المؤتمر الوطنى: الى متى سيستمر فى لى عنق الحقيقة؟

المؤتمر الوطنى: الى متى سيستمر فى لى عنق الحقيقة؟
بروفيسر / نبيل حامد حسن بشير
[email][email protected][/email] جامعة الجزيرة
20 يوليه 2006
من المعلوم لكل الشعوب أن الشعب السودانى شعب سياسى بطبيعته وعلى درجة عالية من الوعى، رغما عن انتشار الأمية وسط أفراده. هذا الشعب متتبع لكل مايجرى حوله فى العالم، ومن نافلة القول أن مايدور داخل بلاده لايخفى عليه وهو يملك قدرات تحليلية يحسده عليها كبار المحللين السياسيين فى أكبر القنوات الفضائية العالمية. كلنا أيضا يعرف جيدا أنه لايمكن اخفاء ما يجرى فى أى مكان فى المليون ميل مربع نظرا لطبيعة وسلوكيات هذا الشعب. فطالما هنالك “بيوت البكيات” والمناسبات الأخرى، وهنالك من يدعى العلم ببواطن الأمور وأن لديه مصادره الخاصة من أصدقاء وأقارب وجيران وزملاء دراسة..الخ يمدونه بالمعلومات الموثوق بها، فلن تكون هنالك أمور سرية خفية على المواطن السودانى حتى تقوم الساعة. الكثير من هذه المعلومات ثبتت حقيقتها وبتفاصيل دقيقة تخرج من أكثر مناطق اتخاذ القرار حساسية، والأمثلة على ذلك لاحصر لها وخرها الخلاف فى المؤسسة الرئاسية.
المشكلة الأساسية لحزب المؤتمر الوطنى والتى ورثها من والدته الشرعية “الجبهة الاسلامية القومية” هى لى عنق الحقبقة، ونكران وجود الشعب السودانى، أو على الأقل نكران فطنته وذكائه الفطرى، وعدم نسيانه للأحداث بسهولة مهما كانت الظروف والوعود والضغوط (بأنواعها). اذا ما كان هذا المؤتمر الذى يدعى الوطنية وطنيا فعلا وليس قولا فقط، فعليه أولا عدم لى عنق الحقائق، وأن يكون واضحا مع من يريد أن يحكمه بل ويحترمه أيضا. لكن عدم الوضوح مصحوبا بعدم الاحترام وعدم قبول الرأى الآخر والاستخفاف بعقليات الآخرين (داخليا وخارجيا) هم الطريق الى التهلكة بيدهم وليس بيد غيرهم أو بالاثين معا وقديما قيل حبل الكذب قصير.
الجميع يذكر أثناء الديموقراطية الثالثة عندما تحالف حزب الأمة و الجبهة الأسلامية فى حكومة برئاسة السيد الصادق المهدى التى فشلت فشلا ذريعا ولم تستمر سوى تسعة أشهر فقط بعدها عرف كبار وقادة الجبهة أنهم اذا ما جاء موعد الانتخابات الحرة التى تبقت لها شهور قليلة لن يكسبوا دائرة واحدة بعد أن كشفتهم ممارساتهم فى تلك الحكومة أمام الشعب السودانى برمته. منذ ذلك التاريخ بدأ تأمرهم لقلب نظام الحكم بدأ بزيارة السيد زعيم المعارضة للجنوب، خاصة الحاميات العسكرية التى حمل اليها بعض الدعم، وتجنيد من قاموا بالانقلاب الذى أتى بهم الى السلطة لتنفيذ ما قاموا بتنفيذه فينا حتى تاريخه.
ما جرنى الى كتابة هذا المقال ما جاء فى عمود السودانى بقلم الاستاذ عروة بدعوته للسيد الرئيس بأن ينقذ البلاد ويشكل حكومة وطنية تخرج بالبلاد من مما هى عليه الآن من كوارث، بمعنى الانقاذ الحقيقى للسودان من الشرور والبلاوى التى أدخلتنا فيها الانقاذ السابقة، وتستمر فيه حكومة الوحدة الوطنية الحالية (مسميات فقط !! هى الأسماء بفلوس؟).
درجت الانقاذ منذ يومها الأول على خداع الشعب السودانى بنكران انتمائها لأية جهة سياسية. لم يبلع 90 % من الشعب السودانى هذا القول، لكن نظرا لثقته فى جيشه وحبه له ، حاول أن يغالط نفسه ويبلع الطعم بارادته بغرض (كما يقولون فى تحكيم كرة القدم) اتاحة الفرصة. الممارسات وسيطرة أبناء الجبهة على كل المواقع والمناصب وتبجحهم أمام الكل، والفصل التعسفى (للصالح العام!!)، ثم ما جاء على لسان شيخهم (جارنا العزيز بالمنشية) بعد الانقلاب الأبيض عليه من مقولة “اذهب الى القصر وسأذهب الى السجن” وضحت كل شئ رغما عن النفى الذى صدر من كل الجهات الرسمية لمدة عشر سنوات. ألم أقل لكم بأن حبل الكذب قصير.
عند انلاع الحرب فى دارفور جاء بأحد المقالات باحدى الصحف السيارة أن دار فور كانت آخر الولايات (المناطق) التى انضمت الى السودان بشكله الحالى (1916)؟؟؟!!!! ما هذه المغالطة؟ ومن انضم الى من؟ هل ينضم المستقل الى المستعمر أم العكس هو الصحيح؟ دارفور هى الولاية السودانية الوحيدة التى فشل الاستعمار فى احتلالها. دارفور عرفت فى التاريخ السودانى منذ أيام الفراعنة وجاء ذكر درب الأربعين منذ أن عرف التاريخ المكتوب عن السودان وجيرانه. دارفور هى أصل السودان وعمقه التاريخى. ثم نسأل منذ متى كان ماقام به المستعمر هو الأصل؟ شكل السودان الحالى هو من صنع المستعمر الانجليزى. كان السودان يمتد من تشاد وأفريقيا الوسطى (السودان الفرنسى) حتى جيبوتى. فبدلا عن أن نطالب ببقية بلادنا ننكر سودانية قلب السودان النابض وأرض نار القرآن الكريم دارفور؟ اليمن لم يخضع للاستعمار البريطانى. فهل نستطيع أو نجرؤ بأن نقول بأن اليمن، الذى لم يصنع حدوده الاستعمار البريطانى أو الفرنسى كبقية الدول العربية الأخرى دون استثناء، بلد غير عربى؟
ثم ماهى قصة الجنجويد؟ من قام بتدريبهم عسكريا؟ من الذى وفر لهم التمويل وتكاليف المعيشة؟ من الذى خطط لهم كل مايقومون به؟ أسئلة مشروعة يريد أن يعرفها كل سودانى بصفة عامة وكل دارفورى على وجه الخصوص. والسؤال الأهم هو “لماذا؟” مهما كان السبب فلن يكون منطقيا سياسيا واجتماعيا ودينيا واقتصاديا. كيف نبرر قتل المسلم لاخيه المسلم، السودانى لأخيه السودانى؟ كيف نبرر للأطفال تركهم لقراهم ومدارسهم وآبائهم؟ وما هو الثمن على المدى الطويل؟
قبلت الحكومة بوجود قوات دولية فى الجنوي وجبال النوبة وشرق السودان. وقوات افريقية فى ولايات دارفور الثلاث. وصل العدد الكلى الى مايزيد عن خمسة وعشرون الف جنديا أحنبيا. أصبح شكل الخرطوم مخجلا حيث نرى عربات الأمم المتحدة بكل شارع نمر به مما ذكرنى بوجود القوات الأميريكية بالماني الغربية سابقا حتى 1989. فلماذا يقسم السيد الرئيس والسيد وزير الدفاع والسيد رئيس جهاز الأمن؟ اليس من الأفضل لهم أن يقسموا باخراج الموجودين حاليا بدلا عن منع القادمين. بل اليس من الأفضل أن نمنع الأسباب التى ستؤدى الى حضورهم حتى لا يجدون المبرر للحضور.
كما اقترحت الحكومة أن تقوم بتوفير التمويل لاستمرارية القوات الأفريفية الفاشلة حتى ديسمبر. اليست دارفور نفسها أولى بهذه الأموال لرفع معاناة مواطنيها والمساعدة فى اعادة الاعمار؟ كما جاء على لسان الحكومة بأنها تقترح تكوين فوات سودانية مشتركة بينها وبين الحركة الشعبية قوامها ستة عشر الف فرد. فماذا تنتظر؟ هل تنتظر موافقة الأمم المتحدة أم سيدتها الولايات المتحدة؟ السنا دولة مستقلة ذات سيادة على ولاياتنا؟ هل نترجى الأمم المتحدة لتسمح لنا بحماية المواطن السودانى الذى نحكمه ونجبره على دفع الضرائب ونساله القيام بكل الواجبات المفروضة عليه دون أن نطعمهم من جوع ونأمنهم من خوف؟
هذه هى الحقائق، فلماذا لانقولها مباشرة ونتهرب منها كأن من يسمع لايعقل: اسمع كلامك أصدقك، أشوف عمايلك أستعجب.