أخبار السودان

“عجز المعيشة” حزمة السياسات الاقتصادية قضت بزيادة الأجور والبدلات بنسبة 20%..

الخرطوم- عبدالرحمن العاجب
تدهور الأوضاع الاقتصادية، أصبح يمثل العنوان الأبرز، في المشهد الكلي للبلاد، الذي أصبح تسيطر عليه حالة البؤس وضنك الحياة بشتى صنوفها، وما أن جاء الثالث من نوفمبر الجاري حتى ازدادت الأوضاع سوءا بسبب إعلان الحكومة تحرير سعر الوقود وزيادة تعرفة الكهرباء في محاولة للسيطرة على معدلات التضخم ووقف تراجع العملة الوطنية، وفي السياق أعلن بدرالدين محمود وزير المالية والاقتصاد الوطني في مؤتمر صحفي عقده مساء (الخميس) الماضي عن حزمة من السياسيات الاقتصادية شملت إعادة جدولة الدعم على السلع بزيادة أسعار المحروقات، وتبعا لذلك تم رفع سعر جالون البنزين من (21) جنيهاً إلى (27,5) جنيها وأصبح سعر لتر البنزين للمستهلك (6.17) جنيهات والجازولين (4.11) جنيهات وسعر جالون الكيروسين (18.8) جنيها.
زيادة الأجور والبدلات
أجور وبدلات العاملين في الدولة هي الأخرى وجدت نصيبها في حزمة السياسات الاقتصادية التي أعلنها وزير المالية والاقتصاد الوطني، وتمت زيادتها بنسبة 20% وتعهد الوزير بالتوسع في دعم الفئات الضعيفة، واعتبر زيادة الرواتب ستكون غير مسبوقة، لافتاً إلى أنها ستكلف خزينة الدولة (4) مليارات جنيه، وفي سياق متصل بالمسألة قال يوسف عبدالكريم رئيس اتحاد عمال السودان إن الاتحاد كان جزءا من هذه الإجراءات، مشيراً إلى أن زيادات الأجور شملت زيادة بدل الوجبة من (60) جنيها إلى (300) جنيه، ومنحة مرتب شهر بالراتب الأساسي لعيد الفطر، وشهرين لعيد الأضحى، وزيادة علاوة الأطفال من (150) جنيها إلى (450) وبدل المأمورية من (170) جنيها في اليوم إلى (450) جنيها، كما تمت زيادة مبلغ (100) جنيه للمعاشيين.
حقائق عن الأجور
وفي التاسع عشر من أكتوبر الماضي كشف عبد الرحمن يوسف حيدوب رئيس المجلس الأعلى للأجور عن حقيقة مفادها أن الحد الأدنى للأجور الآن (425) جنيهاً، وقال إن الأجور الحالية تغطي نسبة 16% فقط من تكاليف المعيشة، بينما بلغت تكاليف المعيشة للأسرة المكونة من أربعة أفراد (4,121) أربعة آلاف ومائة وواحد وعشرين جنيهاً، ووصف حيدوب في منتدى (مفارقات الأجور وتكاليف المعيشة في السودان تجارب الماضي – الحاضر – آفاق المستقبل) الذي نظمه مركز التنوير المعرفي قبل نحو أربعة أسابيع، وصف هذه القضية بالمتجذرة والحادة والمستعصية، وقال إن المجلس يعمل على مراجعة دورية للأجور كل عام لمقابلة تكاليف المعيشة، وإزالة المفارقات بين الأجور، وأشار حيدوب إلى أهمية أن تكون قضية الأجور قومية ومضمنة في الدستور، وتكفل المساواة لكل العاملين بالدولة، وإزالة المفارقات في الأجور وتقويم وترتيب الوظائف.
اتساع الفجوة التكلفة والأجر
وقبل نحو ثلاثة أسابيع تقريبا كشف الدكتور أحمد المجذوب رئيس لجنة الشؤون المالية والاقتصادية بالبرلمان عن حقيقة مفادها أن الأجر الممنوح للعامل بالدولة لا يتجاوز 20% من النفقات الضرورية للمعيشة، وطالب بضرورة مراجعة وترشيد الإنفاق الحكومي لتوفير المزيد من الموارد وتوجيهها للقطاعات ذات الأولوية، وأكد المجذوب اتساع الفجوة بين كلفة المعيشة وأجور العاملين، مشددا على ضرورة إصلاح السياسات الاقتصادية، وقال (إن قضية معاش الناس متشابكة ومتداخلة ولا تعالج بإجراءات نقدية ومالية، بل بتوازن الحزمة المالية والنقدية والإنتاجية) وشدد المجذوب خلال استعراضه دراسة (معاش الناس.. الوضع الراهن ورؤى المستقبل) في ندوة بالبرلمان قبل نحو ثلاثة أسابيع تقريبا على عدم إمكانية معالجة المشكلات الاقتصادية بـ (الحلول الترقيعية والجزئية) فيما رهن وزير المالية السابق علي محمود تحقيق الإصلاح الاقتصادي بالصرف على التنمية والبنيات التحتية، وحذر من أن زيادة الأجور من موارد غير حقيقية تؤدي للتضخم وانخفاض القوى الشرائية للرواتب.
إقرار بالعجز وحلول تقليدية
وسبق أن أقر يوسف عبدالكريم رئيس اتحاد نقابات عمال السودان بصعوبة زيادة الأجور بصورة تغطي تكلفة المعيشة في الوقت الراهن، ولكنه عاد وشدد على أهمية أن تتضمن كل الموازنات المقبلة زيادة في الأجور حتى الوصول إلى الأجر المطلوب بنهاية البرنامج الخماسي، وطالب عبدالكريم في حوار سابق له مع (اليوم التالي) بزيادة الأجور من موارد غير حقيقية أسوة بنشاطات الدولة التي قال إنها تمول من موارد غير حقيقية، وأوضح أن الأجر الذي يمكن أن يلبي الحاجة المعيشية يساوي (4) آلاف جنيه، وانتقد عبد الكريم الحلول التقليدية للدولة القاضية برفع الدعم عن السلع مقابل زيادة الأجور وعدّها حلولا تقليدية لا تفضي إلى مداخيل جديدة، وأشار إلى عجز الأجور الحالية عن الإيفاء بأبسط تكاليف المعيشة.
مابين الحزمة والكهرباء
ولم تستثن حزمة السياسات الاقتصادية حتى تعرفة الكهرباء والتي تمت زيادتها للمستهلكين لأكثر من (400) كيلووات وقال وزير المالية إن زيادة الكهرباء لن يتأثر بها المواطن البسيط، مشيراً إلى أن الزيادة ستكون بواقع (6) قروش على الكيلو واط لمن يفوق استهلاكه (400) كيلو و(20) قرشاً للكيلو لمن يفوق استهلاكه (800) كيلو، وأكد أن التعرفة فى القطاع الزراعي ستكون كما كانت عليه بلا زيادات وتابع (نستهدف تعديل رسوم كهرباء السفارات والفنادق وغيرها من أصحاب الصرف العالي) وتوقع الوزير أن تؤثر الإجراءات الاقتصادية على موسم الحصاد بشكل محدود، وأكد أن وزارته ستواصل سياسة التقشف بتخفيض الإنفاق الحكومي بنسبة (10%) بتقليل السفر والمؤتمرات وتشييد المباني الحكومية وشراء السيارات.
المحروقات ومافيا السوق
وبالنسبة لمحمد زايد عوض وزير النفط والغاز فإن زيادة أسعار المحروقات تأتي ضمن سياسة إعادة جدولة الدعم، لافتاً إلى أن الإصلاح لن يتحقق إلا بزيادة الإنتاجية، وقال الوزير إن وزارته اتخذت إجراءات فنية قبل أشهر قليلة أسهمت في زيادة إنتاج الغاز والجازولين بنسبة (17% ـ 30%) ونبه الى أن البلاد كانت تستورد (5) بواخر غاز شهرياً، تراجعت بعد تحرير سعر الغاز وزيادة إنتاج مصفاة الخرطوم إلى باخرة واحدة كل (25) يوماً، وعلى الرغم من حديث الوزير إلا أن مواطني ولاية الخرطوم ظلوا على الدوام يشكون وبشكل مستمر من ارتفاع أسعار الغاز وكشفت جولة لـ(اليوم التالي) في الأسبوع الماضي عن ارتفاع سعر أسطوانة الغاز من (100) إلى (110) جنيهات، وأرجع عدد من أصحاب محلات بيع الغاز هذه الزيادة إلى ارتفاع تكلفة الترحيل من مصفاة الخرطوم للبترول إلى داخل الولاية، وأبدى عدد من مواطني الولاية انزعاجهم من الزيادات المتكررة خلال فترات متقاربة في أسعار السلع الاستهلاكية التي لا يمكن الاستغناء عنها، على حد قولهم، من جانبه كشف الصادق الطيب رئيس اتحاد وكلاء وموزعي الغاز في حديث لـ(اليوم التالي) عن أن السعر الرسمي للغاز ارتفع من (80) إلى (85) جنيها بسبب زيادة المنصرفات من ترحيل وغيره.
تحرير دولار الدواء
وبعد أن قرر بنك السودان المركزي تطبيق سياسة الحافز الجديدة، القاضية برفع سعر الدولار بالبنوك التجارية والصرافات بنسبة (131%) قفز سعر الدولار في البنوك إلى (15.8) جنيها مقارنة بـ (6.5) جنيهات سعر البيع الرسمي سابقاً، قال الدكتور نصر مرقص رئيس شعبة الصيدليات، إن قرار تحرير سعر صرف الدواء سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار بنسبة (150%) وتوقع زيادة النسبة حال زيادة سعر الصرف بالسوق الموازي، وأضاف نصر في حديث سابق لـ(اليوم التالي) أن القرار سيؤدي إلى ندرة وشح في الدواء بالإضافة إلى خروج بعض شركات الاستيراد عن السوق بسبب نقص رأس مالها بأكثر من النصف، من جانبه، قال الدكتور ياسر ميرغني الأمين العام للجمعية السودانية لحماية المستهلك، لـ(اليوم التالي)، إن القرار مخالف للدستور وقانون الأدوية والسموم، لافتاً إلى رفض المحكمة الدستورية في وقت سابق طلبا بإلغاء مادة في القانون تحدد أسعار الدواء، مشيراً إلى أن تبعات القرار ستكون كارثية.
سمية أكد تترافع
وفي المقابل أفادت سمية إدريس أكد وزيرة الدولة بالصحة أن تحرير سعر الدولار المخصص للأدوية لا يعني تحرير أسعار الأدوية، وأشارت إلى أن تحرير سعر الصرف سيتزامن مع إلغاء كل الرسوم الحكومية المفروضة على الدواء، مبينة أن القرار يأتي للمحافظة على سوق الدواء بعد خروج شركات تصنع أدوية غير متوفرة بالداخل من البلاد لتذبذب سعر الصرف، وأكدت زيادة أصناف أدوية الطوارئ وإضافة أربعة أخرى من الأدوية غالية السعر لتوزع بالمجان على مرضى السرطان، كما ستكون أدوية مرضى الكلى الذين يخضعون للزراعة مجانية، فضلاً عن (10) تدخلات مجانية لمرضى القلب، وأكدت أن أدوية الأمراض المزمنة مثل الأونسلين لمرضى السكري ستكون أسعارها ثابتة، وقالت الوزيرة إن صندوق الإمدادات الطبية سيرفع ميزانيته لأنه يوفر نحو (54) صنفاً نادرا من الأدوية غالية الثمن.
مبررات البنك المركزي
وأكد بنك السودان المركزي إلغاء نسبة الــ(10%) من عائدات حاصل الصادرات غير البترولية المخصصة لاستيراد الدواء، لجهة أن الممارسة السابقة بينت أن السعر المدعوم للأدوية لا يستفيد منه المواطن، وقال البنك إن هذا الأمر ظهر من خلال بعض الممارسات التي تقوم بها بعض الجهات العاملة في مجال الدواء، مؤكدا أن الدولة ستواصل سياستها في أن يصل الدعم المباشر للقطاعات المستهدفة من خلال الاستمرار في التأمين الصحي وتوفير الأدوية المدرجة تحت مظلته، وتوقع الاستمرار في الاستيراد بكافة طرق الدفع لتوفير الأدوية بكل أنواعها، وبأسعار تقل من الأسعار السارية، ما يتيح استمرارية الوفرة لجميع أنواع الأدوية وانخفاض أسعارها، وشدد بنك السودان على أنه سيقتصر تمويل الأدوية، ليكون مباشرة من الشركات المستوردة ومصانع الأدوية المحلية للصيدليات من الفئة (B).
صعوبة الطريق وعجز المعيشة
حسنا، حزمة السياسات الاقتصادية التي أعلنتها الحكومة أصبحت واقعا من خلال دخولها حيز التنفيذ الذي ستعتريه كثير من العقبات، الأمر الذي دفع بدر الدين محمود وزير المالية والاقتصاد الوطني يؤكد أن وزارته ستواصل في طريق الإصلاح الاقتصادي رغم صعوبة الطريق ويتابع بالقول إن (أي إصلاح سيكون له ثمن) وينفي بشدة أن تكون حزمة الإجراءات بناء على توجيهات من البنك الدولي، موضحا أنها برامج للحكومة بدون ضغوط من أي جهة، وقال إن وزارته رأت أهمية الدخول إلى العام الجديد 2017م لتكون الموازنة أفضل من العام 2016م مؤكدا استهداف معدلات نمو في حدود (5.5%) للناتج المحلي الإجمالي، كما أوضح أن الموازنة تستهدف خفض معدلات التضخم وإصلاح سعر الصرف وترتيب جديد لسوق النقد الأجنبي وخفض فاتورة الاستيراد بمنع السلع غير الضرورية.. ولكن بعد أن أعلنت الحكومة عن حزمة السياسات الاقتصادية، وقررت زيادة الأجور والبدلات بنسبة 20% والتي كانت قبل الزيادة تغطي ما بين (16- 20%) من الاحتياجات الضرورية، يبقى السؤال المحوري هو من أين سيغطي العاملون بقية النفقات الضرورية؟

اليوم التالي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..