بلدو: ولوج النساء لعالم الغناء في السودان ماهو إلا نفسيات.. مصعب الصاوي: عندما نتحدث عن غزو كأنما نتحدث عن روافد دخيلة من خارج الوسط

لغزو النسائي المرعب لمجال الغناء – لماذا ؟ الحلقة الثانية والأخيرة

إعداد : نوح السراج

السر السيد: أي تحوُّل إيجابي في الحياة الاجتماعية والثقافية في السودان سيطيح بهن

أحمد الصاوي: نحلم ألا نكون من الموتورين بكارثة الغزو النسائي المرعب في مجال الغناء

د. أسماء جمعة: هناك الكثير من المغنيات دخلن المجال على حساب التعليم

من المفارقات الغريبة والعجيبة في دنيا الغناء السوداني نجد أن عدد البنات اللاتي يلجن مجال الغناء في تزايد مستمر منذ منتصف التسعينات وحتى الآن، حيث لم يعد من السهل حصرهن، لأن مع إشراقة صباح كل يوم جديد تطل علينا دفعة جديدة من الفنانات (والساقية لسه مدورة)، أما إذا عدنا إلى الوراء منذ أربعينات القرن الماضي وحتى أواخر الثمانينات نجد أن عدد الفنانات لم يزد عن الـ (20) فنانة، بما فيهن الرائدات، اجتياح الصوت النسائي للساحة الفنية بهذه الغزارة شكَّل ظاهرة لا بد من الوقوف عندها ونتساءل هل تغيَّرت نظرة المجتمع للمغنية والفن فاقتحمت الفتاة المجال ؟ أم أن للوضع الاقتصادي أثر مباشر في ذلك ؟ أم تحلل المجتمع وغضت الأسر الطرف عن ممارسة الفتاة لأي نشاط طالما صارت تشكِّل مصدر دخل في ظل الظروف الاقتصادية الخانقة ؟ أم أن تعدد القنوات الفضائية والإذاعات وغياب اللجان الصارمة كانت من أسباب هذا الغزو المرعب ؟ السؤال الآن لماذا اتجهن البنات ناحية الغناء بهذه الكثافة لدرجة أصبحن فيها بلا عدد ؟.

المختصون أصحاب التجارب في هذا المجال لهم رأي في هذه الظاهرة، سؤال يبتدر الإجابة عليه الناقد المسرحي والدرامي والفني السر السيد.

الناقد الدرامي والمسرحي والفني السر السيد : –

ظاهرة الانتشار الواسع للنساء المغنيات ظاهرة جديرة بالتأمل والبحث.. من وجهة نظري تقف خلفها أسباب كثيرة سأركز على أهمها في هذه العجالة .. السبب الأول يتصل باتساع حركة حضور النساء في الشأن العام بسبب انتشار الثقافة التي تدعو إلى حقوق النساء وهي ثقافة انتظمت منذ مطلع الخمسينات بفعل عدد من الجمعيات النسوية والتي في مقدمتها الاتحاد النسائي السوداني، ومن ثمارها انتشار تعليم البنات وانتشار عمل النساء خارج البيت، وهو ما يعني زيادة في الوعي وقدراً من الاستقلال الاقتصادي، واستناداً على هذين الحقين وجدت الظاهرة التي نناقشها بعضاً من شرطها الموضوعي. . السبب الثاني يتمثل في الأسباب الاقتصادية وفي نفس الوقت الفنية، وأعني هنا أن الفن عموماً والغناء بصفة خاصة أصبح مصدراً من مصادر الدخل التي يعوِّل عليها، بل أصبح مصدراً للثراء ووسيلة للانتقال من وضع لوضع، ومع ازدياد حدة الفقر واتساع دائرة العطالة والتحولات التي طالت الفنون إضافة للتحولات المجتمعية التي تراجعت فيها الكثير من التقاليد التي تنظر بريبة للغناء المؤسسي خاصة غناء البنات – انفتح الباب واسعاً للمغنيات النساء وهو أمر -أيضاً- يرتبط بالتغيُّرات التي طالت تقسيم الأدوار في المجتمع، فقد أصبحت المرأة مساهماً أساسياً في دخل الأسرة .. السبب الثالث وهو على صلة وشيجة بالسببين السابقين، فالفقر وما نشهد من تراجع كبير على الأصعدة كافة والضعف الذي أصاب الفنون خاصة الغناء وانعدام المتابعة والرعاية والتدريب في الفنون والذي يتصل بمحاصرة الإبداع الذي نعيشه الآن بدعوى التحريم أو بدعوى عدم الأهمية والجدوى.. كل هذا وغيره أتاح قدراً من استباحة ساحة الغناء فظهر هذا الكم الكبير من المغنيات، وبسبب من انعدام الرؤية في إدارة الغناء خاصة في أجهزتنا الإعلامية اختلط الحابل بالنابل، وضاقت المسافة بين من كان ثقلها تعليم العروس وبين من تنتمي للغناء الاحترافي.. أقصد هنا أن الغناء فن وعلم وموهبة، وهنا لا أقلل من مغنيات الأعراس، ولكن أشير إلى أهمية المعايير.. أصل إلى أن أكثرية المغنيات يدخلن ضمن سياق الانحطاط الثقافي الذي نعيشه، وأي تحوُّل إيجابي في الحياة الاجتماعية والثقافية في السودان سيطيح بهن .. خلاصة القول إن هذه الظاهرة لا يتحقق تملكها معرفياً بالنظر إليها من خلال حقل الغناء، وإنما بالنظر إليها في تشابكها مع الاقتصاد والسياسة والأخلاق والحقوق. من جانب آخر النظر إليها كذلك من خلال ظاهرة انتشار المغنين الرجال، فهي تلتقي معها في الكثير مما ذهبنا إليه .

المطرب عثمان مصطفى

المطرب عثمان مصطفى تطرق في هذا الموضوع لجوانب متعددة، انتقد ولوج البنات لمجال الغناء بهذه الكثافة، وعزا ذلك لبعض الأسباب، كما تطرق إلى مسألة سفر الفنانات إلى الخارج اللاتي عملن على تشويه صورة الغناء السوداني، وختم حديثه برسالة إلى اتحاد المهن الموسيقية في إجابته على السؤال: (هي ظاهرة بالتأكيد غير حميدة، السبب الرئيس فيها برنامجي (أغاني وأغاني) و(نجوم الغد) فمعظم الفنانات الشابات تخرجن من هذين البرنامجين، تركن دراستهن الجامعية أو الثانوية وتفرغن للفن من أجل الكسب المادي والثراء السريع، دخلن مجال الغناء دون معرفة ودراية بقواعد وأسس الغناء، ودون أن يتلقين دراسات في الموسيقى، وذلك لأن الغناء يعد بالنسبة لهن تجارة لا أكثر ولا أقل، وليس رسالة سامية يستطعن أن يحملنها كما حملنها الرائدات في السابق، أضف إلى ذلك غياب اللجان الصارمة التي تحدد الصالح من الطالح، أضف إلى ذلك أن رحيل الفنانين الكبار وتوقف البعض الآخر من الغناء ساعد أيضاً في ظهور هؤلاء الفنانات اللاتي وجدن الساحة خالية، فانتشرن في المساحات الشاسعة بهذه الكثافة، يتغنين بجهد وتعب الآخرين ليس بجهدهن، ولذلك لم يضفن أي جديد لمسيرة الغناء، وبالتالي لم يستطعن تكوين شخصيات فنية مستقلة خاصة بهن مثل ما فعلت الرائدات، ولذلك كان دخولهن الوسط الغنائي عالة على الوسط، وساهمن بقدر كبير في تشويه صورة الغناء السوداني الجميل التي رسمها الرواد بدقة وعناية وتفانٍ وإخلاص، ضحوا من أجل ترسيخ مفاهيم جديدة ارتقت بالفنانين والفنانات، وجعلت منهم رموزاً في المجتمع لهم كلمة في القضايا الاجتماعية والسياسية والفنية، كما لعب الفن دوراً كبيراً في تشكيل وجدان الشعب السوداني بالكلمات التي تدعوا إلى مكارم الأخلاق والحفاظ على القيم والموروثات السودانية الأصيلة، هذا فضلاً عن الارتقاء بالذوق العام، ولذلك من هذا المنطلق وعبر هذه الصحيفة أطالب اتحاد المهن الموسيقية تفعيل لائحة الاتحاد الخاصة بضبط سفر الفنانين والفنانات إلى الخارج من أجل الغناء، إضافة لذلك مخاطبة السفارات في الخارج بعدم استقبال أي فنانة إلا بعد منحها تصريح من الاتحاد، وذلك حفاظاً على سمعة الغناء السوداني، وبعد كل هذا وإحقاقاً للحق هذا لا يمنع أن أشير لبعض الفنانات اللاتي أثبتن وجودهن مثل: مكارم بشير ? لكن في تقديري فقد أصابها بعض الغرور بعد (الهيلمانة) الكبيرة التي دارت حولها، ونستثنى كذلك الفنانة نسرين الهندي والفنانة إنصاف فتحي، ويكفي أن الأستاذ الهندي عز الدين أطلق عليها لقب (الأميرة )، أما الفنانة فهيمة فلها قدرة عالية في التطريب وينتظرها مستقبل باهر في دنيا الغناء.

الباحث في التراث الأستاذ مصعب الصاوي

الباحث الأستاذ مصعب الصاوي كان له رأي في كلمة غزو التي أطلقتها عنواناً لهذا التحقيق، ورغم أنني مقتنع تماماً بهذه الكلمة ألا أنني احترم وجهة نظره، لكنه اتفق معي في الكثير من الجوانب الأخرى المتعلقة بهذا التحقيق قال:

دعني أخي نوح أجرى بعض التعديلات على سؤالك، في الواقع أن ماحدث نسميه ظاهرة تنامي حضور الأصوات النسائية في المشهد الغنائي السوداني، وعندما نتحدث عن غزو كأنما نتحدث عن روافد دخيلة من خارج الوسط، والواقع التاريخي لتطور مسارات الأغنية السودانية على تعاقب الأجيال يؤكد أنها ظلت جزءاً أصيلاً يسهم في تشكيل المشهد الفني السوداني، ودونك أخي نوح سيرة الرائدات من لدن فاطمة خميس، أول امرأة تسجل أسطوانة غنائية في عصر الحقيبة، مروراً بعائشة الفلاتية وفاطمة الحاج ومنى الخير وحواء الطقطاقة وأماني مراد، ثم الثنائيات النسائية ثناني النغم ? الثنائي الطروب ? حتى عهد البلابل وسمية حسن ? حنان النيل ? إلهام الشرق)، ما أريد أن أضيفه لسؤالك هو ما حدث من ردة وتدهور في مشاركة المرأة نفسها، زاد العدد وقلت الإضافة الفنية، وأسميه بالردة، لأن الفنانات الرائدات أوصلن الغناء إلى مستوى راقٍ ومتطور بمشاركة ملحنين كبار أمثال: عبد الرحمن الريح والشيخ عبد الحميد يوسف وعلاء الدين حمزة وأحمد زاهر وخليل أحمد إلى مرافئ عليا من الإبداع، ليرتد هذا الإبداع في عصرنا الحالي إلى عصر الدلوكة ومكانها الطبيعي بيوت الأفراح وجلسات النساء الخاصة بهن، أنا أقصد أن هذه الردة مصدرها سياسي اجتماعي، سياسي بمعنى أن هذا النظام ظل ينظر إلى الفنون الأصيلة بإهمال واستخفاف وساهم في تدمير المعايير التي تحدد من هو الفنان، وصار الباب مفتوحاً للمتسللين وضعاف المواهب وإعلاء شأن الماديات على حساب المحتوى الفني، للأسف صار هدف الفنانات أو المطربات جمع الأموال والاهتمام بالمظهر والشكل على حساب الأداء الفني، وساهمت أجهزة الإعلام أيضاً في تصعيد وتلميع مثل هذه النماذج.

الصحفي والناقد الفني أحمد الصاوي في صحيفة (ألوان)

الأستاذ الصحفي أحمد الصاوي ر بما اتفق مع شقيقه الأستاذ مصعب الصاوي، فاعترض أيضاً على كلمة غزو، لكنه حلل الموضوع بطريقته، حيث ذهب بنا في جوانب أخرى ربما لم تخطر على بالنا في هذا التحقيق، فهو من الصحفيين الذين يتمتعون بخيال واسع ينظر للموضوعات أحياناً بعين غير التي ننظر بها، وكثيراً ما تأتي آرائه صريحة وواضحة وجريئة لنرى ماذا قال:

قد تبدو أسباب غزو (البنات) لمجال الغناء شبه طبيعية بحكم عوامل كثيرة منها: النفسية لتفشي ظاهرة العنوسة والطلاق، وربما لزيادة عدد الإناث مقارنة بالذكور، وما يتطلب من زيادة في دخل بعض الأسر، يشكل بعض أفرادها مشاركة (بالطول والعرض) في مجال الغزو لمجال الغناء أياً كان نوعه هابطاً أو راقياً.. المشكلة قد تهون إذا اقتصر غزو النساء لمجال الغناء، إذا ما استصحبتها مشاركة (الأولاد) الشباب في غزو ذات المجال بمكبرات الصوت.. عفواً نوح السراج لنقف برهة عند كلمة (غزو مرعب) كأني بك تعني غزو فكري يستهدف الفكر والقيم الإنسانية ? تحديداً الرعب لا يتربط بالغناء، ولكن الإشكالية في رعبه من وجهة نظري أسماء تندرج تحت طائلة مطربة مزعجة من مطربات (الصبحيات)، وغالباً ما تكون بمصاحبة آلة الأورغن ? والرعب هنا يأتي مثنى، صوت المغنية وصوت آلة الأورغن في حالة الغناء ما بعد العاشرة مساءً، الرعب أيضاً يأتي من دلالة هدوء الليل ومن دلالة الآية الكريمة (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا) الرعب لا يمنح إلا القلق والتوتر والخوف ? أنا لست بواعظ أو دارس لعلم النفس، ولكن في سورة (النبأ) درس لمسألة الرعب بمعنى أن الليالي والسهر والإزعاج الذي يسببه الغزو النسائي من رعب في مجال الغناء ? الدرس في السورة الكريمة المعنية (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا) أن النوم يغشى الناس خصوصاً كبار السن والمرضى لتتقطع حركاتهم الضارة وتحصل راحتهم النافعة ? والرعب في غزو النساء في مجال الغناء إنما يعني أيضاً عدم الهدوء والسكون. الغناء المرعب إنما يتنامى لدى مطربات (الزّنق) لضاحلة في معرفتهن بدور الفن كرسالة تربوية ضلت طريقها إلى وسائط مشاهدة درجت للترويج للقبح، وجعلت ثقافاتنا السمعية هي الأشبه بالعديمة الهوية ? نحلم ألا نكون من الموتورين بكارثة الغزو النسائي المرعب في مجال الغناء.

دكتورة أسماء جمعة اختصاصية اجتماعية – جامعة النيلين

دكتورة أسماء جمعة تناولت الموضوع بصورة أكثر علمية حسب تخصصها في علم الاجتماع قالت:

دخول المرأة إلى عالم الغناء يعود لانفتاح جزء من المجتمع السوداني الذي أصبح يتقبل مشاركة المرأة في كافة مناحي الحياة بدون تحفظ، هذا الانفتاح دعمته الظروف الاقتصادية، فكثير من المجالات لولا أن لها عائد اقتصادي لما تقبلها المجتمع بهذه السهولة، بدليل أنه في زمن سابق تقبل ارتياد المرأة للفن، ولكن في حدود، أما بسبب دور الأسرة الاستثنائي أو بسبب الخلفية الفنية للوالد. السبب الثاني أصبح الفن من أقصر السبل وأسهلها لجمع المال في ظل الضغوط المعيشية الطاحنة وعدم وجود مهن ووظائف تغطي متطلبات الحياة، ولذلك كل من وجد في نفسه الكفاءة ليصبح مغنياً لا يتردد وأهله لا يرفضون، وهذا أثَّر على الشباب لدرجة أن أصبح يؤثر على الذين ارتادوا هذا المجال خاصة البنات اللاتي دخلن مجال الفن قبل إكمال الدراسة. بصفة عامة دخول البنات إلى عالم الفن في سن مبكرة ليس في مصلحتهن، ويحتاج المجتمع إلى الوقوف كثيراً قبل أن يساعدهن في دخول عالم الفن قبل إكمال دراستهن أو ارتياده بصورة علمية وتحت رعاية خبراء ومتخصصين، فحسب علمي هناك الكثير من المغنيات دخلن المجال على حساب التعليم، مما يؤثر ذلك على صمودهن في الساحة الفنية، فيذهبن إلى المجالات الأخرى كالبزنس وهو مجال أيضاً يحتاج إلى صلابة. الفن هو ليس الطريق الوحيد للحصول على المال، وهو طريق شاق وخطر على النساء أن لم يدخلنه بثبات، فهو في الغالب الأعم موهبة كان يمكن أن تصاحب العمل الأساسي للفنان، فأغلب فناني الزمن الجميل كان لهم مهن أخرى غير الغناء.

بروفيسور علي بلدو يشخِّص الظاهرة ويدلي بدلوه من الناحية العلمية والسايكولوجية

من ناحيته اعتبر البروفيسور علي بلدو استشاري الطب النفسي والعصبي وأستاذ الصحة النفسية أن كثافة ولوج المرأة السودانية لعالم الغناء بهذه الكثافة يرتبط أساساً بالذهنية السودانية، التي تتقبل هذا النوع من النشاط الفني، على اعتبار ارتباط الغناء تاريخياً بالجواري والنساء عموماً، وهذا يساعد في تخفيف الضغط والانتقاد على أداء المرأة الفني، وبالتالي التخلص من الكثير من القيود والضغوط النفسية أثناء الأداء الغنائي والحركي، وهذا يتوافق مع الذهنية السودانية وتراتيبية المجتمع السوداني والذي يساعد عما إذا كان المغني ذكراً، وبما أن الضغوط الحياتية الكثيفة التي تعيشها المرأة السودانية من حيث تأخر سن الزواج والمشاكل الزوجية والمشاحنات الأسرية والعائلية جنباً إلى جنب مع الشعور بعدم الارتياح وسنوات وتراكمات من القهر والكبت ضد المرأة وعدم تمتعها بحقوقها كاملة والنظرة الدونية لها أحياناً في باقي مجالات الحياة جعل باب الغناء نوعاً من أنواع العلاج النفسي وباباً للتنفيس عن الشعور بالقلق والاكتئاب والخوف من المستقبل ومحاولة إثبات الذات، وكذلك الحصول على مصدر دخل بصورة منفصلة تمكنها من الاستقلالية وعدم الاعتماد على الرجال، وكذلك اكتساب الشهرة والذي يساعد فيه أيضاً وجود عدد كبير جداً من المغنيات ذوات الشخصيات النرجسية لديهن حب الذات وحب الظهور والإطراء وما شابه، وهذا فاقم من الظاهرة، وجعلها متنفساً واسعاً للعديد من فتيات السودان، ومن هذا المنطلق وبهذه النظرة يمكن اعتبار الظاهرة نوعاً من أنواع إبداعات المرأة السودانية في التداوي ومحاولة إثبات الذات، وكذلك التماشي مع الأوضاع المجتمعية واستقلال هذا الشعور العام والمزاج العام المترسب في العقل الجمعي ومتسربل في كافة مناحي الحياة في السودان، وهذا في حد ذاته يجعلنا نقول وبالفم المليان إن تزايد ولوج النساء لعالم الغناء في السودان ما هو إلا نفسيات ليس إلا .

من المحرر

أخيراً وبعد أن أصبحت هذه الظاهرة واقعاً لا مفر منها أقول للفنانات الشابات اللاتي انتشرن في الساحة وبالفم المليان إن الرائدات في فن الغناء ساهمن في الارتقاء بالذوق العام وساهمن في الكثير من القضايا التي تخص المجتمع وتفيد وتسعد الإنسان السوداني، كذلك ساهمن في بناء المستشفيات والمداس ودور الرياضة ولا ننسى دور الفنانين والفنانات في الحملة الشهيرة لمحاربة العطش في غرب السودان إبان حكم الرئيس الراحل نميري، وكان لرائدات الزمن الجميل دور كبير في كل هذه الاسهامات جنباً إلى جنب مع الفنانين، هذا فضلاً عن اتخاذهن الفن رسالة سامية تدعو للخير والمحبة، ولعبن دوراً كبيراً في الحفاظ على القيم السودانية النبيلة، فغنين للوطن أحلى النشيد وأجمل الأغنيات التي ما تزال تمشي بيننا بعزة وشموخ، بل وذهبن إلى ميادين القتال ووقفن جنباً إلى جنب مع الجنود البواسل يلهبن من حماسهن بأغاني الحماسة، وشددنا من أزرهم وكانت نتيجة لذلك أن أصيبت منهن من أصيبت، وتحملن كل ذلك العناء تضحية في سبيل الوطن وفي سبيل إرساء قيم الفن النبيلة وإظهار صورة الفنانة في أبهى صورة، فعشقن الفن وحملن رسالته بتجرد ونكران ذات، واستفدن من تجارب من سبقوهم في دنيا الغناء، وصنعن لأنفسهم اسم ومعنى، وبنفس قدر اهتمامهن بفنهن كنا يهتممن بمظهرهن، لكن في حدود الحشمة والذوق السوداني والأدب، وكان ذلك في حد ذاته رسالة لشابات ذلك الزمن الجميل، ولذلك وجدن الاحترام والتقدير من كل فئات المجتمع، ولا زالت ذكراهن العطرة راسخة في وجدان الشعب السوداني، هذا هو حصاد رائدات الأمس من الفنانات، فماذا فعلن فنانات اليوم غير الاهتمام بالمظهر الزائد نتيجة لتأثرهن بما يقدم في الفضائيات والتقليد الأعمى لفنانات خارج الحدود ؟ هذا إلى جانب المبالغة في استخدام مساحيق التجميل لإخفاء ملامح وجوههن الحقيقية والجري خلف الشهرة وجمع المال بطرق غير مشروعة بعد أن سرقن جهد الآخرين وتغنين بأغنياتهم وتكسبن من ورائها، فأضفن إلى أرصدتهن في البنوك الملايين من الجنيهات بلا حياء أو خجل. أتمنى أن تتخد مغنيات اليوم من تجارب رائدات الأمس الدروس والعبر.

التيار

تعليق واحد

  1. ينصر دينك يا السر السيد. أنت الوحيد المحايد. العائد المادي من الفنون دليل على تقييم الناس للفن كما أن الإبداع لا يتعارض مع التعليم بل يجب أن تدرس الموسيقى في مراحل الدراسة الأولية وتوضع معاييير لإجازة الفنانين وسفرهم تشمل الجنسين وليس النساء فقط. ما يحدث من تدهور الآن جزء من المشروع الإسلامي الذي حارب التعليم والأدب والعمل والفطرة الإنسانية.

  2. والله حكاية غريبة … هو اصلاً الغناء والرقص للبنات ما للرجال بس قلنا مافي مشكلة ونكمل بعض وكلنا عندنا نفسيات وفي الغناء علاج وفوائد اخرى … بس كده زودو المحن محنة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..