العاهل السعودي: الإصلاح مؤلم ولكنه ضروري

الملك سلمان بن عبدالعزيز، عاهل المملكة العربية السعودية يقطع الشك باليقين بشأن مضي بلاده في تنفيذ الخيارات الكبرى على طريق الإصلاح، الذي يعتبر وفق متابعين للشأن السعودي، انعكاسا لمرونة العقل السياسي القائد للبلد وقدرته على التكيف مع المتغيرات.
العرب
الرياض – وصف العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز الإجراءات الاقتصادية التي تتخذها المملكة لإعادة هيكلة اقتصادها بما يتلاءم مع ظروف تراجع أسعار النفط بـ”المؤلمة”، معتبرا في ذات الوقت أنها ضرورية لتفادي تعرض البلاد لضرر على المدى الطويل.
ويأتي كلام الملك سلمان في وقت تُقبل فيه بلاده على دخول مرحلة من الإصلاح يتم التركيز فيها بشكل رئيسي على الاقتصاد في نطاق «رؤية السعودية 2030» كأكبر مشروع لتنويع الدخل والفكاك من الارتهان لقطاع النفط، لكن تلك الإصلاحات لن تستثني، وفق تقديرات متابعين للشأن السعودي مجالات أخرى اجتماعية ودينية.
وتجد سياسة الإصلاح التي تنتهجها المملكة استحسانا في الداخل والخارج باعتبارها «انعكاسا للمرونة التي يتميز بها العقل السياسي لهذه الدولة الخليجية المهمة في محيطها وقدرته على التكيف مع المتغيرات»، بحسب أحد المعلّقين الغربيين على التوجّه الإصلاحي السعودي.
كما تطمئن الإصلاحات كبار الشركاء الدوليين المهتمين بهذه الدولة الغنية والمستقرة وما تتيحه لهم من فرص واعدة.
وفي كلمة ألقاها في افتتاح أعمال السنة الأولى من الدورة السابعة لمجلس الشورى بمقر المجلس في العاصمة الرياض، عرض الملك سلمان لعدد من القضايا من بينها الصرامة في مواجهة التشدّد الديني، والإصرار على إعادة الأمن والاستقرار لليمن ومنع تحوّله مدخلا للتهديدات الأجنبية، في إشارة ضمنية لتربّص إيران بدول المنطقة باستخدام أذرع لها على غرار جماعة الحوثي في اليمن.
وقال الملك سلمان إن الرياض لن تسمح بأن يصبح اليمن «مقرا أو ممرا لأي دول أو جهات تستهدف أمن المملكة»، معتبرا أنّ «أمن اليمن الجار العزيز من أمن المملكة، ولن نقبل بأي تدخل في شؤونه الداخلية أو ما يؤثر على الشرعية فيه، أو يجعله مقرا أو ممرا لأي دول أو جهات تستهدف أمن المملكة والمنطقة والنيل من استقرارها».
وتتهم جهات خليجية وعربية باستمرار طهران وحزب الله اللبناني بتقديم المساعدات العسكرية للمتمردين الحوثيين في اليمن الذين يسيطرون على العاصمة صنعاء.
ولم يغلق الملك سلمان باب الحلّ السلمي في اليمن مشدّدا على أن الرياض ترغب في حل سياسي للأزمة اليمنية استنادا إلى قرار مجلس الأمن رقم 2216.
وتقود السعودية بمشاركة أساسية من دولة الإمارات العربية المتحدة تحالفا مساندا للسلطات الشرعية اليمنية، يتولى التصدي للمتمرّدين الحوثيين وحليفهم الرئيس السابق علي عبدالله صالح، كما يعمل بالتوازي مع ذلك على التصدي لتنظيمي القاعدة وداعش لمنع تركيز قديميها في اليمن.
التوجه الإصلاحي يجلب للسعودية ثقة كبار الشركاء الدوليين المهتمين بتمتين شراكتهم مع هذه الدولة الغنية
وفي إطار حديثه أيضا عن سياسة بلاده الخارجية، أكد الملك سلمان «أن خيار الحل السياسي للأزمات الدولية هو الأمثل لتحقيق تطلعات الشعوب نحو السلام».
وعلى صعيد مواجهة الإرهاب، قال «لن نسمح لكائن من كان من التنظيمات الإرهابية أو من يقف وراءها أن يستغل أبناء شعبنا لتحقيق أهداف مشبوهة في بلادنا أو في العالمين العربي والإسلامي».
وأعرب عن تفاؤله «بغد أفضل»، وذلك «رغم ما تمر به منطقتنا العربية من مآس وقتل وتهجير».
وعلى صعيد سياسة بلاده الداخلية، قال إن «سياستنا الداخلية تقوم على ركائز أساسية تتمثل في حفظ الأمن وتحقيق الاستقرار والرخاء في بلادنا، وتنويع مصادر الدخل، ورفع إنتاجية المجتمع».
وفي الشأن الاقتصادي قال العاهل السعودي إنّ الدولة سعت «إلى التعامل مع المتغيرات بما لا يؤثر على ما تتطلع إلى تحقيقه من أهداف وذلك من خلال اتخاذ إجراءات متنوعة لإعادة هيكلة الاقتصاد. قد يكون بعضها مؤلم مرحليا إلاّ أنها تهدف إلى حماية اقتصاد البلاد من مشاكل أسوأ في ما لو تأخرنا في ذلك».
وأضاف قائلا «لقد مر على بلادنا خلال العقود الثلاثة الماضية ظروف مماثلة اضطرت فيها الدولة لتقليص نفقاتها ولكنها خرجت منها -ولله الحمد- باقتصاد قوي ونمو متزايد ومستمر.. وإصلاحاتنا الاقتصادية اليوم انطلقنا فيها من استشراف المستقبل والاستعداد له في وقت مبكر قبل حدوث الأزمات».
كما تطرق العاهل السعودي في خطابه إلى الخطة الاقتصادية الطموحة «رؤية السعودية 2030»، التي أطلقت في أبريل الماضي، وتهدف الى تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط في ظل التراجع الذي تشهده أسعاره منذ منتصف العام 2014.
وقال «العالم يمر بتقلبات اقتصادية شديدة عانت منها معظم دول العالم وأدت إلى ضعف بالنمو، وانخفاض في أسعار النفط».
وعُدّ خطاب العاهل السعودي أمس أمام مجلس الشورى بمثابة خارطة طريق تتضمّن المعالم الكبرى لسياسة المملكة في السنوات القادمة.
يذكر أن الملك سلمان أصدر في الثاني من ديسمبر الجاري، أمرا ملكيا أعاد بمقتضاه تشكيل مجلس الشورى، في دورته الجديدة، التي تبلغ 4 سنوات، وعين بموجبه أعضاء جددا قارب عددهم نصف عدد أعضاء المجلس.