“شموس ريدة” أبو كروق يحكي.. أهيم في أكثر من وادٍ لكن تخصصتُ في الشعر الغنائي

الخرطوم – خالدة ودالمدني
يُحكى ذات مرة في مناسبة زواج بحي القلعة الأمدرماني كان يُحييها كرومة آنذاك، حيث تجلس الفتيات على بساط في اتجاه مُعاكس للمغني والضيوف، همس العريس لإحدى الحسناوات وأخبرها أن الشاعر أبوصلاح موجود في الحفل، وربما تُحظى بأن يتغنى لك. وأشار إليه في الأثناء، لكن يبدو أن الجميلة لم يُعجبها شكل أبوصلاح وتحديدا عينيه، تواً أخبره العريس بالأمر، وبدأ أبوصلاح يتفرس في الحسناء ويراقبها شاردا نحوها، مخاطبا إياها في صمته حينها نظم قصيدته المشهورة: “العيون النوركن بجهره، غير جمالكن مين السهرة، يا بدور القلعة وجوهرة”.
هكذا كان نهج معظم الشعراء، إذ أن رؤية الفتيات عامة شبة مستحيلة، ناهيك عن المحبوبة، ومع ذلك نظموا شعرا مميزا لا يقبل التأويل، خلد في ذاكرة سامعيه، قطعا لو عاشوا زماننا هذا لكتبوا بطريقة مغايرة، لذلك يرى كثيرون أن شعر الحقيبة هو ثابت القول ولا مجال لآخر حديث، في مجرى الحديث هيا نتصفح دفاتر شعر حسين أبوكروق كنموذج للحاضر.
* في أي وادٍ يُهِيم حسين أبوكروق؟
– أهيم في أكثر من وادٍ، لكن تخصصتُ في الغنائي، موهبتهُ لازمتني منذ صغري وتجلت بوادرها الحقيقية خلال برنامج الصباح المدرسي بالمرحلة الثانوية، وصقلتها بالدراسة العلمية، كون الموهبة وحدها لا تكفي، وأثناء دراستي الجامعية التقيت بعظيم الشعراء وساندوني مسيرتي بقوة.
* مثل من؟
– الأساتذة الأجلاء التجاني حاج موسى وإسماعيل الإعيسر ومختار دفع الله، هؤلاء شكلوا نقطة تحول في شعري الغنائي تحديدا، وأجزل شكري للرائع مختار دفع الله بمساندته لي في إصدار ديواني (شموس ريدة).
* أليس لك غيره؟
– (ليه الجفا) يحمل اسم أشهر أغانيه من ألحان ناصر عبدالعزيز وأداء طلال الساتة.
* غير طلال من تغنى بأشعارك؟
– شريف، أحمد الصادق، طة سليمان، حسين الصادق، منار صديق، أمنية إبراهيم، عفراء عبدالرحمن ومحمود عبدالعزيز.
* يُقال إنك واحد من أولاد الحوت؟
– بلاشك محمود هو أول من تحدث عني على صفحات الصحف، وساندني من غير حدود، كما ساند كثيرين غيري، فهو جزيل العطاء للكل.
* هل تغنى لك؟
– نعم بأغنية (ذنبو شنو) وهي كردفانية الإيقاع، ومن ثم لحن لي قصيدة (تعز زولك) وقبل أن يؤديها، ويكمل مسيرته الزاخرة، رحل تاركا خلفه جرحا لا يزال ينزف حتى الآن.
* استفحل الاختلاف بينك والفحيل ما هو السبب؟
– حدث أن شريف نسب كلمات قصيدتي (حبك حقيقي) لملحنها ياسر سالم، هذا ما أغضبني، ودفعني لحماية حقوقي، لكن اتضح أن الفحيل لا ذنب له، ورجع الخطأ للملحن كونه نسب كلماتي إليه، وتساوت الأمور بيننا، وهو يتغنى بها الآن ومعها أخرى.
* عندك مانع في تداول أشعارك؟
– أبدا ما عندي مانع لكل من أراد في شتى وسائل الإعلام، فقط مع حفظ حقي الأدبي والمادي، ومن الطبيعي أن يتكرر ويقلد العمل الجميل.
* هل يتغير الشعر مع عوامل الزمن كغيره؟
– مما لا شك فيه أن يتغير الشعر من حقبة لأخرى ومن مدرسة لغيرها، سابقا كان يصعب لقاء أو حتى رؤية المحبوبة، لذلك ولأسباب أخرى وهذه دوافع تنبض في دواخل الشاعر أحاسيس يتدفق من خلالها أشواق وحنين، تترجم إلى نص جميل ومعبر نحو إنسانة تتمنى رؤيتها، وبالمقابل لا ننفي لهذا الزمان كتاباته مواكبة لجيلة، من سياقة مفردة صادقة نابعة من الوجدان، تجاه ذات المحبوبة، بيد أنها موجودة في كل زمان ومكان حسب تطور التكنلوجيا، في وجهة نظري الشعر الخفيف مطلوب جدا.
* إذا كان الشعر الخفيف مطلوب، هناك من لا يعترف به؟
– الغناء الخفيف تراث موجود من زمن الطنبارة والحقيبة، والفن رسالة سامية يطور ذوق المجتمع، وهذا دورنا كشعراء ومؤدين وملحنين، خاصة المؤدي عليه بانتقاء ما هو رصين، وهذه مسؤوليته وسط زخم المتلقين له أن يحدد ماذا يقدم ولمن؟
أن يتغني مؤدٍّ دون إلمامه بتفاصيل ما يقدمه، أليس هذا عدم مسؤولية؟
تحكيم قانون الملكية الفكرية جعل بعض المغنين الشباب أكثر حرصا من قبل تجاه الأعمال الخاصة، ولا يزال يوجد نوع مستهتر ويتعامل بسذاجة.
* من من الشعراء تمنيت ثم حاولت تقليد نهجه؟
– الإعيسر والتجاني حاج موسى، بجانب شادول ومحمد ديكور، هؤلاء مبدعون في سياقة المفردة.
* متى تكتب؟
– تختلف من قصيدة لأخرى، حسب الحدث، ومدى تجاوبي وتلامس وجداني مع الحالة، ترجمت هذا في قصيدة، ومن ناحية أخرى أضافت لي الدراما كثيرا، وأكتب أيضا متأثرا بحكاوي من حولي، إضافة إلى التترات على مستوى السيناريوهات أطلع على الموضوع بالتالي أكتب شارة المسلسل أوالفلم.
* أين أنت الآن من الدراما؟
– أشرع لدراسة الماجستير في الصور الدرامية في شعر الحقيبة.
* اتجاهك نحو الدراما ألا يخصم من عطائك الشعري؟
– أبدا، منذ الأزل بدأت الدراما بالشعر، وكتابتي للشعر مستوحاة من مشاهد درامية، وتجديني أبدع وأجيد المفردة عندما أتعمق المشهد، ومعظم كتاب الشعر الغنائي المتميزين كانوا دراميين، مثل (يحيى فضل الله، عاطف خيري، قاسم أبوزيد، عمادالدين إبراهيم)، كانت قصائدهم حاشدة بالصور الدرامية، لذلك أقول الدراما علمتني كيف أقدم نصوص مختلفة.
* هل أشرت إلى قضايا مهمة في كتاباتك؟
– أجل، كتبت في شأن الأطفال فاقدي السند، بجانب سرطان الأطفال والثدي.
* شعر الغزل لك في نصيب؟
– ربما له نصيب كبير في أشعاري، تلفتني الفتاة المحتشمة والمؤدبة، وبلاشك الجميلة، حيث أتغزل فيها دون ما أشعر، ولكن في حدود جمالها وهيبتها.
* هل تواجه مصاعب في اختيار ملحن لأعمالك؟
أتعامل مع أفضل الملحنين ذوي خبرات مأهولة، لأن اللحن غير المناسب يودي بالقصيدة، ومررت بهذه التجربة من قبل.
* وما بعد التلحين ؟
– بعد ذلك أنتقي مغنياً يحس اللحن أولا حتى يجيد تأديته تماما.
* هل صداك أحدهم يوما؟
– نعم المغني عصمت بكري أعجبه النص، لكنه رفض تأديته، وقال هذا اللحن لا يشبهني، كذلك محمد عبدالجليل في نص آخر، وطلب مني تغيير لحنه وبالفعل غيره.
* جديدك؟
– مجموعة من القصائد الغنائية لملحنين مختلفين.
* بدون مجاملة أفضل من تغنى بأشعارك؟
– هاني عابدين وأحمد الصادق.
* تجربتك والفيديو كليب؟
– لي تجربة مع شريف الفحيل، أرتب لعمل جديد مع يوسف حضرة باسم (سارق الوقت) ألحان محمود السراج.
يقال فكرة الفيديو كليب غير ناجحة بكل المقاييس؟
– إذا توفرت المعطيات، سيحدث تطور واضح في هذا المجال، مثل إحساس المؤدي بالقصيدة ولحنها والصور الدرامية، إضافة إلى اختيار مشاهد لها علاقة بصراع الأغنية الداخلي، جل ذلك يحتاج مخرج ممتاز.
نُطل على نافذة حياتك العاطفية، حدث هز أبوكروق وكتب من أجله؟
كتبت قصيدة (ليه الجفا) حينها كنت أغرق بالصراع العاطفي، وعقبها كتبت (تظلمي) لذات الشخص، وأخيرا (ذنبو شنو) التي تغنى بها الحوت.
* هل يقسى شعرك على محبوبتك إذ افترقتما؟
– أنا ضد القسوة، وفي اعتقادي يجب احترامها والاحتفاظ بالذكرى الجميلة، حتى وإن افترق بكم السبيل بتعدد الأسباب، وقبل ذلك كتبت قصيدة بعنوان (مليت هواك) لكن في نهايتها قلت كلام جميل.
* لماذا مليت هواها؟
– لي أسبابي، لكن عموما قلت لها “مولاي يعدل خطوتك، وتعرف في آخر الطريق ما كل عاشق وصل وحقق طموحات البحب، وحكم الغرام بينا الحصل”، يعني الواحد ما المفروض يقسى، وفي النهاية “عمرو الإحساس ما بقسى على زول انت عودتو دواخلك، وشلتو إحساس وحبيتو وردتو، وختيتو في داخلك نبرة حس”.
* هل تقدر تفصل بين مشاعرك الحقيقية وكتاباتك؟
– بالتأكيد، أتعامل معهم الاثنين بصدق باين.
* ماذا تقول للشعراء الشباب أقرانك؟
– نحن محتاجون لغناء مطرب وهادف يحمل هويتنا ويعبر عن ذاتنا، ومن خلاله نعبر بالأغنية المحلية إلى قوالب عالمية، ونتكاتف من أجل إرسال رسالة عميقة تضيف للفن السوداني
اليوم التالي