الطيب صالح خال الجميع

أمير تاج السر
لا شك في أن الكثيرين يتفقون معي بأن كاتبا كبيرا وساحرا (كالطيب صالح) من تلك الشخصيات التي يتشرف المرء بمعرفتها أو قرابتها، كأن يصير عمك أو خالك أو أخاك، أو حتى زميل دراسة لك في مقعد بعيد في زمان بعيد. ولأن الطيب صالح جاء في زمن القراءة المذهبة، واستمر في زمن القراءة المذهبة.. وأضاف إلى فن الكتابة الكثير من السحر والغموض، فإن نادرا ما تجد من لا يعرفه أو يسمع به، وأحسب أن شهرته تورث في البيوت من جيل إلى جيل.. أنا أتشرف بانتمائي إلى أسرة الطيب صالح، أتشرف بكونه خالي.. خال حقيقي.. نختلف في مسلك الكتابة، وتذوق الآداب، ونظرة كل جيل كتابي إلى الآخر، لكن تبقى المودة، وقرابة الدم التي لا تذهب أبداً.
كان المكان مطار الدوحة الدولي في منتصف تسعينيات القرن الماضي وكنت في وداع صديق مسافر.. وكانت شهرتي المحدودة ككاتب في ذلك الوقت، قد شدت إليّ البعض، وأصبحت أحيّا بعمق في المناسبات التي يوجد فيها من قرأني، أو يسألني البعض عن أرقام هواتفي، أو يقدم إليّ آخرون نتاج أدمغتهم لقراءته وإبداء الرأي فيه.. تلك اللحظة كان الزحام على أشده، ونداء السفر على أشده أيضا، اقترب مني أحد المشاركين في ذلك الزحام.. حياني باحترام، وسرق انتباهي من آخرين، حين حدثني عن الرواية، وأنه قرأني بمتعة ويشكرني على ذلك. وكما هو متوقع.. كان لابد أن يسألني الرجل عن رأيي في الطيب صالح.. وقبل أن أفتح فمي لأجيبه قال في ثقة..
– إنه خالي..
اندهشت أشد الاندهاش، فلم يكن ذلك المتأنق بالزي الكحلي، والذي يحمل تذكرة وجوازا ونداء سفر في تلك اللحظة، من أسرتنا أبدا.. طالعته بتمعن، وسألته عن اسمه الرباعي، وغصت في سيرة حياة ملخصة طالبته بها في تلك العجالة.. ولم أعرفه.
هل هو خالك فعلا ؟ قلتها في اندهاش حقيقي..
– نعم.. إنه شقيق والدتي.
نودي على المسافرين.. ودعني المتأنق في بشاشة واعدا بتقديمي إلى خاله الأديب الكبير حين نلتقي مرة أخرى.. كان المطار يفرغ شيئا فشيئا.. ولا زالت دهشتي واقفة، لم تودع أحدا، ولم تذهب عصر أحد الأيام في المنطقة الصناعية.. وكنت أصلح سيارتي من خلل مزمن، عندما اقترب مني أحدهم.. حياني بأدب شديد، ونصحني باستبدال سيارتي (البنز) العتيقة تلك بأخرى من ماركة التويوتا ( الكرسيدا ) وذلك توفيرا للمال والتعب.. قال إنه قارئ نهم، وقد قرأ سيرة وجعي التي كنت أكتبها في جريدة الوطن، من بدايتها وحتى انتهت.. واقتناها كتابا.. والآن انتقل معي كل يوم اثنين في كتابتي الأسبوعية في جريدة الشرق.. قال إن كتابتي تعجبه برغم بعض الغموض، ثم أضاف جزيئية حيرتني هذه المرة أيضا..
– لقد ورثت حب الأدب من خالي الطيب صالح.
– خالك ؟
– نعم.
تلك الأثناء حاولت أن أبعد دهشتي بقدر المستطاع، سألته عن ذلك المتأنق الذي التقيته في أحد أيام السفر، ولم يكن يعرفه.. سألته عن أشقاء له.. فزودني بأسماء لا تشبه أسماء أشقائي الذين عشت معهم.. وحين انصرف كنت ما أزال مندهشاً.
وفي إحدي السنوات، كنت مدعواً للمشاركة في احتفالية ثقافية في الأردن، هناك التقيت بالكثيرين الذي سمعوا بي لأول مرة، وقد بادرني أحد الذين عرفوا قرابتي بالطيب قائلاً.. لقد التقيت شقيقتك (نعمات) في القاهرة حين كنا في وفد صحفي، وحدثتني عن جوانب إنسانية لا نعرفها عن الطيب صالح.. ولم تكن لي في الحقيقة شقيقة صحفية اسمها نعمات.. وفي نفس تلك الأمسية وحين انتهيت من إلقاء شهادتي أمام الحضور، وابتدأ الناس يسألونني وقف شاب سوداني لعله من الدارسين هناك.. كان يتحدث في صوت متشنج، ذاكراً أمام الحضور أنه ابن أخت الأديب الكبير الطيب صالح الذي علمه وعلم كل الكتاب السودانيين، كيف يكتبون.
أول مرة التقيت بالطيب كان في بداية سبعينيات القرن الماضي، كنت تلميذاً ابتدائياً وكنا في قرية كرمكول حيث توفي جدنا (محمد صالح) والد الطيب، وجاء الطيب إلى هناك تسبقه سيرة كبيرة، كنت أسمعها من والدي ووالدتي.. بجانب تلك الشهرة العريضة التي كانت في أوجها ذلك الوقت.. حيث كان الناس يطاردون سيرته كما يطاردون الخبز.. قدمني والدي الذي كان صديقاً له بجانب القرابة، إليه ووجدت نفسي بين يدي رجل هو بالضبط اسمه مرسوماً على هيئة رجل.. كان يجلس ساعات طويلة يستمع إلى ترهات الصغار والكبار يرخي أذنه لامتصاص حكايات إسماعيل الذي كان حكاء كاذبا يهرب من مجالسه الناس، لكنه كان في عرف الطيب روائياً شفاهياً فاتناً، يأتيه (محجوب) و(أحمد إسماعيل) الذين استوحى منهم حكاياته، أو هكذا ظنوا من ورود أسمائهم في الروايات وكانوا جميعاً أميين أو أشباه أميين كان يتذكر معهم يؤيدهم في كل شيء ويعد بعضهم بكتابته مجددا في نص جديد، وحتى ذلك الرجل العجوز الذي كان لقبه (بنقرشه) وظن نفسه بطل الرواية التي تحمل اسم (بندر شاه) لم يخيب الطيب ظنه وقال له إنه بالفعل بطل تلك الرواية.. أسبوع كامل قضاه الطيب معنا، وقدمت له كراستين من كراسات التلاميذ كتب لي فيهما إهداء بخط يده حملته فرحاً، وظللت أباهي به زمناً وسط زملائي في المدرسة وأيضاً أقدمه لأساتذتي، وألمح الحسد ينط من أعينهم جميعاً.. وظلت الكراستان موجودتين في حوزتي إلى عهد قريب قبل أن يذوب الورق ويتفتت.. بعدها ذهب الطيب إلى غربته وشهرته، لألتقي به مجدداً بعد سنوات طويلة وأيضاً في ظرف حزين حين توفيت والدته (عائشة أحمد زكريا) التي كان برغم ابتعاده، ابناً باراً بها ولم يبد لي أبداً بعد أن نضجت ودخلت إلى سكة الكتابة، أكثر من ذلك الإنسان الذي لا يمل حديث الآخرين، الذي لا ينسى حياته الأولي وأنداده الذين حمل معهم القمح على ظهور الحمير إلى (الطاحونة) في نهارات السموم، حصد معهم البلح في مواسم الحصاد، هش الجراد عن قناديل الذرة والقمح، وربما جلس معهم في قيزان الرمال في ليالي القمر البدر في قرية كرمكول، يضحكون على حكي ضاحك، أو يبكون حب وليد ومجهض أو يلدغون بعقارب هجرت شقوقها.
اقترابي الحقيقي من الطيب، كان في دولة قطر، التي يعيشها الطيب وقضى فيها زمناً كان كما ذكر أخصب أزمانه.. هناك كان الكلام كثيراً والحديث عن الأدب كثيراً وتلك الذكريات التي ترعى بينه وبين أخويه (علوية وبشير) لا تنفد أبداً.. كأنها مخزون حياة بكاملها كنا نجلس أياماً نتحدث.. تأتي أخته.. والدتي من السودان خصيصاً لتلتقي به، وأرى الطيب في تلك الأيام ليس الكاتب القمة ولا المحاضر في شؤون الآداب من بلد إلى بلد.. ولا صاحب الشهرة التي لا تشبه شهرة أحد، ولكنه شقيق (علوية) الذي يرتدي ثقافتها، يعود معها إلى القرية في أيامها القديمة إلى (آمنة نقد الله) رامية الودع و(ود حنحان) المغني الهجاء، و(أبكر) طالب الصدقة و(عبد الله) ناسج أسرة الحبال.. والجنية التي ظهرت في إحدى الليالي واختطفت امرأة، وكل تلك الأجواء التي كانت خصيبة في ذهنيهما معاً لقد كانت علاقة الطيب بأخته مميزة وكذلك ما زالت علاقته بأخيه بشير تحمل نفس التميز.. ولعلها علاقات ذلك الزمان القديم حين كانت الأخوة.. أخوة، الصداقة صداقة، وصلة الرحم ليست ترفاً ولكنها واجب كبير، وحين توفيت علوية في العام الماضي، بكاها الطيب كما لم يبك في حياته أبداً، وكان في تلك الأيام قد دخل في أزمة (الكلى) التي عطلت نشاطه التنويري وسفارته للأدب العربي عالمياً، لكنها لم تعطل ذهنه ولم تعطل اسمه الذي يشبهه وكأنه قراءة رفيعة للمستقبل حين سمي بذلك الاسم.
الطيب صالح خال الجميع بامتياز. خال السودان كله حيث إن الخال دائماً ما يقترب من القلب عكس كل القرابات الأخرى.. ولن أندهش أبداً مجدداً إذا ظهر أبناء أخوات للطيب لا أعرفهم.
القدس العربي

تعليق واحد

  1. انت مفتكر الهبل و الخطل انت و خالك الطيب صالح دي أدب. والله انت و خالك عميان شايل المكسر. يا زول أمشي شايف ليك شغله. انت و خالك في كف و الأدب و الروايه في كف فرق السماء و الوطه

  2. الشريف انت طبعا ما سوداني العربية ليست لغتك الام لتقت هذا الكلام لتشارك به فقط ولزرع الفتنة وظاهر من طريقة الكتابة انت لم تقراء الطيب صالح ولم تقراء امير ولم تقراء ادب اصلا

  3. انت مفتكر الهبل و الخطل انت و خالك الطيب صالح دي أدب. والله انت و خالك عميان شايل المكسر. يا زول أمشي شايف ليك شغله. انت و خالك في كف و الأدب و الروايه في كف فرق السماء و الوطه

  4. الشريف انت طبعا ما سوداني العربية ليست لغتك الام لتقت هذا الكلام لتشارك به فقط ولزرع الفتنة وظاهر من طريقة الكتابة انت لم تقراء الطيب صالح ولم تقراء امير ولم تقراء ادب اصلا

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..