أقدم سائق قطار

الحديث مع رجل عرك الحياة وعرف دروبها ومسالكها وفجاجها عبر السفر والترحال عن طريق القطار، الذي يتيح لك فرصة التأمل ومتابعة مصائر الناس والأماكن التي يمر بها، لذا الحديث معه بمثابة شهادة وإفادة مهمة، خاصة إذا كان من ضمن المحظوظين الذين عملوا- كما قال في فترة العصر الذهبي للسكة حديد.
وعندما قررت محاورته وضعت في ذهني صوراً لمناظر عديدة وهو من ضمنها طريقة حديثة وتعبيراته، ووجدتني محظوظة لأن الصورة طابقت الواقع، فالرجل الى جانب مهارة قيادة القطارات كان عازفاً وموسيقياً بارعاً لأنه عمل مع فنان افريقيا الأول محمد وردي، من هو هذا الرجل وكان هذا السؤال فاتحة حوارنا معه

حاورته: نشوة أحمد الطيب

– فقال: أنا عيسى فهيم رستم، شهير بأبو عرب من مواليد الشجرة الحماداب 1943 من جذور تركية من جهة جدي لأبي، الذي استقر في السودان منذ مئات السنين، درست المراحل الأولية بالشجرة والحماداب ثم بمدرسة الأقباط في بحري ومدرسة كمبوني الخرطوم، بالإضافة إلى عملي كسائق قطار، كنت عازف إيقاع في فرقة الفنان الكبير الراحل محمد وردي.
*كيف بدأت العمل في عالم القطارات؟
– أذكر أنني طالعت إعلاناً في إحدى الصحف لشغل وظيفة مساح، وفي ذلك الوقت كنت طالباً في المدرسة، فقدمت للوظيفة وتم تعييني في الستينيات وبمرور الوقت صرت سائقاً للقطارات.
*كيف كان عالم السكة الحديد في ذلك الوقت؟
– العاملون منضبطون في مواعيد ولديهم ولاء للعمل، عندما يأتي الخواجة المفتش يخرج من جيبه منديلاً أبيض يمسح به على الكرنكه أو الوابور ليرى مدى نظافتها وإن وجد القليل من الزيت يعاقب العاملين بالجزاء.
*المواقف الصعبة التي مرت عليك بالسكة الحديد ماهي؟
– أذكر أننا ونحن قادمون بقطار بخار من الدمازين سنار اتقطعنا في محطة اسمها (خور دنيا) لمدة شهر، وكانت الطائرات تأتي من أعلى لترانا، وكنا نتغذى على ( الدردقو بالشطة) لمدة شهر كامل.
*والموقف الطريف؟
– أذكر أن الدكتور حسبو سليمان اختصاصي الأمراض النفسية والعقلية رحمه الله جاءنا زيارة في ورشة البخار القديمة في الصباح، وكان معنا السواقين والمفتشين وكل العاملين وكان يقف بجواري، ومن المعروف أن الوابور لديه 160 مربع هواء عندما يصل الى هذه الدرجة لديه فائض يخرج منه عبر (السفتي بلف) بصوت مزعج، وعندما أصدر السفتي بلف هذا الصوت قفز حسبو عالياً وأمسكنا به قبل أن يسقط على الأرض ويتأذى وهذا الموقف راسخ في ذاكرتي لا يفارقها أبداً.
*ماهي أسباب تدهور السكة الحديد الآن برأيك؟
-هي تعاني المشكلات بسبب الوابورات الصينية وهي لا تلائم بيئة العمل هنا، قديماً كنا نستخدم الوابورات الانجليزية، فالإنجليز هم من انشأوا هذه السكة، لذا جاءو بوابورات تلائم بيئة العمل القاسية في السودان، فهي ذات صناعة جيدة وكفاءة عالية وقدرات هائلة والقطارات الموجودة الآن ضعيفة، وأنا أقول هذا من خلال خبرتي الواسعة.
*كيف رحلات القطارات وماهي أشهر المحطات آنذاك؟
– ممتعة جداً ورائعة وكل المحطات جميلة، لأن السودان جميل بطبعه، ولكن هناك محطات كبيرة ومشهورة مثل محطة المسيد والحيصاحيصا وود مدني والحاج عبدالله، ومحطة سنار وكوستي وتندلتي وأم روابة ومحطة الرهد ونيالا والدمازين ووادي النيل وغيرها.
*مواقف لن تنساها في هذه المهنة؟
– في رحلة لنا من الدمازين صادفنا سيلاً جارفاً اقتلع السكة الحديد، ولولا عناية الله لأصبحنا في خبر كان.
*يقال إن السكة الحديد انتهى عهدها الآن ماذا تقول أنت كخبير في هذا؟
-عدم الكفاءة دائماً ما تؤدي الى نتائج كارثية، والمؤسف أن كل وابورات البخار القديمة واستخدامها كمعروضات وتحف بالمتحف بمدينة عطبرة ويعد هذا خطأ فادحاً وكبيراً أنها وابورات متينة قابلة للصيانه والعمل مرة أخرى، وهي أفضل من المستوردة حالياً.
*المواعيد واحدة من مميزات القطار؟
– نعم فقد كان الانضباط ميزة فقد كان المسافر يضبط ساعته على زمن تحرك القطار لشدة انضباطه، وخروج الرحلات في مواعيدها، ولكن أنظروا للتأخير اليوم فلا توجد مقارنة كما تم قفل كل ورش الصيانة القديمة مكان العمارات اليوم في شارع الغابة.

اخر لحظة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..