الهبوط الآمن

مع الأحداث
الهبوط الآمن
بابكر عيسى
[email][email protected][/email]
لقاء الدوحة التفاكري الذي عُقد بمشاركة خمسين مُثقفًا ومُفكِّرًا سودانيًّا خلال الفترة من 22 إلى 24 سبتمبر الحالي وضع إصبعه على الجرح، وشخَّص الحالة السودانية الراهنة باعتبارها حالة مُلتهبة قد تقود إلى «تفتيت الوطن وتقطيع أوصاله» كما حدّد التشوّهات التي قادت إلى انفصال الجنوب وتواصل الحرب الأهليّة في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان وتزايد الاحتقان في الشرق، إضافة إلى تصاعد حدّة الاستقطاب السياسيّ والإثني وتفاقُم الأزمة الاقتصاديّة التي وصلت إلى مستوىً فوق طاقة احتمال المواطن البسيط.
السودان بات طائرة مخطوفة ومحمّلة بالأزمات الخانقة التي تهدّد بالانفجار في أيّ مرحلة من المراحل، وقد يكون انفجارًا عفويًا بسبب الضغوطات المُتزايدة دون أن يكون لقوى المعارضة أيُّ دور في هذا الانفجار، وهو بهذه الطبيعة سيكون فوضويًا تحرّكه عوامل الحقد والكراهية وسيكون نموذجًا لثورات الفقراء التي شهدتها العديد من الدول في أمريكا اللاتينيّة، وقياسًا بالربيع العربيّ سيكون النموذج السوريّ هو الأقرب إلى الحالة السودانيّة خاصّة مع تزايد أعداد قطع السلاح في أيدي المواطنين.
لقاء الدوحة التفاكريّ الذي تيقّن أن الحلول الجزئيّة للأزمات لن تقود في أحسن الظروف إلى الحلّ الشامل وجّه النداء إلى أهل السودان وأحسب أن اللقاء قد أخطأ العنوان، فالصحيح هو أن يُوجَّه هذا النداء إلى السيد رئيس الجمهوريّة المشير عمر حسن البشير وإلى حكومة الإنقاذ وإلى المؤتمر الوطنيّ الحاكم بأمره في السودان، وأن الروشتة التي أعدّها اللقاء لمعالجة أوجاع السودان والحفاظ على ما تبقّى منه يجب أن تُرسل على جناح السرعة إلى القصر الجمهوريّ في الخرطوم، لأن مخاطبة أيّ قوى سياسيّة غير القوّة المتنفّذة في العاصمة السودانيّة هي مُحاولة يائسة لتغطية عين الشمس بغِرْبال.
مُخْتطفو الطائرة السودانيّة هم المطالبون بإصلاح كافّة ما تسبّبوا فيه من خسائر وفواجع للوطن وعليهم العمل لإيجاد مخارج من هذه الورطة التي يعيشها السودان قبل أن تحدث حالة التشظِّي التي لن تبقي ولن تذر وعليهم العمل من نقطة الصفر لبناء دولة المواطنة وتحقيق السلام وتحقيق التحوّل الديمقراطيّ وجعل السودان وطنًا لكلّ أهله وليس حكرًا على فئة محدودة منه.
«الهبوط الآمن» للطائرة المُختطفة يستوجب مساءلة جميع القراصنة سواء الذين هم على متن الطائرة أو أولئك الذين غادروها وكانوا قد هيّأوا الأسباب لاكتمال الاختطاف، فالجريمة متعدّدة المراحل، وكل مرحلة من المراحل تستوجب ألا يعمل بمبدأ «عفا الله عمّا سلف»، فقد قاد إعمال هذا المبدأ إلى تراكم الجرائم في حقّ الوطن وفي حقّ مواطنيه.
ولابد من إعمال مبدأ المساءلة والحساب واسترداد ما نُهب من المال العام وإصلاح الخراب الذي شاب مؤسسات الدولة، والاعتذار لكلّ الذين أصابهم الضرر تحت ظلّ هذا النظام وتعويض المتضرّرين من الجرائم الفرديّة والجرائم الجماعيّة وإغفال ذلك لن يقود إلى حالة التنفيس المطلوبة.
لا أحد من أهل السودان سواء أكان في الحكم أو في المعارضة يريد لهذا الوطن أن يتحوّل إلى شظايا أو أن يرتطم بالواقع البائس الذي يعيشه أهله، ولهذا فإن اعتماد «نداء أهل السودان» الذي أطلقه لقاء الدوحة التفاكري الثاني كخريطة طريق يتمّ الاسترشاد بها للخروج من المأزِق الراهن يشكل أحد الحلول الممكنة وعلى القابضين على رسن السلطة أن يقرؤوا بتمعُّن حتى يحقّقوا للطائرة المخطوفة هبوطًا آمنًا.