نساء السودان: "لا لتقطيع الأيدي والرؤوس وتقطيع الأوطان"

د. فيحاء قاسم عبد الهادي

بين التاسع من كانون الثاني، والتاسع من تموز 2011؛ ارتدت العديد من نساء شمال السودان الأثواب البيضاء، وأقمن سرادق عزاء، حداداً على وحدة الوطن، ورداً بليغاً على كل من يروِّج أن الشمال مسرور للتخلص من الجنوب، ولإزاحته عن حدوده.
استجابت نساء شمال السودان لدعوة أطلقتها شابة أحست بالخجل، لتشظي بلدها، وفكَّرت أن تدعو إلى الحداد، إلى أن تنقشع الظلمة عن وطنها، على حدِّ تعبيرها:
"لقد تحملنا الاغتصاب والتقتيل والإذلال؛ ولكننا لن نحتمل بتر جزء عزيز من وطننا دون أن نرفع الصوت على الأقل بالعويل .. مالذى سنحكيه لأطفالنا عن هذه المحنة؟!
أدعو جميع نساء السودان ذوات الضمير اليقظ .. المستشعرات لمسئولية التاريخ .. الإنضمام لحداد جماعي يؤكد شعورنا بالألم لما يحدث ببلادنا .. ويقدم الدليل على انشغالنا بالهمّ العام، والتزامنا تجاه تضحيات كل الشهيدات والرائدات، اللاتي بذلن حياتهن ليصنعن لنا وطناً موحداً تحلم نساؤه بالحرية .. قد تضىء ثيابنا البيضاء رغم حزنها الدرب فى ظلام أيامنا السوداء هذه .. وإن لم تفعل، على الأقل سنقول لأطفالنا: لقد حزنا وبكينا وارتفع نشيجنا "وطلقنا الحي ووب".. لم نكن نهتم لجمالنا ومظهرنا وبلادنا تتفتت .. كنا "حادات" غاضبات .. فلنرتد الحداد منذ يوم التاسع من يناير الحزين. ولنجعله شهر حزن لتعرف أخواتنا الجنوبيات وكل بلادنا أننا مفجوعات لهذا الفراق المرّ.. وأن الخرطوم ليست ملكاً للافتات "منبر الحرب الظالم" المبتهجة ببتر الوطن. وإن للخرطوم ونسائها ضمير يقظ ونفس تعاف "التقطيع" .. تقطيع الأيدى والرؤوس وتقطيع الأوطان".
*****
استجابت النساء للنداء؛ لكنهن طوَّرن المبادرة، وآثرن أن يلبسن الثوب الأبيض والأسود معاً: "الثوب الأبيض، لارتباطه بحركة تحرر المرأة، والأسود في دلالة على التعدد والتنوع الثقافي للسودان"، في دعوة لتحويل الحزن إلى فاعلية، وشكل إيجابي. أطلقن حملة "الحزن المتبصِّر"، وشعارهاً "ملح وملاح"، الذي يدعو إلى الوحدة والسلام بين الشمال والجنوب، خوفاً من تفجر العنف حال إعلان استقلال الجنوب. ويعود الشعار إلى الثقافة الشعبية التي تؤمن أنه من العيب الخصام مع من تمالحت معه، أي تناولت معه الطعام والشراب. قامت النساء بتنظيم الندوات في الأحياء والمراكز الثقافية، والجامعات، وذهبن إلى الأطراف، حيث تجمعات الجنوبيين، ونظَّموا وجبات جمعت بينهم وبين الشماليين.
*****
في الاحتفال الرسمي والشعبي بإعلان استقلال دولة جنوب السودان؛ ركَّز رؤساء الوفود على أهمية تأييد استقلال الدولة الوليدة، وأهمية ممارسة الشعب السوداني لحقه في تقرير مصيره؛ بينما لوَّح شعب الجنوب بالعلم الجديد، ورقصوا وغنوا للحرية.
لم يغنِّ الجنوبيون ويرقصوا فرحاً بالانفصال عن أشقائهم في الشمال؛ بل غنّوا ورقصوا للحرية، والعدالة الاجتماعية، ومحاربة التمييز، بعد طول معاناة من الحروب الأهلية المريرة، وبعد نجاح سياسات التطهير العرقي والجنسي، حيث تعرِّضت عشرات الآلاف من النساء والفتيات السودانيات في جنوب السودان لجرائم العنف الجنسي، من اغتصاب وتحرش، مورست عليهن خلال ما يزيد على العقدين من الزمان
وقد أكَّدت نساء شمال السودان أنهن مع حق جنوب السودان في تقرير مصيره؛ إلاّ انهن حزينات لفشل القوى الديمقراطية والتقدمية في إدارة التنوع في السودان، والحفاظ على الوحدة. كما أنهن حزينات أيضاً لهزيمة آمال التضامن الإفريقي، وأحلام الوحدة الإفريقية، التي طالما جسَّدها السودان.
*****
حين عبِّرت إحدى الشابات السودانيات عن حزنها وإحباطها، لرائدة وهبت سنيّ عمرها للنضال في سبيل وحدة السودان؛ أجابتها: "أنتن تحزنَّ لأن المستقبل والحاضر ليس كما ترغبون، ونحن نحزن لأننا أهدرنا العمر نحلم ونعمل لوطن تشظّى، ولن يسعفنا العمر لنعمل لأجله من جديد.. فأينا أكثر حزناً!".
لم تتوان نساء السودان عن العمل بدأب عن العمل من أجل السلام، والديمقراطية، والوحدة، وكنَّ مشاركات للرجال في إعالة اسرهن، وخاصة في ظل البطالة، وظروف العيش القاسية، وحين شاركن بالنضال السياسي؛ تعرَّضن للسجن، والاغتصاب، والإذلال، لكونهن نساء؛ لكنَّ ذلك لم يثنيهن عن نضالهن وكفاحهن من أجل وطن حر موحَّد.
ورغم حزنهن على تفتت بلادهن؛ إلاّ أنهن أكَّدن أن الانفصال يجب أن يشكِّل فرصة لمراجعة أدائهن، وأداء كل القوى السياسية، وأنهن لن يتراجعن عن القيام بدورهن الفاعل المميَّز، كنساء قادرات على صناعة تاريخ جديد لشعبهن.
*****
صاحب الإعلان عن استقلال دولة جنوب السودان تحرك دولي غير مسبوق، لدعم قيام الدولة، في الوقت الذي تهدِّد فيه أطراف دولية بعرقلة توجه الفلسطينيين إلى الأمم المتحدة، في أيلول المقبل، لطلب عضوية فلسطين، كدولة مستقلة؛ الأمر الذي جعل الفلسطينيين يتلمَّسون بوضوح، سياسة التمييز، وسياسة الكيل بمكيالين، التي تنتهجها الولايات المتحدة الأمريكية، والعديد من الدول الغربية، تجاه فلسطين.
ورغم أن الاستقلال يذكِّر بالاستقلال، والحرية تستدعي الحرية؛ إلاّ أن الشعب الفلسطيني، وهو يؤكِّد على حق تقرير المصير كحق أساسي لشعوب الأرض كافة؛ يشاطر الشعب السوداني مشاعر الحزن والأسى لانقسام وتشظي الوطن السوداني.
ولا شكَّ أن الشعب الفلسطيني، لن يرضى بدولة مشطورة، ولا يمكن أن يحسَّ بالفرح للانفصال والتفتت والتشظّي، وسوف يواصل نضاله موحَّداً، من أجل دولة فلسطينية ديمقراطية موحَّدة مستقلة، تحترم التنوع والتعددية، وتبني الوطن والإنسان.
*****
نشدّ على أيادي أخواتنا السودانيات، ونطلقها صرخة نسوية واحدة:
لا لتقطيع الأيدي والرؤوس وتقطيع الأوطان.
[email protected]
www.faihaab.com

الايام الفلسطينية

تعليق واحد

  1. كم يمثل هؤلاء اللائى اقمن سرادق العزاء من نساء السودان الشريفات اللائى قدطن فلذات اكبادهن شهداء وترملن بحرب داحس والغبراء التى استمرت 55عاما ونساء وامهات شهداء الاثنين الاسود 2005 والخميس الاسود1964 فى الخرطوم لا لشئ الا تحطم طائرة قرنق او اشاعة مقتل كلمونت امبورو والشهداء الابرياء تهمتهم القاتلة هى انهم مندكرو شماليين يا اخى الاحقاد التى زرعها قرنق ومن خلفهم من اليهود الذين ظهروا على السطح والنصارى ومن قبله انانيا 1 هذه ما تركت مجالا للوحدة بين الشمال والجنوب والانفصال كانت مسالة حتمية والوحدة مثل ضم الشحم والنا فى اناء واحد ودعكم من مزايدات احزاب المعارضة الذين وقعوا ايضا قبل الحكومة على الاعتراف بتقرير المصير فى اسمرا عام 1994 وكلامكم ده كذب ساكت يا نسوان هوى خشن بيوتكن

  2. والله لم يتبقى الاالنساء ليخرجن الى الشارع مادام الرجال يقبعون فى جحورهم ,, والشباب يلبس بنطلون طيحى ,ويذهبون الى نجوم الغد ,, ماشاء الله ,,

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..