أخبار السودان

مياه البحيرة تحاصر مناطق تجاوزها التهجير سد ستيت.. أحياء “ود الحليو” تحت دائرة الخطر

نائب رئيس لجنة المتضررين: نخشى على أنفسنا وأطفالنا من المتغيرات البيئية

مدير الطوارئ بإدارة السدود بموقع سدي نهر عطبرة وستيت: الأمر مجرد مخاوف لا أكثر

عرض: صديق رمضان

لم يستطيع الصغير حسب الله النوم وظل يجهش بالبكاء الممزوج بآهات الألم والأنين، وحالته المريضة جعلت والده النعيم يعجز عن تفسيرها في تلك الليلة التي مرت ساعاتها ثقيلة عليهم. وعندما أشرقت الشمس أسرع بحمل فلذة كبده وتوجه به صوب مستشفى ود الحليو، إلا أنه تقرر تحويل المريض الصغير الى مستشفي مدني التي خضع فيها للعلاج لفترة ليست قصيرة. وهناك شُخِّصت حالة الصغير حسب الله بأن تعرض الى اللسع من حشرة تسببت في إصابة جسده الصغير بالتورم والنزيف.

ومع أن الأمر كان غريباً ومربكاً لبعض الأطباء، ألا أنه لم يكن غريباً على أسرة الصغير حسب الله وبعض مواطني ود الحليو ذلك أن الحشرة التي تسببت في مرض طفلهم تبدو ? بحسب أهل المطقة – جزءًا يسيراً من الإفرازات البيئية الخطيرة لبحيرة سد ستيت التي وصلت مياهها إلى تخوم منازلهم، وتسببت في وفاة وإصابة العشرات من المواطنين جراء الإسهالات المائية.

حقائق ولكن!

حسناً، فقبل الغوص في قضية مواطني ود الحليو الذين لم يشملهم التهجير عقب البدء في ملء بحيرة السد، لابد من الإشارة إلى حديث سابق لمدير مشروع التوطين لسدي عطبرة وستيت، محمد أحمد الشيخ أدلى به لوفد صحفي من ضمنه (الصيحة) زار السد منتصف هذا العام، أكد من خلاله اكتمال عمليات التوطين بنسبة 100%، وأشار في معرض مقارنته بين المناطق قبل وبعد التهجير إلى أن المدارس كان عددها 18 مدرسة أساس جميعها مبنية من القش والآن تم بناء 50 مدرسة بدلاً من تلك.. أما المدارس الثانوية فلم تكن موجودة قبل التهجير، أما الآن فقد أنشئت 24 مدرسة ثانوية.. أما فيما يختص بدور العبادة فكان هناك 6 مساجد بينما أنشئ الآن 25 مسجداً بالإضافة للخلاوى.. أما المراكز الصحية فقد كانت هناك شفخانتان، أما الآن فيوجد 11 مركزا صحياً و3 مستشفيات ريفية، وعن مراكز الشباب فهناك 14 مركزا اجتماعياً و3 نقاط شرطة، وعن تكلفة التوطين فإنها بلغت مليار و900 مليون جنيه، حيث بلغت جملة تكلفة المباني 30 ترليوناً.. بينما بلغت تكلفة الكهرباء 290.904 مليار جنيه، أما كلفة المياه 228 مليار جنيه.. وبلغت منحة المواد التموينية 16 ملياراً، بينما التأثيث 23 مليار جنيه، وبلغت كلفة التعويضات الخاصة 64 ملياراً.

حديث منقوص

كان ذلك فيما يتعلق بالمهجرين، ولكن ماذا عن الذين أكدت دارسات المسح التي أجرتها إدارة السدود قبل البدء في عمليات تشييد سدي نهر عطبرة وستيت عدم تأثر عدد من أحياء مدينة ود الحليو بالبحيرة مستقبلاً وتقرر الإبقاء عليها وعدم تهجيرها.

هنا تأتي الإجابة مباشرة من قبل نائب رئيس لجنة المتأثرين من البحيرة الذين لم يتم تهجيرهم، إسماعيل محمد عمر قائلاً: “حينما بدأ الحصر في العام 2010 بمدينة ود الحليو بواسطة لجان من إدارة السدود توقف عملها فجأة وعند استفسارها اتضح أنها اتخذت قرارًا قضى بالابقاء على عدد من الأحياء بدعوى عدم تأثرها مستقبلاً بالسد والبحيرة، مشيراً في حديثه لـ(الصيحة) الى أن الذين لم يتم حصرهم شعروا مبكرًا بالخطر وسعوا سعيًا حثيثًا لإيصال صوتهم إلى الجهات المسؤولة وطالبوا بترحيلهم من المنطقة خوفاً من أضرار مستقبلية، إلا أنه ـ والحديث لإسماعيل ـ فإن ثلاثة معتمدين تعاقبوا على المحلية منذ البدء في عملية تشييد السد، وحتى الآن فإنهم لم يتفاعلوا مع قضية المواطنين وبدا عليهم الانحياز لجانب إدارة السدود، ويلفت إلى أن ما كان يتخوف منه الذين لم يشملهم التهجير بود الحليو بدأ خطره يطل بوجهه القاتم في العام الماضي، وذلك حينما شرعت إدارة السد في تخزين المياه بالبحيرة، حيث حدث تغيير في البيئة والمناخ وظهرت العديد من الحشرات التي لم تألفها المنطقة من قبل، أبرزها البعوض والذباب وغيرها من الزواحف. ويقول إن المنطقة تضررت كثيراً من التخزين، ويشير إلى أنهم في العام الماضي استشعروا خطورة الأمر بعد أن تم تخزين كميات كبيرة من المياه، وقال إن هذا دفعهم لمقابلة المعتمد السابق الذي لم يتفاعل مع قضيتهم ـ كما يشيرـ ويقول إنه استمع إلى شخصين فقط أكدا عدم رغبة المواطنين في التهجير رغم أن الأغلبية اتفقت وقتها على التهجير وذلك بداعي الأضرار البيئية الكثيرة التي انعكست عليهم سلباً، وقال إن هذا العام بدأ التخزين في البحيرة منتصف يونيو وإن هذا أسهم في اقتراب المياه من الأحياء، وباتت على بعد أمتار قليلة من المنازل مثل حي بقر والسوق، وحي النيلين الذي وصلت المياه إلى مداخل منازل المواطنين، وقال إن خور باعبوس هو المنفذ الوحيد للمدينة به جسر يربط بين القرية عشرة وود الحليو غمرته المياه وربما تفيض خلال أسبوع المياه وتغرق الكبري وتفيض عن سعة الخور.

استشعار الخطر

وقال إسماعيل محمد عمر، إنهم حينما شعروا بالخطر كونوا لجنة للمتأثرين بود الحليو القديمة قابلت المعتمد الحالي في بداية هذا الشهر، ضمت كل رؤساء اللجان الشعبية في الأحياء المتبقية بالإضافة الى عدد من الأساتذة والموظفين، لتقديم مذكرة من أجل الوقوف بجانبهم في مسعاهم لمقابلة والي الولاية آدم جماع، ويلفت إسماعيل الى أنهم وحينما أخبروا المعتمد برغبتهم لمقابلة الوالي سأل عن الصفة التي سيجلسون إليه بها، وأكد المعتمد أن اللجان الشعبية انتهى أجلها، فقال له الوفد إنهم يريدون مقابلة الوالي بصفتهم مواطنين، فكان رد المعتمد ـ كما أشار إسماعيل ـ إن هذا يعتبر تجاوزاً له، ويلفت إلى أنهم لم يهتموا كثيرا لرفضه وتوجهوا نحو كسلا في السادس من شهر أكتوبر الحالي، ألا أنه تم إيقافهم عند مدخل مقر أمانة الحكومة، ورفض المسؤولون إدخالهم لمكتب الوالي. ويقول إسماعيل إن مدير مكتب الوالي حضر لمقابلتهم حينما تجمهروا خارج الأمانة، وبعد أن تعرف على قضيتهم أجرى اتصالاً هاتفياً بالوالي آدم جماع الذي كان طريح فراش المرض في منزله ـ كما يشير إسماعيل ـ إلا أنه أخبر مدير مكتبه إمكانية مقابلتهم للاستماع إلى شكواهم، ويقول إنه التزم بعهده واستمع إليهم وتسلم منهم المذكرة، ووعد بالوقوف بجانبهم وتكوين لجنة فنية لدراسة القضية، كما فعل رئيس المجلس التشريعي محمد طاهر سليمان بيتاي الذي يقول إسماعيل أنه أكد عدالة قضيتهم وتجاوب معهم وأعلن عن اهتمام مجلسه بها، ويؤكد إسماعيل أن إدارة السدود بالمنطقة تدرك جيدًا هذه القضية وتعليقها الدائم عليها أن المياه لن تصل إلى المنازل رغم أن الواقع يؤكد حدوث ما ترفض الإقرار به، وكشف عن وصول لجنة من إدارة السدود في الأيام الماضية لدراسة القضية، إلا أن إسماعيل أبدى أسفه لعدم اهتمام اللجنة حتى يوم أمس بمقابلة المواطنين والاستماع إليهم والوقوف على الأضرار، واتهم المعتمد بالوقوف وراء هذا الأمر.

وأبدى إسماعيل تعجبه من تعامل معتمد المحلية الذي أشار إلى أن كل مواقفه تؤكد أنه ينحاز إلى صف إدارة السدود وغير مهتم بقضية المواطنين.

ويختم إسماعيل حديثه بالإشارة إلى أنهم باتوا يخشون على حياتهم من تخزين المياه بالبحيرة، وقال إن كل ما يطالبون به هو التهجير من ود الحليو التي تم تهجير أربعة آلاف وخمسمائة أسرة منها وتبقت ألف وأربعمائة أسرة، وقال إن المعتمد صرح من قبل أن ثلاثين مواطنا تسببت الإسهالات المائية في وفاتهم، معتبراً أن الآثار البيئية تمثل لهم هاجساً كبيرًا بالإضافة إلى تخوفهم من غرق أطفالهم بالبحيرة التي يؤكد اختلاط مياهها بالصرف الصحي وتسببها في تفشي الإسهالات.

قضية عادلة

وبدورها، أشارت نائبة دائرة ودالحليو بتشريعي ولاية كسلا عمارة حامد سعيد، إلى أن حكومة الولاية تجاوبت مع طرح المواطنين لعدالة قضيتهم، وأشادت النائبة عمارة في حديثها لـ(الصيحة) بتفاعل والي الولاية آدم جماع ورئيس المجلس التشريعي محمد طاهر سليمان مع مذكرة مواطني المنطقة، وتشير إلى أن أصل المشكلة يعود إلى فترة التهجير، حيث قررت إدارة السدود وقتها الابقاء على عدد من الأحياء بود الحليو وعدم تهجيرها بدعوى عدم وصول مياه البحيرة إليها عند غمرها، غير أن النائبة عمارة تؤكد وصول المياه إلى الأحياء المتبقية وتشكيلها لأضرار بيئية خطيرة وكبيرة جعلت المواطنين يجأرون بمر الشكوى ويتخوفون من المستقبل، ولفت إلى أن المنطقة لم تعرف الكثير من الحشرات والزواحف التي بدأت في الانتشار وتسبب أمراضاً وذعراً للمواطنين، كما أن المياه ـ والحديث للنائبة بتشريعي كسلا ـ تحاصر المنازل وتهددها بالانهيار، وقالت إن المواطنين ظلوا يدفعون بالشكاوى طوال الفترة الماضية ولم يجدوا استجابة من المعتمدين والولاة المتعاقبين، إلا أنها استثنت الوالي الحالي لولاية كسلا، كاشفة عن وصول لجنة فنية من إدارة السدود لدراسة الواقع بالمنطقة، وقالت إن دراسة السدود السابقة التي أكدت عدم تأثر المنطقة بملء البحيرة يناقضها الواقع، وأشارت إلى أن الحل يكمن في تهجير المواطنين إلى منطقة أخرى وذلك تحاشياً للأضرار البيئية.

أوضحت النائبة البرلمانية أن المواطنين بود الحليو وللمفارقة فإنهم يطالبون بمغادرة موطن أجدادهم ليس تركاً لأرض احتضنتهم لقرون من الزمان، ولكن خوفاً من خطر بات يطرق أبوابهم ويتسلل إلى منازلهم ومدينتهم دون استئذان، وهو ذلك المتمثل في مياه البحيرة والحشرات والزواحف والآثار البيئية، وعندما يطالب إنسان بتهجيره من منطقته، هذا يعني أنه يدرك جيداً أن هناك خطراً حقيقياً يهدد بقاءه وحياته.

مخاوف فقط

إدارة السدود من جانبها أرسلت لجنة لدراسة الواقع بود الحليو عقب مطالبات المواطنين بترحيلهم بعد بدء عمليات ملء بحيرة السد في منتصف يونيو الماضي. وأنهت اللجنة تقصيها على أرض الواقع، ولم تكشف فحوى تقريرها، إلا أن مدير الطوارئ بإدارة السدود بموقع سدي نهر عطبرة وستيت محمد الحسن طالب (الصيحة) بزيارة الموقع خلال الأيام القادمة للوقوف على الواقع، وقال إنه ليس المسؤول المباشر الذي يحق له التصريح وأنه يتولى جزءاً محدداً من التوطين، وأشار إلى أن الدراسات التي تم أجراؤها وقياسًا على خطوط الكنتور فقد تقرر وقتها إزالة كل الأحياء والمنازل التي يتوقع أن تتأثر وأنه بالفعل تم تهجيرها بعد توفير المواقع البديلة، ويلفت إلى أن ما تبقى من السكان بود الحليو الذين لم يتم تهجيرهم ارتفعت أصواتهم عقب رؤية البحيرة بالقرب منهم، وكان هذا سبباً في إثارة مخاوفهم، معتبراً الأمر مجرد مخاوف لا أكثر، ويؤكد أن إدارة السدود بالموقع ظلت تطوف على قرى التهجير وودالحليو منذ أن بدأت البحيرة في الارتفاع.

الصيحة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..