التشكيلية المصرية هبة خليفة: الجسد بيت كل إنسان

القاهرة ? إسلام أنور: تأخذنا الفنانة التشكيلية والمصورة الفوتوغرافية المصرية، هبة خليفة، في مشروعها «صُنع في البيت»، الحاصل على منحة آفاق ومؤسسة «ماغنوم»، في رحلة داخل أجسادنا. هذه المساحة المحاصرة بالهواجس والخوف والقلق، شيء نملكه، ولا نعرفه، نشعر بألمه وأسئلته وأحلامه وتقرحاته، لكننا لا نقوى على مواجهته وتضميد جراحه.
بجراءة فنانة متمردة ومهارة جراحة ماهرة تفتح خليفة هذه الجراح وتضعنا أمام العديد الأسئلة والصور والحكايات المسكوت عنها، فتبدأ مشروعها بمقطع من قصيدة نثرية لشقيقتها الشاعرة غادة خليفة تقول فيه «يا دمية البلاستيك الجميلة أنا أحسدك، كم هي صافية بشرتك ومشدودة دائماً، جسدك لا يصاب بالترهلات والهالات السوداء لا تعرف الطريق إلى عينيك. أنت أجمل مني ومن أمي ومن أختي ومن نساء شارعنا كلهن. أريد أن أتبادل الأماكن معك، خذي جسدي المترهل وامنحيني جمال البلاستيك الناعم».
البوح والتحرر
استمر العمل على المشروع لعامين، تم خلالهما عقد جلسات تصوير مع عشرات الفتيات، في غرفة صغيرة لا تتعدى مساحتها عشرة أمتار، داخل منزل خلفية. لكن خلال هذه الفترة العـديد من الفتـيات تراجعن، وطالبن بعدم نشر صـورهن خـوفاً مـن تداعيـتها المجتـمعية.
حول ذلك، تقول هبة «أنا صورت كثيراً جداً، وهناك بنات كان متحمسات للمشروع، لكن بعد فترة طلبن عدم نشر صورهن، أقدّر اعتذارهن وعدم مقدرتهن على المواصلة في المشروع، الأخير يتكلم عن علاقة الإنسان بجسمه وروحه وعائلته، ولكن في النهاية العديد من المشتركات ظللن متحمسات للمشروع وقادرات على مواجهة التداعيات المجتمعية».
هذا المشروع ، وفق خليفة، «تم إنجازه بفضل وجود نساء شجاعات قادرات على التعبير عن مشاعرهن، وكذلك تجاوزها، أعرف أن عرض الصور أثار عاصفة من المشاعر المتضاربة من الخوف والخجل، وهذا طبيعي، أنا فخورة بهؤلاء النساء وفخورة إني اشتغلت معهن».
فخ الكليشيهات
أكثر ما كانت تخشاه هبة، السقوط في فخ الكليشيهات والصور النمطية عن المرأة ومعانتها، وكذلك، تحول المشروع إلى مرثية مبتذلة أو صراخ نسوي هستيري بصورة ركيكة.
خافت خليفة أيضاً، الوقوع في بئر تسليع جسد المرأة وترويج صورة براقة ولامعة مشابهة للصورة الإعلانية التي تتعامل مع المرأة كقطعة لحم.
لكن، استخدام الكولاج حلول متنوعة لتجاوز هذه الفخاخ من خلال المزج بين الفوتوغـرافيا والفن التشكيلي بالإضافة لمقطع سردي مكتوب بعـناية ودقـة لـيعبر عـن حكـاية كل صـورة.
اعتمدت خليفة في الحكايات المتنوعة للفتيات والنساء على زي موحد يتكون من «الكارينا». الأخير، عبارة عن ملابس مصنوعة من مادة مطاطية رديئة، ترتديهـا معظـم النسـاء في مـصر تحت ملابسهن لإخفاء تفاصيل أجسادهن.
هذه النوعية من الملابس تشعر النساء أنهن في سجن حقيقي، لذلك كانت الاختيار الأنسب والأكثر رمزية، وتعبير عن علاقتنا بأجسادنا، حسب خليفة.
وتفسّر الفنانة، سبب اختيارها «صُنع في البيت» عنواناً لمشروعها، بالقول: «للأسف البيوت في مجتمعاتنا العربية، أماكن للوصاية على الشباب، لا يوجد هامش حرية للتجربة والخطأ وللتعلم والاكتشاف. أنا لو كنت في بيت أمي، سيمنعني ذلك من الاشتغال على هذا المشروع».
وتتابع: «أعيش في شقة مستقلة، واخترت حجرة فيها مكاناً للتصوير، عنوان المشروع ظهر من هنا، من فكرة أنه صنع في بيتي، وبخـامات ومساعدات وأدوات من منازل المشتركـات، بالإضافة للنقطة الأهم وهي أن كل المخاوف التي نعاني مـنها، معـظمها صنـع في بيوتنا، وتسبب فيه أهلنـا. العـنوان فيه رمـزية لفـكرة كون الجسد في حد ذاته بيت كل إنسان».
بداية جديدة
هدف المشروع الرئيسي، وفق خليفة، «فتح الأبواب المغلقة والغرف المظلمة بداخلنا، ومواجهة هواجسنا، بالحكي والرسم والتصوير، ومحاولة البحث عن بداية جديدة لحياتنا نعيد فيها ترميم كل الأشياء التي تم تشويهها في داخلنا».
وتضيف: «دون حكاية القصص ومواجهة مخاوفنا، الألم يصعب تجاوزه، المشروع تجربة فارقة في حياتي، ومساحة الحكي والبوح مع المشاركات خلقت تيارا من المشاعر وأعطت المشروع روحاً، وجعلته أقرب لتجربة الاستشفاء والعلاج بالحكي والتصوير والفنون بشكل عام».
إحدى المشاركات في المشروع، وتدعى، مي زيادي، قالت أن ما دفعها للمشاركة إيمانها أن «حكي الوجع هو بداية الطريق لأن نتخلص منه، ومن هنا تظهر قيمة وعظمة الفن وقدرته على تغيير حياة البشر، الفن يفتح أرواحنا ويجعلنا نرى الناس بصورة أقرب وأجمل وأنبل، عشان كده لم أتردد في المشاركة».
وتضيف «التجربة بالنسبة لي مختلفة ورائعة، خصوصاً فكرة التعبير من خلال الصورة، أستطعت أن أبوح بحكايات كثيرة، وأفكار وهواجس كانت في داخلي».
تجربة مي منحتها، كما تؤكد «إحساس الراحة والتخفف من الألم عن طريق مواجهة المخاوف وعرضها والكشف عنها. فالحكي الصادق ومواجهة هواجسنا ومخاوفنا هو بداية التخفف من الألم، وبداية التحرر من كل ما تثقل الروح والعقل والقلب».
القدس العربي