أيها الانفصاليون الجنوبيون: لماذا تحملون لنا كل هذه الكراهية؟

أيها الانفصاليون الجنوبيون: لماذا تحملون لنا كل هذه الكراهية؟
بروفيسر/ نبيل حامد حسن بشير
[email][email protected][/email] جامعة الجزيرة
5 نوفمبر 2010
الشعب السوداني بصفة عامة من أكثر الشعوب تفردا و تأدبا ويحمل المودة والحب للجميع. لا يفرق بين شخص وآخر على حسب لونه أو دينه أو ثقافته. هذا رأى ( الآخرين) فينا.
نحن نتعامل مع الجميع بكل الحب والمودة والثقة ماداموا يتعاملون معنا بنفس الفهم والمستوى ولا نحمل ضغينة أو كره لأحد ما لم يبادر هو بذلك. يحدث هذا داخل وخارج السودان و من السودانيين بصفة عامة سواء أن كانوا من الشمال أو الجنوب ، الشرق أو الغرب. نحن شعب مسالم ، لا نبادر الناس بالعداء ولا ننظر لهم كفريسة نحاول التهام ما بجيوبها أو استغلالها استغلالا سيئا كما هي (العادة) في دول الجوار دون استثناء. نحن نصادق الجميع ونبادر بالصداقة وأيادينا وبيوتنا مفتوحة للجميع. هذه الصفات ، دون فخر، لا توجد في الشعوب الأخرى بما في ذلك العرب والأفارقة. فهي خصائص سودانية بحته و حصرية بلغة القنوات الفضائية. فنحن (ولا فخر) فاكهة المجتمعات ورياحينها لصفاء نفوسنا وطبيعتنا الاجتماعية وبساطتنا وفهمنا لما حولنا ووعينا المتفرد بين الآخرين.
من أين اكتسبنا كل تلك الصفات؟
أعتقد أننا راضعناها من أثداء أمهاتنا الطاهرات النقيات ومن بيئتنا السودانية البسيطة الشفافة ونيلنا ومياهنا وتربيتنا على أيدي أباء يتميزون بالرجولة الحقة و يعرفون جيدا ما خلقوا من أجله ، همهم الآخرة ، ويعلمون أن الدنيا معبر، فهي (أي الدنيا) ليست كل همهم. أعتقد أن هذا ينطبق على كل أجزاء السودان الجغرافية والثقافات المتنوعة ذات المنبع الواحد الضارب في القدم والمؤسس للحضارة الإنسانية و لمكارم الأخلاق والموحد لنا كأمة متعددة الثقافات والأعراق والأديان والمعتقدات، و النتيجة أنها أمة قامت على أخلاق وأعراف وتقاليد تقريبا متطابقة.
كنا بالولايات المتحدة في الفترة من 1977 حتى 1982 م لنيل درجة الدكتوراه. تركز تواجد المبعوثين السودانيين بولايات بعينها منها أريزونا وكاليفورنيا (ريفر سايد وديفيز)، أوريجون، واشنطون (سياتل)، ويسكونسن، انديانا (بيردو)، فلوريدا، كنساس (منهاتن) ، وكلورادو. كما كانت توجد أعداد محدودة بالاباما وجورجيا ونبراسكا وتينيسى ونيوميكسيكو وتكساس(ايه أند ام). كنا حوالي 20 من المبعوثين بمدينة (توسن) بأريزونا والبعض منا كان مصحوبا بأسرته ( المجموع: 30-35 شخصا). كانت المجموعة متناغمة متحابة متعاونة لا نفترق إلا عند المحاضرات أو الفترات العملية. نكون معا أغلب الوقت (بعد المذاكرة طبعا) بما في ذلك داخل المكتبة أو الكافيتريات المتعددة والمتنوعة بالجامعة تنوع الثقافات الأميريكية. تقابلنا وتصادقنا وتآخينا خلال تلك الفترة مع مبعوثين من عدة دول منها نيجيريا وغانا وكينيا و يوغندا وجنوب إفريقيا واثيوبيا والصومال ومصر والجزائر والمملكة العربية السعودية واليمن والبحرين والأمارات والكويت والعراق. أما نحن السودانيين فكنا نمثل تقريبا كل أقاليم السودان ونمثل عدد كبير من المصالح والمؤسسات والجامعات السودانية. أثناء اليوم الدراسي نتقابل مرتين بالكافتيريا: الأولى لتناول وجبة الغداء عند منتصف النهار حتى الواحدة ظهرا، والثانية فترة تناول القهوة أو الشاي أو وجبة خفيفة عند الثالثة حتى الثالثة والنصف. كالعادة يجلس الجميع حول مجموعة من الترابيزات (المناضد) نجمعها معا ونجلس حولها في دائرة تلمنا جميعا لتبادل الحديث وأخبار البلد وما جاء من أخبار في الخطابات أو المحادثات التليفونية مع الأهل (كانت نادرة جدا لأسعارها الغالية)..الخ. المهم في هذا هو أننا كسودانيين يتجمع الجميع (أعلاه) معنا في مجلسنا هذا. كل أبناء شرق وغرب أفريقيا وكل الدول العربية المتواجدون بالكافتيريا، كما ينضم أحيانا الينا الزنوج الأميريكان وبعض الأصدقاء من الأميريكان البيض وكذلك الذين
ينتمون لأصل مكسيكي. إذا المكان الذي يتجمع فيه الطلاب السودانيين يصبح مكان لتجمع بقية الأجناس ونصبح كالأمم المتحدة حتى تنتهي الفترة المحددة ويقوم كل منا لأداء واجباته. فان ترك كل السودانيين المكان تفرق الجميع. نادرا ما تجد الآخرين، أفارقة أو عرب، يجلسون معا في غيابنا. لا يمكن أن يجلس الصومالي أو الأثيوبي منفردا مع النيجيري أو الغاني أو الكاميروني أو حتى مع أحد طلاب الدول العربية.
وجودنا نحن يوحد ولا يفرق، وغيابنا يفرقهم و يفقدهم الثقة في أن هنالك شئ يجمعهم (إفريقيا كمثال).
السبب هو خصالنا وخصائصنا المتفردة. كما أن طلاب تلك الدول كانوا يشاركوننا في فريق كرة القدم الذي أسسناه نحن ويتمرن كل يوم سبت.
الأغرب من ذلك كان أساتذتنا الأميريكان يقولون لنا أنتم (السودانيون) تختلفون عن طلاب غرب وطلاب شرق أفريقيا، بل تختلفون عن الطلاب العرب أيضا. فلماذا؟ هل تستطيعون تفسير ذلك لنا؟ عادة ما يصفوننا بالأدب والرقة في التعامل والجدية في العمل والشطارة طبعا حيث أننا لا نتغيب عن المحاضرات ونبقى بالمعامل طوال اليوم بما في ذلك العطلات ونشارك في النقاش العلمي والسمنارات والمؤتمرات بجدية وبفهم عميق بخلاف الآخرين ونحرز أعلى الدرجات فى الكورسات. يصدر هذا فى حقنا نحن السودانيين (شماليين وجنوبيين) من الأساتذة البيض والمسيحيين واليهود، بل كان أكثر من يحترمنا منهم، وأكاد أقول يحبوننا، هم الأساتذة اليهود، خاصة كبار السن منهم. أما الجنس الآخر، من كل الألوان فحدث ولا حرج، ولن أفسر أكثر.
حاليا عند ذهابنا للمؤتمرات العلمية الإقليمية والدولية تجد المشاركين السودانيين هم بؤرة تتجمع الدول الأخرى حولها أثناء فترات الراحة أو الوجبات أو قبل النوم بالفنادق، بما في ذلك العرب والأفارقة والأميريكان والكنديون ، بل نحن (نجوم) تلك المؤتمرات، ويضموننا لكل اللجان المهمة، وأغلب المنضمين من الشماليين!!! هل تستطيعون تفسير ذلك أيها الأخوة الانفصاليون من أبناء الجنوب؟
أود أن أصل من كل هذا السرد بأننا (كسودانيين) لنا مميزاتنا المتفردة، خاصة أبناء الولايات الشمالية، فلماذا (يرفضنا) أبناء جلدتنا من الجنوب ؟ على الأخص داخل البلاد. لكن عندما نكون خارج السودان فهم أكثر الناس التصاقا بنا، ولا يقيمون علاقات مع الآخرين، بل يأتون لزياراتنا بولاياتنا (أثناء البعثات) مهما بعدت عن مكان دراستهم وقضاء المناسبات معنا (عيد الشكر والكريسماس) ونترك لهم غرف نومنا وننام بالصالات بالكنبات أو مرتبة على الأرض ونكرمهم أشد الكرم كما نتعامل مع أخوتنا من الشمال الذين يأتون أيضا من الولايات للونسة والسياحة. فهم، أي أبناء الجنوب، يشتاقون ويحنون لكل ما هو سوداني مثل ما نشتاق نحن. يحنون للونسة والوجبات السودانية والغناء السوداني..الخ. وهم (كما يقولون) أخوالنا والخال والد، والولد خال.
فلماذا (يحبوننا)وينتمون إلينا بالخارج ويبغضوننا ويريدون الانفصال عنا بالداخل؟
هل العيب فينا أم فيهم أم في المجموعتين معا؟
يتهموننا بالعنصرية وبأننا نضطهدهم ونعاملهم كمواطنين درجة ثانية ونحتقرهم..الخ. من أين أتوا بذلك الفهم؟ ومن غرس فيهم هذه الأحاسيس ومتى وكيف ولماذا؟
هل السبب هو اللون؟ فالكل أسود وبدرجات مختلفة من السواد ولا نقول من البياض. واسم السودان يعنى بلاد السود.
هل للملامح؟ الكل ملامحه أقرب إلى الزنجية منها إلى العربية.
هل للجهل؟ لا زال أكثر من 75% من هذه الأمة جاهل لا يفك الخط.
هل بسبب الفقر؟ أكثر من 90% من هذا الشعب يعيش تحت خط الفقر ويكمل يومه خنق ولا حول ولا قوة إلا بالله.
كتبت هذا المقال ردا على شخصين يمثلان مجموعتين من أبناء الجنوب ويشتركان فى أنهما انفصاليان، أحدهما يعيش في السودان (جوبا) والآخر يقيم بالولايات المتحدة (آخر هناء).
الأول يسمى ستيف باترينو (التيار 1 نوفمبر ) يدرس في كلية ميرسى هيرست (بنسلفانيا) والذي جاء على لسانه أن معاناة الجنوبيين أسوأ من معاناة السود في أميريكا. كما قال أن (الاختلافات) بين جنوب السودان وشماله (واضحة وضوح الشمس) في سماء الصيف وأن هذه الاختلافات هي سبب العلاقة( المريرة) والصراعات التي لا نهاية لها، وسبب سنوات الحرب وانعدام الثقة، لا يمكن إنكار هذه الاختلافات الصارخة. الشماليون يركزون على العروبة والإسلام (كوسيلة) للتفرقة ضد الجنوب. القوانين الإسلامية حجر عثرة. الشمال والجنوب كيانان مختلفان. ذكر أن حكم ما بعد الاستقلال هو (عهد الدكتاتورية العربية الإسلامية)، وكان الجنوبيون هم الذين يعانون أكثر من غيرهم. كما قال: أقول للشماليين لن يحس الجنوبيون بعدم سيطرتكم عليهم إذا لم ينالوا (استقلالا) كاملا. ذكر أيضا: هل لاحظ الشماليون أنهم عمدا أو غير عمد، (يقتسمون) ثروة البترول التي في الجنوب مع الجنوبيين، بينما (يحتفظون) بكل ثروة الشمال. الحل العملي هو أن (يستقل) الجنوبيون، و(يديرون ثروتهم) بالطريقة التي يريدونها. يفضل الجنوبيون أن يحكمهم قادة غير مؤهلين نظرا لاضطهاد نظام الخرطوم للجنوبيين. العنف وسط الجنوبيون من (الحقائق) التي لا يمكن إنكارها، نصف المشكلات في جنوب السودان من فعل الجنوبيين والنصف الثاني سببه الشماليون. إذا نال الجنوبيون استقلالهم تبقى لهم نصف المشكلات.
أما الشخص الثاني فهو (جون ضل بودو وهو خريج كلية الزراعة بإحدى جامعات الشمال) الأمين العام لمنظمة شباب من أجل الانفصال (أيضا 1 نوفمبر) بصحيفة الأحداث عبر الهاتف من مدينة جوبا. ذكر سيادته الآتي:
في كل العهود مورست (البشاعة) ضد المواطن الجنوبي من استخدام القوة العسكرية والأمنية (لقهر الجنوبيين). في نفس الوقت (عمد الشماليون) على تغيير ثقافة الجنوبيين من ثقافة افريقية إلى عربية وإسلامية (وكان ذلك زحفا استعماريا). ندعم (خيار الانفصال) نسبة للمظالم التاريخية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي لحقت بالجنوبيين. سادت سياسة (فرق تسد). استولت القوة الضاربة على الموارد الاقتصادية في الجنوب وشيدوا بها بني تحتية في الشمال. ما يقارب 95% من الجنوبيين رأيهم مع الانفصال. بعض الذين يدعون للوحدة يدعون إليها من منطلق منافع شخصية ضئيلة. الانفصال يوفر على الشمال الاضطرار لإرسال أبنائه للجهاد في الجنوب وبدلا من أعراس الشهداء ندعو لأعراس الفرح الحقيقي والأعياد. الوحدة تعنى الاستمرار في (العبودية) والاضطهاد. كمال عبيد يتكلم عن الحقنة والحكومة لم تتخذ أي إجراءات ضده، فإذا كان هذا هو (شكل المسؤول) في الدولة السودانية ألا تعد فاشلة. مسؤولية جعل الوحدة جاذبة ليست مسؤولية الحركة الشعبية. ليست هنالك (كراهية) نحملها للشمال كما يحاول البعض الترويج له، بل كل منا يستفيد من الآخر.
عزيزي القارئ، هل ما جاء أعلاه يستحق الرد عليه؟ هل يمكن أن يصدق أحدكم أنه متهم بكل هذه الاتهامات؟ هل تريدون تعليقات منى أم يكفيكم ما يدور بأذهانكم من ردود؟ أنا لن أعلق وسأقول لا حول ولا قوة إلا بالله وسأكتفي بما يدور في أذهانكم، وبما كتبته من مقالات سابقة في هذا المجال. وكل عام وانتم بخير.