الإعلام السوداني ودوره بعد الاستفتاء

الإعلام السوداني ودوره بعد الاستفتاء
بروفيسر نبيل حامد حسن بشير
[email][email protected][/email] جامعة الجزيرة
30/12/2010
انعقدت بدار الزراعي بمدني يوم الأربعاء29/12/2010 ندوة محضورة تحت عنوان (دور الأعلام بعد الاستفتاء) و استضافها اتحاد المهندسين الزراعيين الذي يترأسه الباشمهندس/ عثمان امبابى، حيث تحدث فيها الزميل بجامعة الجزيرة الأستاذ/ أحمد كودي نائب عميد كلية علوم الاتصال بفداسى والأستاذ/ عبدالباقى الظافر والباشمهندس/ عثمان ميرغنى رئيس تحرير جريدة التيار والأستاذ/ إمام محمد إمام من صحيفة الشرق الأوسط. ركز الجميع على عملية الاستفتاء ومسؤولية من وفذلكة تاريخية عن تقرير المصير وعن الموقف السياسي الراهن وأكد الأستاذ/ عثمان على أن الانفصال (أمر واقع) ولا و مفر منه وقد صرح به كل رجالات الحكم بما فى ذلك السيد نائب الرئيس، وأن حدثت معجزة وصوت سكان الجنوب على الوحدة ستندلع الحرب مباشرة بواسطة ما لا يقل عن مائة ألف جندي يتبعون لجيش تحرير السودان الذين حاربوا طوال الفترة منذ العام 1983م حتى يحصلوا على (استقلال الجنوب). بل أكد البعض سودانيون وأجانب) أن الانفصال هو أفضل الحلول أو( أخف الأقدار) التي يمكن أن تواجه السودان الحديث حفاظا على الشمال والجنوب تحت ظل حكومتين مستقرتين ومتعاونتين.
كما قام البعض من الذين أعطوا الفرص للتعليق بالهجوم العنيف على حكومة المؤتمر الوطني ووجهوا التهم الى المؤتمر الوطنى بأنه السبب فى حدوث الانفصال وجعل الوحدة غير جاذبة، وانعدام الحريات. كما تحدثوا عن خطابات السيد رئيس الجمهورية بالعريباب ومدني والقضارف وجنوب دار فور وما جاء على لسانه من لحس الكوع وفرض القوانين الإسلامية والعروبة والحكومة القومية، مع منح مفاوضات دار فور بقطر 24 ساعة فقط لتصل الى اتفاق..الخ.
المهم في الأمر أن الجميع ركز على هذه الأمور وعلى دور الإعلام قبل الاستفتاء ولم بفتح الله على أي منهم ليحدثنا عن موضوع الندوة وهو دور الإعلام (بعد) الاستفتاء؟؟!!!! ولم يقم البروفيسر/ أحمد الطيب عبدالله مدير الحوار بلفت نظرهم لذلك أما البروفيسر وزير الإعلام الذي كان حضورا عندما قام للتعليق لم يلفت نظرهم بل فضا أن يقوم بالدفاع عن رموز الحكم والرد على من هاجموا الحكومة رغما عن اعترافه بأنه لا يتبع لحزبهم وبأنه ليس من (قبيلة السياسيين). السيد البروفيسر، أنت سياسي الآن بحكم الوظيفة. لم نسمع بوزير غير سياسي من قبل.
كنت أعتقد أن الندوة ستتعامل مع دور الإعلام بصفة عامة في الفترة التي تبدأ بعد 9 يناير 2011م الى أن نبعث. بمعنى آخر دور الإعلام في حالة بقاء السودان موحدا أو في حالة انفصال الجزء الجنوبي منه (500 ألف كم مربع) و حوالي 28% من سكانه. كنت أتوقع أن يتناولوا دور الإعلام منذ الاستقلال حتى تاريخ الاستفتاء والتركيز على عيوبه الواضحة للجميع التي أدت (كما جاء على لسان رئيس التحرير) الى الانفصال، وحماية البلاد من انفصال أقاليم أخرى.
عندما نتحدث عن الإعلام فنحن نتحدث عن الوزير ووزارته القومية و الولائية والمذياع القومي والخاص والصحف والتلفاز القومي والخاص وكل ما يقع تحت تعريف إعلام.
منذ استقلال السودان وجدنا الإعلام يركز على ثقافة الوسط أي من حدود كردفان حتى كسلا وشمالا حتى أبى حمد. تجاهل الإعلام مناطق الشمالية ودار فور وجبال النوبة والنيل الأزرق وشرق السودان والجنوب. أى أكثر من نصف السودان مساحة وثقافة وارث تاريخي. التهميش لا يعنى فقط انعدام التنمية، بل يعنى تهميش الثقافات والحضارات. فعندما أقوم بتشغيل المذياع أو التلفاز من حقي أن أجد نفسي به. لهجة أو لغة أو أغنية أو قصيده أو حوار أو تمثيلية أو على الأقل خبر. كل ما جادت به للإذاعة كان ممثلا في برنامج (في ربوع السودان)، والذي لا نعرف ما حدث له. كما يقوم الدكتور العلامة/ جعفر ميرغنى ببرنامجه البديع بتذكيرنا بأننا جزء من هذا البلد الذي نعشقه رغم (عقوقه) لنا بدليل أننا نسينا لغات ولهجات قبائلنا ولم نطالب حتى بإيجاد أو توفير حيز ولو صغير جدا لنا ولتراثنا ولغاتنا ولهجاتنا الضاربة في عمق التاريخ بالصحف أو الإذاعة أو التلفاز. هل يذكر أحدكم متى أذاعت (هنا أم درمان) أغنية جنوبية أو هدندوية أو بجاوية أو نوبية أو بلغة الفلاتة أو الهوسا..الخ (بالمناسبة الأخيرتان تشكلان عشيرة أكبر من عشيرة قبائل الجنوب مجتمعة. يعنى من الممكن أن يدعوا بأنهم أكبر قبيلة بالسودان!!).
أتوقع أن يركز الإعلام بصفة عامة بعد التاسع من يناير على الآتي:
أولا: التربية الوطنية للشعب بصفة عامة وغرس حب الوطن فيهم. كل مناهج المراحل التعليمية السودانية تفتقر الى ذلك. كما أننا الشعب الوحيد في العالم الذي يطلق على بلده اسم (الحفرة دى)!! التركيز على القومية السودانية بدلا عن العروبة والافربقانية.
ثانيا: إزالة الفوارق القبلية ونشر ثقافاتها والتوعية بها وتعريف الآخرين بتلك الثقافات والمحافظة عليها والتوثيق لها. يقودنا هذا الى توحيد الشعب السوداني وإذابة الفوارق.
ثالثا: نشر ثقافة العدل والمساواة والسلام وحب الآخرين وقبول الرأى والرأى الآخر بين أبناء الوطن الواحد رابعا: محاربة الجهل بكل أنواعه من الأمية حتى الجهل السياسي. الدعوة الى العلم وتشجيع البحث العلمي.مع الالتزام بالمنهج العلمي في كل شئ.
خامسا: التوجه الى المناطق المهشمة ولفت نظر متخذي القرار إليها ولمشاكلها وان أمكن تقديم الحلول بواسطة الخبراء الذين يتعامل معهم الإعلام والمحاولة الجادة للمساعدة في رفع الظلم عنها .
سادسا: محاربة الفساد على كل المستويات.
سابعا: الخروج من الأزمات في حالة الوحدة أو الانفصال يتطلب الإبداع وإتقان العمل. القفزات الاقتصادية فى الحالتين تتطلب الإبداع.
ثامنا: الأجيال الجديدة لابد من الاهتمام بها وقيادتها الى الطريق السوي دينيا ووطنيا وتعليميا وسياسيا واجتماعيا..الخ.
تاسعا: تقديم النصح الى الحكام على كل المستويات والبعد عن المهاترات واستخدام المصطلحات غير المقبولة والمستفزة للآخرين والارتفاع الى مستوى مناصبهم والبعد عن النظرة الدونية للآخرين وإبراز العضلات، فالأيام دول.
عاشرا: الدعوة الى الديموقراطية الحقة والبعد عن المسميات المزيفة والديمقراطية المزيفة التي تمارس الآن في كل الأحزاب (دون فرز). المطلوب بناء أحزاب حقيقية أو بناء أحزاب جديدة في حالة عدم تطوير الأحزاب الحالية لنفسها.
حادي عشر: العلاقات الخارجية لابد أن تقوم على مصلحة السودان أولا، والبعد أو النأي بأنفسنا عن كل ما يجر بلادنا الى المهاترات العربية أو الإفريقية وغيرها.
ثاني عشر: ديننا الإسلام لكن الدين لله والوطن للجميع.
ثالث عشر: جس نبض الشارع في إمكانية قيام كونفيدراليات بيننا وبين تشاد وأثيوبيا واريتريا وجيبوتي لتشابه مشاكلنا وقبائلنا وثقافاتنا.
هذه بعد النقاط التي كنت أود أن أجدها في الندوة أعلاه. عليه نرجو أن يقوم اتحادنا بدعوة ذات المتحدثين أو الأستاذ/ عثمان ميرغنى والأستاذ/ محجوب محمد صالح لتكملة الصورة مع تحياتي.