تحقيق عن اللاجئين الجنوبين بشرق دارفور

أكثر من (60) ألف وصلوا سيراً علي الأقدام
اللاجئين الجنوبيين بشرق دارفور.. المعاناة مستمرة
تحقيق: عيسي دفع الله
منظر أطفال اللاجئين وهم يتأملون أواني الطعام الفارغة بحثاً عن لقمة تسد الرمق مشهد يدعوا لبغض الحرب اللعينة التي أجبرتهم علي ترك ديارهم بدولة جنوب السودان المحترقة بنار الحرب والأتجاه شمالاً نحو شرق دارفور، التي توزعوا علي محلياتها الـ(9) بمعسكرات مؤقتة تأويهم الآن رغم ذلك لم تنقطع معاناتهم مع ظروف الحياة التي طردتهم من الدولة الوليدة بيد أن واقعهم في دارفور اليوم يبدو أفضل حالاً بتوفر الأمن وفرص العمل في الزراعة وغيرها حسبما يقول عدد منهم ألتقتهم (أول النهار) في معسكرات الولاية.
حياة اللاجئين
ظروف قاسية جداً يصعب علي القلم وصفها يعيشها لاجئ جنوب السودان في معسكرات شرق دارفور، حيث بدأ بعضهم في تشييد مساكن مؤقتة من المواد المحلية (حطب العشر، المشمعات) غير أنها يصعب الجزم بأنها قد تقيهم أمطار الخريف التي تهطل بغذارة في هذه الأيام. وجوه اللاجئين تبدو مشمئزة من واقعهم المأسوي الذي يعيشونه وهم جلوساً علي ظلال اشجار النيم التي تقيهم حرارة شمس الخريف المحرقة تعقبها زخات المطر. ويعاني اكثر من 60 الف لاجئ جنوبي غالبيتهم من النساء والأطفال وصلوا شرق دارفور منذ شهر مارس الماضي، اوضاعا إنسانية بالغة الصعوبة، بعد فرارهم من الظروف المعيشية التي خلفتها الحرب هناك، مما شكل ضغطا على سكان الولاية.
حكاوي محزنة
خديجة إبراهيم امرأة في نهاية العقد الخامس تقطن في معسكر (خور عمر) لاجئة من دولة جنوب السودان تحكي عن ظروف محزنة مرت بهم خلال الحرب الأخيرة التي اجتاحت مدينة راجا تقول خديجة أنها من قبائل الفراتيت التي تقطن تلك المنطقة، وفي تلك الليلة التي اجتاحت فيها قوات تقول إنها لاتعرفهم أن هم كانوا من الحكومة أو المعارضة، وتضيف هربت ليلاً برفقة العشرات من الأهل بعد أن شاهدنا دماء ابناءنا تسيل في الارض في هذه اللحظة بدت حزينة كادت أن تبكي، وتمضي خديجة بالقول عبرنا الغابات في رحلة استغرقت (45) يوماً ولم نملك شئ من الغذاء او الشراب نشرب من مياه الأمطار مات الكثير من كبار السن والأطفال اللذين صعب عليهم مشوار الحروب الكبير، ولفتت الي أن رعاة الأبقار في شرق دارفور المنتشرين علي طول الشريط الحدودي ساعدوهم بتقديم المأكل والمشرب الأمر الذي ساعدهم في الوصول بأمن، ولفتت خديجة الي انها لاتعرف شيئاً عن أوضاع ابناءها وافراد أسرتها اللذين فر كل منهم علي طريقته بعد أشتعال الحرب.
وتشير الي أن المعسكر يستقبل يومياً عشرات الأسر القادمة من جنوب السودان وهي تحتاج للخدمات الأساسية.
أطفال خارج المدارس
بينما يقول خميس بيتر اللاجئ من منطقة واو بولاية بحر الغزال لـ(أول النهار) إن الحرب شردت الأسر وتقطعت بهم السبل وأضاف أن الخيارات امامهم بعد بدء الحرب بدت محدودة ولم يك امامهم خياراً غير الفرار الي الشمال لمعرفتهم مسبقاً بطيبة أهل السودان اللذين عاشوا معهم سنوات طوال، ودعا خميس المنظمة الدولية لتقديم الخدمات للاجئين من غذاء وكساء وتعليم مشيراً الي انهم يعيشون اسوء الظروف الأنسانية بالمعسكر، واشار الي اوضاع الاطفال في سن الدراسة اللذين تقطعت بهم السبل وتركوا مدارسهم وباتوا مشردين، داعياً كل الجهات الخيرية الي مساعدة لاجئ جنوب السودان.
البحث عن عمل
تبدو فرص العمل متوفرة للاجئ الجنوب في شرق دارفور في فصل الخريف بعد معدلات الأمطار المرتفعة التي هطلت بالولاية حيث تحرك الكثير منهم للعمل في المزارع بأجور مرتفعة علي ذمة عدد منهم أو العمل كعمال بناء داخل المدن، وعاد الكثير منهم للعمل مع أصحاب المواشي كرعاة سيما وأن جلهم له سابق حياة في شرق دارفور قبل توقيع أتفاقية السلام الشامل خاصة بمعسكر راجا الذي يقع بمنطقة خور عمر غربي الضعين حيث لم يعود السلطان حامد عبد الله، الي الجنوب رغم الأنفصال وظل يعيش في المعسكر رغم أن الكثيرين غادروا الجنوب وعادوا مرة أخري ووجدوه مقيماً في أمن وأمان، ويحتفظ بعلاقات جيدة مع مواطني الضعين الذين قال إنهم قدموا المؤن للاجئين اللذين قدموا مؤخراً بعد الاحداث الأخيرة في جنوب السودان، وشهد معسكر راجا تدفقات كبيرة من مواطني دولة الجنوب نتيجة الحرب الدائرة هناك ووصل العدد خلال الأيام الماضية إلى أكثر من أربعة آلاف لاجئ. وكشف السلطان حامد عبد الله في تصريح لـ(أول النهار) عن ارتفاع عدد اللاجئين إلى أربعة آلاف لاجئ بالمعسكر وأبان أن المعسكر يستقبل خلال اليوم أكثر من 50 لاجئاً، ووصف الأوضاع بالمأساوية في ظل غياب تام للمنظمات مع ظهور حالات لأمراض الإسهال والملاريا أدت الى عدد من الوفيات وسط الأطفال والحوامل والعجزة.
من جانبه ناشد وليم مارشلو ـ قيادي بالمعسكرـ حكومة شرق دارفور والحكومة المركزية تقديم المساعدات للمعسكر خاصة فيما يلي المشمعات والخيام لمجابهة فصل الخريف.
ظروف معقدة
بينما قال معتمد محلية (ابو جابرة) الضيف عيسى عليو لـ(أول النهار) إن الالاف من الجنوبيين الفارين من ضيق الحياة المعيشية والحروب بدولة جنوب السودان وصلوا الي العديد من محليات الولاية بينها محليته، يعيشون وسط ظروف إنسانية معقدة مما يتطلب تسريع تقديم المساعدات الضرورية المنقذة للحياة من المواد الغذائية والدوائية ومياه الشرب. ولفت الى أن استفحال الأمر سيؤدي الى تفشي الأمراض والأوبئة وسط اللاجئين، مما يستدعي ضرورة توفير الأغطية والناموسيات لمواجهة فصل الخريف . وطالب الضيف المنظمات العاملة في المجال الإنساني عبر وزارة الشؤون الانسانية باهمية الإسراع في معالجة الموقف سيما وأن الوضع الانساني للاجئين لا يحتمل اي التأخير، مضيفا ان المنظمات التي باشرت عمليات حصر اللاجئين لم تفرغ من عملها بعد نتيجة لاستمرار تدفق اللاجئين الي الولاية. وحذر الضيف، من ان تدفق الجنوبيون بهذه الأعداد الهائلة سيشكل ضغطا كبيرا علي الحياة المعيشية لسكان الولاية ما لم تسارع وزارة الشؤون الانسانية بالتنسيق مع المنظمات لتقديم العون الإنساني علي جناح السرعة، مشيراً الي ارتفاع أسعار السلعة الغذائية نتيجة لتدفق اللاجئين بالولاية بجانب وجود أزمة في المياه الصالحة للشرب.
العون الأنساني
ويقول مفوض العون الأنساني بولاية شرق دارفور إبراهيم موسي، إن أعداد اللاجئين الجنوبين وصل عددهم (47904) ألف لاجئ من قبيلة الدينكا وصل معظمهم في شهر فبراير الماضي الي الولاية، حيث أقام (6000) ألف بمحلية ابوجابرة وأقام الجزء الأكبر منهم بمعسكر خور عمر في مدينة الضعين واشار موسي، الي أن موقع المعسكر يقع في حي سكني وسط المواطنين ولايمكن للاجئين الإقامة فيه، وأكد أن الحكومة بعد أن انتهت من حصرهم التزمت منظمة الغذاء العالمي بتقديم مواد غذائية عليهم ومضي بالقول”: وقدمت لهم المفوضية السامية لشؤون اللاجئين الكساء والخيام التي وزعت بواسطة جمعية الهلال الحمر السوداني”.
لاجئ راجا
وقال المفوض إبراهيم، إن اللاجئين المنحدرين من منطقة راجا بدولة جنوب السودان فروا عقب احداث راجا الأخيرة الي منطقة (امسنيدرة) بمحلية الفردوس، مشيراً الي أن المفوضية زارتهم بمعية وكالات الأمم المتحدة بواسطة طائرة، وتم حصرهم وتوزيع مواد غذائية وغيرها عليهم لافتاً الي أن المجتمع المدني ساهم كثيراً في تقديم الخدمات للاجئين بجانب المنظمات الدولية والمحلية.
وحول الأوضاع الصحية قال المفوض إن كل مايحتاجه اللاجئين يأتيهم عبر منظمة الصحة العالمية ورعاية من وزارة الصحة الولائية.
إجراءات أمنية مشددة
بينما وضعت حكومة ولاية شرق دارفور خطة أمنية فى أعقاب تدفقات اللاجئين الجنوبيين على الولاية في وقت أكدت فيه إستقرار الأوضاع الأمنية والإجتماعية بجميع المحليات.
وأوضح نائب والي شرق دارفور محمد الحسن بيرك أن الخطة تشمل حماية وتأمين عودة الرعاة من الجنوب للشمال، مبيناً أن المنافذ الحدودية تحظى بتركيز خاص من إنفاذ الخطة. وأضاف أن الولاية تستقبل تدفقات كبيرة من اللاجئين الجنوبيين الفارين من التوترات بدولة جنوب السودان، لافتاً إلى أن هؤلاء اللاجئين يخضعون لإجراءات أمنية مشددة ويعرضون على كشف طبي دقيق عبر المناطق الحدودية، مؤكداً أن شرق دارفور تشهد إستقراراً أمنياً وأن حكومة الولاية تعكف حالياً على الترتيب لإجراء عدد من المصالحات القبلية.