سبب رئيسي وراء الفساد الادارى والمالي

سبب رئيسي وراء الفساد الادارى والمالي
بروفيسر/ نبيل حامد حسن بشير
[email][email protected][/email] جامعة الجزيرة
3/11/2011
منذ أن بدأ نظام الحكم الحديث بالسودان وتم استيعاب موظفين للعمل بدواوين الحكومة كان هنالك تقليد معروف لكل من هو موظف دولة ، انتقل ذلك أيضا الى شركات القطاع الخاص والبنوك التي لها فروع بالأقاليم. هذا التقليد والذي لم يعترض عليه أحد طوال فترات تطبيقه إلا بعض المتضررين ماديا مثل كبار الأطباء، هو (نظام النقل الدوري) الى منطقة أخرى (مديرية أو محافظة أو ولاية) أو مدينة أو قرية على فترات تتراوح مابين 6 أشهر الى عامين أو ثلاثة. فنجد أن الموظف بدأ سلمه الوظيفي بمنطقة ما، غالبا ما تكون منطقة شدة، ثم نقل الى منطقة أخرى قد يتزوج فيها، ثم يرزق مولوده أو مولودته البكري/ البكرية بمنطقة ثالثة، وكل طفل من أطفاله قد يولد بمنطقة أو مدينة مختلفة. بل قد تتلقى الذرية تعليمها بعدة مناطق ومدارس داخل السودان قد تصل الى أربعة مناطق أو أكثر نتيجة نقل الوالد الى مكان جديد.
هل سألنا أنفسنا لماذا كل هذا التنقل ؟ وما هي ايجابياته أو سلبياته؟
كان الموظف يخطر النقلية في وقت معروف من أوقات السنة تظهر فيه النقليات وتجهز له تذاكر القطر ولأسرته إن كانت ستصاحبه منذ أول أيام النقلية. أو يذهب بمفرده أولا للإعداد للأسرة ويتسلم المنزل الحكومي ثم يعود لآخذ (العفش) بالقطار أو لوري أو كومر. في حالات كثيرة يذهب راكبا مصاحبا للعفش حتى لا يحدث ما لا يحمد عقباه. ثم يعود مرة ثالثة لأخذ الأسرة بعد أن يقدم للأبناء بالمدارس في منطقة النقلية ما لم يقم أهلة بتسفير الأسرة إليه ويستقبلهم هو بمحطة السكة حديد أو الباخرة بالجنوب بعد أن ينتقلوا من القطار الى الباخرة وصنادلها بميناء كوستى.
بعد كل هذا الجهد والصرف قد ينقل مرة أخرى بنهاية العام الى منطقة جديدة وقد تكون بعيدة كل البعد عن سابقتها وتبدأ رحلة النقلية من جديد ودون تبرم. كل نقلية عند وصول الأسرة الجديدة تبدأ احتفالات وعزائم وترحاب من كل البيوت المجاورة ومن الزملاء بالعمل وصوانى داخلة وصوانى خارجة..الخ مما يجعل الأسرة تشعر أنها لا زالت بين أهلها وتشعر بالآمن والاطمئنان.
بقاء الموظف بمكان واحد منذ تعيينه حتى بلوغه سن المعاش من أهم الأسباب التي تجعل الموظف العام يفسد ويفسد الآخرين. هنالك بؤر من الفساد في كل (أقول كل) المصالح الحكومية. هذه البؤرة عادة ما تكون مكونة من شبكة خبيثة تشبه مرض السرطان الخبيث من الموظفين الذين اتفقوا في ما بينهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة (عن طريق التستر على بعضهم) على نهب مؤسستهم أو شركتهم أو المواطن..الخ. وكلما بقى أعضاء تلك الشبكة معا لفترة أطول ازدادت معرفتهم يبعضهم وازدادت أعدادهم وكبر حجم نهبهم حتى يكفى الجميع، مع ازدياد وارتفاع الثقة بينهم، وتكبر الدائرة، وتتفنن في الأساليب، وتصبح (عصابة) بدلا عن شبكة صغيرة ولها فروع في الأماكن الأخرى داخل وخارج المصلحة أو المؤسسة أو الإدارة، بل تزداد خبرة وجرأة وتحاول أن تؤسس لها فروعا بالمركز والولايات أيضا.
الإغراء بالمال الوفير والسفريات والهدايا هو أحد الأساليب التي يتعرض لها الموظف من الجمهور ورجال المال والأعمال والشركات الضخمة…الخ. هؤلاء قد يضطرون الى رشوة هذه الفئات حتى تنجز أعمالها. بل أن بعضهم قبل أن يتحرك يستفسر ان كان هنالك من يستطيع أن يسهل له أموره داخل المؤسسة وأنه لن (يقصر معه ان شاءالله) وان شاء الله دى مهمة جدا!!. عادة ما تبدأ الشبكة الداخلية فى دراسة كل أفراد المؤسسة الذين يمسكون بمفاتيحها، ثم ترغيبهم ثم ان فشلوا يقومن بتضييق الخناق علي الموظف الجديد المنقول حديثا وأحيانا توريطه في سلفيات وصناديق وعمليات مشبوهة دون أن يضيعوا وقتهم معه. وبمرور الزمن يجد الموظف الجديد نفسه قد أصبح من كبار الموظفين معدومي الضمير والمفسدين. فى حالة غياب العقل
يمكن أن يحدث ما لا يحمد عقباه. بل أحيانا يبرر لنفسه مشروعية ما يأخذه وأنه هدية وأن صلى الله عليه وسلم قبل الهدية. أو قد يسميها تساهيل يوفرها هو (في وقته الخاص) أو شطارة أو أنه ينطلق من مبدأ فيد واستفيد، وغيرها من التبريرات التي لا تقنع أحد، وتقع أفعالة تحت طائلة القانون.
في كثير من الأحيان لا يستطيع تبرير ما يمتلكه والمظهر الحياتي والمعيشي الذي يعيش فيه غيره من البشر ، خاصة الأهل والجيران الذين يعرفون إمكانيات وظيفته فيدعى أنه ورث من والده أو من أحد أقربائه أو أنه قد قام ببيع قطعة أرض أو منزل العائلة وغيرها من التبريرات المفضوحة. ينسى سيادته أن ما نمى من سحت فالنار أولى به
النقل داخل مناطق السودان يوفر ثقافة مجانية عن المنطقة المنقول إليها. يتعرف على القبائل وعاداتها. على الطبيعة وجمالياتها. يوسع العلاقات بين الفرد والأسرة وبقية أفراد المجتمعات المنقول إليها. يساعد الموظف المنقول على اكتساب خبرات وطرق تفكير متعددة وإمكانيات متعددة وخيارات لحل المشاكل.
كما أن التنقل يجعل الموظف يحافظ على سمعته وسمعة أسرته في المجتمع الجديد حتى يترك سيرة جيدة عند مغادرته للمنطقة الجديدة وقد تسبقه سمعته الجيدة الى المنطقة المنقول إليها فيجد المزيد من الاحترام عندما يصل إليها، وبالتالي التعاون مع الجميع بالعمل وبالحي السكنى وستفتح له كل البيوت بالمنطقة الجديدة.
لكن مشكلتنا الأساسية يا حكومة ويا شؤون الأفراد (مركزيا وولائيا) البقاء لفترات طويلة بمنطقة واحدة منذ التعيين حتى المعاش له من المساوئ الى يصعب حصرها. منذ أن جاءت الإنقاذ قل عدد الموظفين الذين من المفترض أن يتنقلوا بين المدن داخل الولايات وبين الولايات. وأصبحت الولايات تقوم بتعيين أبناء وبنات الولاية.
الوساطات قللت من النقليات خاصة بعد أن ارتفعت نسبة الإناث (بالمناسبة بعضهن يقدن المجاميع الفاسدة) بين العاملين بالدولة وأغلبهن من المدرسات والحسابات وشؤون الأفراد والتمريض.
الكادر الحسابي وكادر شؤون الأفراد من الرجال أصبحا من الكوادر الثابتة أيضا، بل أصبحت ولائية، في أغلب المدن وهى الكوادر التي تقع عليها الإغراءات من الداخل ومن أصحاب الأموال. ينطبق ذات الشئ على العاملين بالبنوك والأراضي والمساحة.
المطلوب هو العودة الى نظام النقليات للأسباب الايجابية التي تصب في صالح المنقول ومنعا ودحرا للفساد والمفسدين حيث أن الوقت لن يسعف المفسدين لتكوين خلاياهم أو اكتساب ثقة الآخرين من المفسدين لعدم التعرف الكافي عليهم.
اللهم نسألك اللطف (آمين).