة ، وأقصد الخيال الخبيث ، وينتهى مقرراً (تزيدى كل يوم عظمة—- إزداد إجلال)
خليل فرح لم يعش طويلاً في هذه الدنيا الفانية فقد توفى وعمره ثمانية وثلاثون عاماً ، مٌقدر له فيها أن يولد عام 1894 بحلفا (دبروسة) ويتخرج من كلية غردون عام 1913 مهندساً ميكانيكاً ، وعمل موظفاً بمصلحة البوستة والبريد…والحديث ذو شجون والشىء بالشىء يذكر فنرى اليوم الوطن “عازة” وقد اصبح “مهزلة” كونية ومثقبة واسعة وسيريالية شملت كل أبناء هذا البلد والذى كان فيه كل حاذق وقد تشردوا لصالح أهل الضلال العام…البلد الذى وبشهادة أهل الغرب كان مؤهلاً ليصير دولة عظمى ثم صار فاراً! نحن نملك كل شىء وليس لدينا شىء ! نملك الطاقة ولا أقصد بترول أو غاز ، نملك البشر الذين يصنعون الحياة وينسجون تفاصيل ملحمة العزة وعازة…ولكن أطل علينا يوم أغبر اسود وكالح يوم أن عرفنا اقوام خرجوا من فجاج الارض او من حفرة جهنم ذاتها! ولاندرى من اين اتوا تحديداً كما تساءل كاتبنا العظيم الطيب صالح….قوم من فصيلة الشيطان كلما لمسوا شيئاً تحول الى مأساة وكارثة! ونحن في الحقيقة نعرف من هم من صفاتهم فالذى لم ياكل ويشبع في صغرة لايشبع لاحقاً والذى لابيت له لايتدبر للاخرين البيوت بل يخربها، والذى لاخلق له لايولد الا الرزيلة ، والذى لا أخلاق له لا يولد الا الفساد، والذى لا أصل له أو كبير يوقره يتنكر لاهله ومجتمعه…هذا هو الامر ، ولكن ماذا نحن فاعلين بعازة وحبها؟؟ أنهجر من نحب في منافى كوكب الارض ثم نقول (الى يوم اللقاء وانت رايق—- السلام ياوطنى السلام) ثم نمضى نلوك هوننا على الناس في بلاد الناس والذين هونا عليهم وصغرنا في اعينهم وقل احترامهم لنا ،أم ننظر الى القضية بمنظار أخر…المنظار الحقيقى وهو النهوض والثورة ولا أقول (الوثبة) تباً لقائلها وتباً لمن صدقه رغم رصانة الكلمة….ثم انظروا ايها الناس ماقاله الخليل عن الدنيا وصعابها فلاشىء يعطى مجاناً وخاصة الحرية (يادهر أهوالك تسارق—- منها كم كم شابت مفارق)
أخيراً اتمنى أن يطبع ديوان الخليل ويوزع على شبابنا ليذكرهم بعازة وكل متطلباتها في دروب العزة والكرامة… عازة ليست في امريكا ..عازة لم تطلب لجوء سياسى أو إقامة في بلد ما… عازة تنتظر يتلبسها الحنين والشوق الى احبائها ليعودوا فتعانقهم عناق سودانى مبين… وحتى يحدث ذلك ونجتث الضلال والفساد ونكنس الانقاذ الرزيلة من بلادنا اقول كما قال الخليل( عازة جسمى صار ذى الخلال ، لانى مابنوم الليل محال) وقلبى لسواك ماشفتو مال? خذينى باليمين انا راقد شمال.. ثم نعود بعدها امنين الى عازة محط آمالنا السلام..
ودمتم..

[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..