رواية حجول من الشوك.. تستعين بالتاريخ كما في كاتب الشونة والطبقات

الحسن محمد سعيد
أهدتني الأستاذة بثينة خضر روايتها (حجول من الشوك) مشكورة فأخذتها في ظهيرة 3/9/2016م ، ولم أتركها إلا وقد قرأتها في ذلك اليوم .. بساطة اللغة وعذوبتها أخذتني في هذه الرواية التي تقود القراءة المتعجلة لها إلى أنها قصة حب كغيرها من قصص الحب التي تركز على هذا الجانب، ولكن القراءة المتعمقة لها تكشف لك الدلالات الاجتماعية والسياسية والتاريخية التي تأتيك همساً بلا ضجيج.
أهم شخوص الرواية هم : محجوب وزوجته عالية وصديقه ميرغني وزوجته نصرة وابنتاها ووالدتها مريم ووالدها السكير منصور ثم مهدي.
مركز الحكاية هو (نصرة) بطلة الرواية إذ أخذت في حوار ذاتي تناقش أصلها العربي المشكوك فيه من بقية العرب فترجع إلى إفريقيا التي هي سبب تلك الشكوك فترفض ذلك التمسك بأصل عروبتها الذي (لا يعطيها في المقابل سوى حجول من شوك تقيد نقاء شخصيتها وعذرية انطلاقها).
وتلك قضية اجتماعية بالغة الأهمية، تحمل في جوهرها صراعاً عنصرياً بغيضاً، غابت فيه وحدتنا الوطنية، حيث انتهى الصراع بمأساة انفصال الجنوب ذلك فضلاً عن الحرب الغاشمة في دارفور وجنوب كردفان وجبال النوبة وجنوب النيل الأزرق.
لا أريد أن أبالغ مدعياً أن الاثنية بين العروبية والأفريقانية التي شغلت بطلة الرواية (نصرة) في هذه الرواية التي استمدت منها الكاتبة عنوان روايتها، قد تنبأت من خلاله الاستاذة بثينة بمحنة وحدتنا الوطنية التي ظلت مستعرة ، إلا أن هذه القضية هي بلا شك النقطة السوداء في جبين الحكومات الوطنية بعد الاستقلال.
تبدأ الرواية بسفر محجوب إلى الشمالية عن طريق القطار لواجب العزاء ويركب محجوب الدرجة الرابعة في القطار مما يعني أنه في أدنى درجات السلم الاجتماعي الطبقي.
لعل الكاتبة قصدت تجسيد معاناة الطبقة الوسطى بشيء من المبالغة فيما هو متخيل، لإبراز هذه المعاناة .. محجوب خريج جامعة الخرطوم، اقتصاد بامتياز ربما تصدق المبالغة التي أشرنا اليها مقارنة بسنوات الخمسينات وحتى منتصف الثمانينات أما في هذا الزمن فإن خريجي الجامعات حتى العلمية منها هم بلا شك ضمن جيوش العطالة التي لا تثقل ضمير السلطة.
شخصية محجوب ومأساته في الغربة تبدو لي إدانة عميقة من الكاتبة للنظام السياسي القائم حين استفحلت رغبات الشباب في الهجرة والهروب من هجير الوطن إلى رمضاء الغربة من واقع رؤيتهم لبصيص الأمل الذي ضاع في بلدهم.
زوجة محجوب (عالية) ترمز للتخلف والبداوة والرعونة الهوجاء فهي تحمل الكثير من اسمها بصوتها الذي يذبحه كل يوم و(نقنقتها) في الفجرية مذكرة له أهمية الغسل لأداء (شعائر صلاة الصبح وإلا فإن شياطين الجحيم كلها ستهجم على منزلهم المتواضع) امرأة نزقة طائشة لا تعرف من الدين إلا قشوره دون جوهره المتين.
إنها أي الزوجة ترمز للسلطة في البيت حيث تلجم بسطوتها البدوية منطقه بادعاء الدين الذي تتمسك به لقهره ولم تقف عند ذلك بل دفعت به لاغتراب المذلة ليعمل راعياً وهو يحمل شهادة جامعية مميزة .. العوز والقهر دفعاه ليقبل بهذا الذل البغيض أي خضوع هذا الذي يقود إلى متاهة الضياع!!
(نصرة) التي أحبها (مهدي) وأحبته لكن والدتها في فراش الموت أخذت منها قسماً مغلظاً بألا تتزوج هذا (الشيوعي) وإلا فهي متبرئة منها إلى يوم الدين فلم يكن أمامها إلا الانصياع لأمر أمها ودفن قلبها المتورد، ليزيده تراباً.
(ميرغني) الذي تزوجها وهاجر بها إلى السعودية ليعمل معلماً للغة الإنجليزية في إحدى مدارسها بجدة.
(ميرغني) نموذج من أبيها منصور السكير .. فهذا السلوك الذي تستهجنه يعاد إنتاجه مرة أخرى وبصورة أعتى خطورة ، الأمر الذي فاقم تعاستها بعدم الراحة والأمان.
وتشاء الأقدار والمفارقات أن يقع محجوب في حبها، ولكنه يتحول مرغماً ليجعل منها صديقة أو بمثابة أخت عند علمه بارتباط صديقه ميرغني بها ، فينسحب واقع العاشق الجميل فيه وتبقي مرارته.
لم تجد عزاء إلا في اسمها (نصرة) وهي تستلهم التاريخ تتكئ على (نصرة بنت عدلان) تلك الأميرة الجميلة الحكيمة التي (فعلت كل ما يفعله الملوك الرجال واستمتعت بحياتها حتى أقصى حدود المتعة) فاستحضرت نغمات الطرب وإيقاعات دفوف سنار في أوج عظمتها الشامخة.
والكاتبة تستعين بالتاريخ كما في كاتب الشونة درتشارد هل والطبقات والشيخ محمد بن علي زين العابدين، وتترك للقارئ حرية الاستنتاج من النص التاريخي الذي تقرنه بالحدث الروائي.
وضعت الأستاذة بثينة روايتها هذه في 110 صفحات من القطع المتوسط ولكنها حرصت أن تكون رواية مكثفة السبك، عذبة اللغة، سهلة العبارة، وارفة الدلالات، كما كانت بعيدة عن التفاصيل المملة غير المنتجة والتي في كثير من الأحيان تقود إلى سأم القارئ.
اليوم التالي
-أين يمكن الحصول على نسخة من الرواية..
أقصد بالنسبة للناس الفي الرياض السعودية