السودان .. تبرير التنازل والهوان!؟

محمد الحساني
بدأ مسؤولون سودانيون شماليون يتحدثون في الفضائيات عن الفوائد الجمة التي سوف يجنيها شمال السودان من انفصال جنوبه عنه وأن من أهم تلك الفوائد ــ على حد زعمهم ــ هو أن الجنوب كان حملا ثقيلا على الشمال من حيث مصاريف التنمية والأمن وأن الانفصال سوف يوفر تلك المصاريف لصالح الشمال فتكون التنمية والاستقرار!
مثل هذه التبريرات المتهافتة لما حصل من تقسيم سبقته تنازلات مهينة من أجل البقاء في الحكم مدة أطول، لابد أن يتولد عنها بعض التساؤلات المصاحبة لطرحها، فإذا كانت مصلحة شمال السودان تقتضي التخلص من جنوبه ــ كما يزعم المتحدثون في الفضائيات ــ بعد أن أصبح الانفصال أمرا واقعا وقاهرا، فلماذا احتاج أبناء السودان شماله وجنوبه إلى خوض معارك وحروب أهلية على مدى نصف قرن من الزمان هلك خلالها ما يزيد على مليون سوداني ودمرت مدن وقرى وبددت أموال ضخمة كان يفترض أن تصب في خانات التنمية لتكون التنمية في نهاية الأمر إقرار الانفصال طوعا أو كرها، ثم التحدث عنه باعتباره إنجازا لرجال الشمال ونعمة على أهله.. وكأن الناس لاذاكرة لهم ولاعقل يميزون به الكلام المعقول عن غير المعقول؟!.
إن مثل هذه التبريرات الواهية يراد منها تغطية جريمة وطنية كبرى تتمثل في تقسيم وطن واحد إلى قسمين، وقد يكون هذا التقسيم مقدمة لتقسيم أوطان أخرى، وحتى لا يلقى اللوم على أصحاب المؤامرات وحدهم من أهل الغرب أو الشرق الأوروبي، فإن الأحق باللوم هم أبناء السودان وقادته الذين ظلوا يقدمون المبررات والذرائع للتدخل الدولي في شؤونه، من إهمال لجنوبه ورفع شعارات تطبيق الشريعة من قطع يد ونحوها على المسيحيين الجنوبيين.
واستئثار الشمال بالحكم والثروة والكلمة الفصل وتحقير الجنوب باعتبار أصولهم غير عربية!، مما أدى مع مرور الأيام والأعوام إلى وجود تململ جنوبي ثم حراك ثم ثورة ومطالبة بالاستقلال أدت إلى حروب وصراع دام نصف قرن لتكون المحصلة التنازل عن مليون كيلومتر مربع تمثل ثلث السودان مقابل كرسي وثير مساحته نصف متر في نصف متر مربع.. فما أكرم هذا العطاء، وأين الذين يستحون؟!.
"عكاظ" السعودية