السودان وأميركا وقرار تمديد العقوبات

محجوب محمد صالح
مطلع هذا الشهر جددت حكومة الولايات المتحدة العقوبات المفروضة على السودان منذ العام 1997 وقد ظلت تلك العقوبات تتجدد في رتابة مملة في مطلع نوفمبر من كل عام على مدى الثمانية عشر عاما الماضية، ورغم ذلك فقد ظلت تقابل من جانب حكومة السودان كل مره بنقد لاذع وأسف وإدانة? على أن خيبة الأمل هذه المرة كانت أكبر لأن ثمة إرهاصات سبقت (التمديد) كانت توحي بأن (اختراقاً) قد حدث في أزمة العلاقات الأميركية السودانية، وأن ثمة توجها جديدا في السياسة الخارجية الأميركية يوحي باقتراب (تطبيع) العلاقات بين البلدين.
هذه العقوبات ظلت سارية المفعول على مدى 18عاما فهي قد فرضت إبان عهد الرئيس الأميركي بيل كلينتون وظلت تجدد طول عهد سنوات الرئيس جورج بوش (الابن) الثماني ثم طوال عهد أوباما كاملاً وسيرثها الرئيس القادم ? لكن كل هؤلاء الرؤساء كانوا يواجهون في السودان نظاماً واحداً أو رئيساً واحداً ?وكان القرار? أيضاً واحداً هو التمديد لعام واحد؛ ذلك لأن القرار الصادر في الثالث من نوفمبر 1997 كان لعام واحد قابل للتجديد، وإذا لم يجدد في موعد أقصاه الثالث من نوفمبر في أي عام يسقط تلقائياً وبما أنه لم تأت إلى سدة الحكم حكومة ترغب في (إسقاطه) فقد كان التمديد هو الخيار الوحيد.
الجديد في هذه المرة أن الولايات المتحدة باتت على قناعة من أن النظام في السودان يمكن أن يكون له دور في إنفاذ سياسات تهمها في المنطقة، وأن تبادل المصالح يقتضي أن تقترب من النظام السوداني للدور الذي يمكن أن يلعبه في:
أولاً: الحرب ضد (داعش) ووقف تمددها في المنطقة.
ثانياً: الوقوف ضد التوسع الإيراني ومحاصرة نشاطه في اليمن وفي باقي البلاد العربية.
ثالثاً: حراسة الحدود لمنع الهجرة غير الشرعية من شرق وغرب إفريقيا والقرن الإفريقي عبر البحر الأبيض إلى أوروبا.
وكلها قضايا ذات أهمية استراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة، وقد تم الوصول إلى تفاهمات بشأنها مع حكومة السودان كما أبدت الحكومة الأميركية بعض الإعفاءات في سلع المقاطعة الأميركية للسودان كعربون جدية للمرحلة? ونشط المبعوث الأميركي الخاص للسودان بدرجة غير مسبوقة بحثاً عن تسوية تحقق السلام وما زال يواصل جهوده في الساعة الرابعة والعشرين لسلطة أوباما التي تتوقع أن يختار الأميركيون رئيسهم الجديد هذا الأسبوع وتنتهي مهمة المبعوث الخاص ولكنه حريص على القيام بدوره حتى آخر دقيقة!
أميركا وجدت نفسها مضطرة عندما أقدمت على تمديد العقوبات هذه المرة لكي تشرح أن هذا الإجراء (فنيروتيني) وأنه لا ينتقص من سلطة الرئيس في أن يخفف المقاطعة ويرفع الحظر في أي لحظة ?فعلت ذلك لتطمئن الحكومة السودانية إلى أن التجديد لا يمانع مواصلة الحوار حول رفع العقوبات? ولكنها في الوقت نفسه أوضحت أنها تحاور حكومة السودان حول قضايا أخرى وأوردت (كشفاً) بتلك القضايا وشمل الكشف (حماية حقوق الإنسان? حل الصراعات الداخلية? معالجة الاحتياجات الإنسانية? تحسين الاستقرار الإقليمي? الحريات السياسية? والمساءلة والمحاسبة) وهكذا مع اعترافها بالتقدم الذي أحرز في المناقشات حول دور السودان في محاربة الإرهاب أرادت الخارجية الأميركية أن ترسل رسالة أخرى مؤداها أن هناك أموراً أخرى لا تقل أهمية عن اتخاذ قرار رفع العقوبات.
الحكومة السودانية من جانبها أسفت للموقف الأميركي وأدانته بحسبانه غير منطقي وغير مبرر ومجافٍ للقوانين الدولية والأعراف? ولكنها وعدت بمواصلة الحوار.;
العرب
يتذكر السودانيون أن المسؤولين وفي مناسبات كثيرة أمطرونا بوابل من الوعود الكاذبة التي لم يتحقق منها أي شيء إلى حد الآن بل اصبحوا الان يحملون الشعب فشلهم كما تدين تدان أي كما تفعل تجازى بفعلك وهذا مفععلوه بالمواطنين تفعله امريكا بهم بعد ان تضمن تنازلاتهم لاى امر وفى كل مره يصبح سراب الان نتمنى ان لا يرفع الحظر حتى يطيل عمر النظام ويرهق الشعب اكثر من ما فعلة به
Kid unmaking
كتبنا في تعليق سابق على مقال للسفير جمال محمد إبراهيم حول أفق ومستقبل العلاقات الأمريكية السودانية…http://www.alrakoba.net/articles-action-show-id-63149.htm
الأستاذ/ جمال محمد إبراهيم، لك التحية والتقدير ونشكرك على طرح موضوع العلاقات السودانية الأمريكية المتأزم للنقاش وسبر غواره وبعد،،،
قد يبدو في كثير من الأحيان أن الأسباب الظاهرية لتأزم العلاقات الأمريكية الأيرانية والأمريكية الكوبية من جهة، والعلاقات الأمريكية السودانية من الجهة الأخرى متشابه، وذلك من خلال ما تثيره الإدارة الأمريكية من وقت لأخر فيما يتعلق بحقوق الإنسان، والحريات وحقوق الأقليات، بالإضافة إلى الفساد السياسي ودعم الجماعات الأرهابية ..الخ. غير أن الحصيف والمتفحص الجيد وقد يلاحظ أختلافات جوهرية ومحورية كأسباب لتوتر العلاقات بين الدول الثلاث (أيران، كوبا والسودان) من جهة والإدارة الأمريكية من الجهة الأخرى.
صحيح قد تشترك الأنظمة في الدول الثلاث المذكورة في قمع الحريات وممارسة الدكتاتورية والتنكيل بخصومها السياسيين، غير أنه ليس هذه جوهر أسباب التأزم السياسي بين الولايات المتحدة الأمريكية والدول الثلاث، وإلا كانت مصر العربية وكثير من الدول العربية قد أندرجت تحت طائلة الخلاف والجفوة مع الإدارة الأمريكية.
الأسباب الجوهرية للعداء بين الولايات المتحدة من جهة وأيران وكوبا بالإضافة لكوريا الشمالية من الجهة الأخرى يتلخص في كون أنظمة هذه الدول تمثل تهديداً لحلفاء الولايات المتحدة وتحدياً لسياساتها الخارجية كلاً في منطقته وأقليمه. فعلى سبيل المثال أيران تشكل تهديد لحلفاء الولايات المتحدة في الخليج وزعزة أستقرار تدفق الطاقة النفطية للأسواق الأمريكية، ومهدداً لدولة أسرائيل وتتوعدها بالزوال، بينما الأزمة مع كوبا تعود إلى حقبة الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي سابقاً وأزمة نصب الصواريخ السوفيتية في خليج الخنازير المعروفة. وكذا الحال لكوريا الشمالية وتهديدها لأكبر حلفاء الولايات المتحدة التجاريين اليابان وكوريا الجنوبية. وخف التوتر مع كوبا بمجرد أنتفاء التهديد الروسي لولايات المتحدة، وكذا الحال مع أيران التي مارست معها الإدارة الأمريكية الحالية سياسة الأحتواء ووقف الطموحات الأيراينة في أمتلاك السلاح النووي.
أما فيما يتعلق بأزمة العلاقات الأمريكية السودانية، فهي مصنفة في كثير من دوائر القرار الأمريكي على أنها أزمة ضمير أنساني وتحدي أخلاقي غير قابل للمساواة، ترفض المبادئ الأمريكية الراسخة والثقافة الأمريكية المتسامحة التورط فيها أو السكوت عليها. فنظام الأقلية الحاكم في السودان ظل وعلى مدى نصف قرن ونيف (60) عاما وما زال، يمارس إبادة جماعية منظمة ضد المكونات العرقية المختلفة من مواطني هذا البلد، بداً من مذبحة عنبر جودة/كوستي في 20 فبراير 1956م، وأستخدام المبيدات الزراعية ضد العمال الزراعيين المطالبين بمستحقاتهم، كأول بادرة لأستخدام السلاح الكيمائي أداة حرب ضد المدنيين بالقارة الأفريقية، مروراً بالحرب العنصرية القذرة (إبادة الحجر والشجر والبشر) في جنوب السودان والتي أستمرت زهاء النصف قرن، تبعتها حروب التطهير العرقي في دارفور وكردفان والنيل الأزرق، إلى جانب تورط الأجهزة الأمنية لنظام الأقلية الحاكمة في تجارة الأعضاء/الأسبيرات البشرية في شرق السودان..إلى جانب ممارسة سياسة الأضطهاد والتركيع والأخضاع الجارية لبعض مواطني ولايات وسط السودان عبر سياسة نزرع ملكية الأراضي كما الحال في مشروع الجزيرة، وسياسات التهجير وتدمير وطمر الثقافة والثراث بالسدود المشبوهة في أقاصي الشمال.
الإدارة الأمريكية تصنف الأنظمة الحاكمة في السودان منذ 1956، عموما ونظام الأنقاذ على وجه الخصوص على أنها نظام للتمييز العنصري مشابها تماماً لنظام الفصل العنصري (الآبارتييد) الذي كان سائداً في جنوب أفريقيا قبل التسعينات، وتصنف أقلية الجلابة الحاكمة في السودان، التي لا تتجاوز نسبة تعداد منسوبيها الـ 5% من جملة سكان السودان (13 دائرة جغرافية لولايتي نهر النيل والشمالية من أصل 271 دائرة جغرافية لعموم السودان)، على أنها الصنو لأقلية البوير “البيض” في جنوب أفريقيا العنصرية سابقاً.
فقط عندما يستطيع السودان حكومة وشعبناً تجاوز معضلة أزمته الداخلية المزمنة ويتمكن من إنهاء نظام التمييز العنصري الرسمي بالدولة، عبر خطة واضحة وجادة لإعادة هيكلة جهاز دولته ومؤسساتها الأكثر حيوية (الجيش، الشرطة، الأمن، السلطة القضائية، المنظومة الأقتصادية ووسائل الإعلام المرئية، المسموعة والمقروءة)، ينهي معها كافة أشكال ومظاهر السيطرة المطلقة والحصرية لمنسوبي قبائل أقلية الجلابة الثلاث على مفاصل الدولة ومراكز اتخاذ القرار، وصولا لمؤسسات قومية تمثل كافة ألوان الطيف الأجتماعي في مراكز اتخاذ القرار، عندها فقط يستطيع السودان إعادة علاقاته مع الولايات المتحدة وجميع دول العالم الأول التي تحترم حقوق الشعوب وكرامتها الأنسانية ويتمتع بعلاقات ندية معها.
علينا كمثقفين سودانيين العمل الجاد والدؤوب لإنهاء حقبة سياسات نظام التمييز العنصري في بلادنا، قبل مطالبة الأخرين بإقامة علاقات دبلوماسية طبيعية معنا … أن الحديث عن رفع العقوبات الأمريكية وإقامة علاقات دبلوماسية طبيعية مع الشعوب المحترمة والمجتمع الدولي والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على وجه الخصوص قبل إنهاء سياسات التمييز العنصري في السودان ووضع حد للحروب الأهلية الطاحنة والمتواصلة على مدار (60) عاما، كأستحقاقات واجبة النفاذ، لا يعدو أكثر من ذر للرماد في العيون وتسكين للأمعاء بغلي الحجارة حتى تنام البطون الجائعة.
اقتباس ” ولكنها (أي الإدارة الامريكية ) في الوقت نفسه أوضحت أنها تحاور حكومة السودان حول قضايا أخرى وأوردت (كشفاً) بتلك القضايا وشمل الكشف (حماية حقوق الإنسان? حل الصراعات الداخلية? معالجة الاحتياجات الإنسانية? تحسين الاستقرار الإقليمي? الحريات السياسية? والمساءلة والمحاسبة).
الأستاذ محجوب محمد صالح حياك الله .
لعلك تتفق مع الإدارة الامريكية وأيضا غالبية الشعب السودان في ان الحكومة السودانية قد فشلت بامتياز في القضايا التي شملها كشف الإدارة الامريكية وهي مكررا :
1- حماية حقوق الانسان السوداني
2- حل الصراعات الداخلية ، بل الصراعات الداخلية في ازدياد مضطرد (مثالين حديثين ثورتي الجريف شرق و قبيلة رفاعة )
3- تحسين الاستقرار الإقليمي (تدخلها في الشأن الداخلي لدولة جنوب السودان )
4- معالجة الاحتياجات الإنسانية (حال المستشفيات يغني عن السؤال)
5- الحريات الأساسية (اعتقالات جهاز الامن الفاشيستي التي لا يسندها الدستور واتفاقيات حقوق الانسان الدولية والسودان طرف فيها )
6- المساءلة والمحاسبة ( وانت تعلم ان المحاسبة للفقراء فقط اما المتنفذين فهم اعلى واجل من القانون ) .
كما تعلم استاذنا الكبير ان أمريكا دولة ديمقراطية تضع اعتبار كبير للرأي العام عندها ، فأي حكومة ترفع العقوبات عن السودان تكون قد حكمت على نفسها بالإعدام !
ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء. رحمة
مافي .