الكتابة عن التعذيب

الكتابة عن التعذيب
عثمان عبدالله
مايميز الكتابة كإبداع إنساني ، وكتأرخة إن جوهرها هو تعبير مقصود لذاته ،لأنه يتحدث عن الإنسان المقهور المغلوب علي أمره، الإنسان المهان في روحه وجسده ، الإنسان الذي تتحكم حياته وأمنه ومعاشه اليومي قوي الظلم والطغيان.
وهي بذلك تكون آداة ضرورية وهامة من أجل قضية الحرية والديموقراطية، وبهذا المفهوم ترتقي أقانيم الحياة كلها، انها من أجل الإنسان ونموه المزدهر، ولذي يمكن وصفها بأنها إحدي المنارات الباهرة السطوع فيالحياة الإنسانية برمتها .
والكتابة بالنسبة لنا ــ معشر المتعلمين السودانيين ــ في درجة عالية جداَ من الصعوبة والرهق المعنوي وتوضع ــ فالغالب الأعم ــ في ذيل إهتماماتنا ، فقد وصفها الأستاذ/ نقد في مقدمة كتابه التوثيقي (علاقات الرق في المجتمع السوداني) بـــ (الدق ذاته)إستناداَ علي المقولة المتداولة والتي تستصعب القرأة ( القراية أم دق) . تخوفنا الجمعي من هذا (الدق) أي الكتابة آثرنا المشافهة ، جيل بعد جيل والمشافهة ممارسة أو عادة سالبة ، أضاعت علينا وعلي الأجيال السابقة والقادمة كنوزاَ معرفية وتراث قيًم دفن في لحود الأجداد ?
هذا عن الكتابة بإطلاقها أما الكتابة عن التعذيب فهي من أكثر أصناف الكتابة صعوبة ،ــ حتي للمحترفين من الكُتاب ــ وذلك لأسباب عدة ، منها الموضوعي والذاتي . فالكتابة عما تعرض له هؤلاء ، اوتفاصيل ما حدث لهم في بيوت الأشباح سيئة الصيت ، الكتابة عن تلك الأيام الكالحة أشبه مايوصف به هو زفير الهواء الحامض من صدر مسلول أو استفراغ المادة الصفراء للمصاب بالملاريا ? وتكون بذلك في مقام الواجب الثقيل والمنهك فعلاَ .
عند مناقشتي لعدد من الأخوه الذين مروا بتلك التجارب القاسية والمريرة محاولاَ إقناعهم بضرورة وأهمية الكتابة وتوثيق تجاربهم ، وجدت أن عدم أستجابة معظمهم يرجع لسببين : ـــ
1/ ان الكتابة ورواية ماحدث في بيوت الأشباح تنبش وتنكأ جرحاَ إنسانياَ غائراَفي الصدور ، يودون أن يندمل بمرور الأيام بالصمت الكثيف ومحاولة التناسي .
2/ هناك تفاصيل مما حدث تندرج تحت طائلة خدش الحياء حسب التقاليد والعرف السوداني وعفة اللسان والمسلك تحول دون ذلك خاصة خاصة لدي أعمامنا ــ كبار السن والمقام أيضاَ .
في إعتقادي أن الوسيلة الناجعة لأيقاف خدش الحياء وإجتثاثها منجذور مجتمعنا هو كشفها أولا وفضح مرتكبيها، فالذي يمارس خدش الحياء مع من هوفي سن أبيه ،ليس جديراَ بالإنتماء لهذا الوطن المتسامح، بل ليس جديراَ بالحياة كلها علي لانه ــ وبإختصارــ جرثومة ملوثة للبيئة الإنسانية .
أحد أعمامنا من الذين تعرضوا لتعذيب وحشي/همجي/ قرنأوسطي في بيوت الأشباح ومن الرافضين لكتابة التجربة، قال لي ياأخي في حاجات لابتتكتب ولا يتتحكي مثلاَ انا في بداية الأستجواب سألني (الشافع) ــ يقصد ضابط الامن ــ عن الحالة الإجتماعية فأجبته :
ــــ متزوج ولي سبعة أولاد وبنات . فتصرف معي تصرفاً غير لائق
هذا نموذج واحد من (قلة الأدب) ، صدقوني أنني عانيت كثيراََ لـــ (جرجرة ) هذه الحروف العصية علي أقلامنا ــ كسودانيين أولاد بلد لنا أمهات وأخوات وبنات و? ــ فلهم ولكم جميعاَ العتبي علي هذه الضرورة الإستثنائية التي فرضت ــ أنياَ ــ هذا المحظور العرفي .
التحية والإكبار والإجلال في هذا المقام لكل الأرواح النقية التي ارتحلت عن دنيانا حاملة كل هذة الجراحات والمرارات ، دون أن يجدوا لحظة للبوح ناهيك عن الكتابة والتدوين،مليون سلام:د.علي فضل، علي الماحي ، عبدالمنعم /رحمة ،سليمان ،مرغني محمد شريف ، محمدعبدالسلام? وكل شهداء الحرية والديمقراطية والرأي الفصيح في ربي وسهول وجبال الوطن الفسيح .
نواصل
الميدان
هذا هو الجرح الذي كلما نكأه أحد ينتاب المرء شعور الغضب و القهر حد البكاء …. هذا هو الجرح النغار الذي يجعل من كابده أو عايش من كابده كأخ أو صديق أو جار أو حتى أحد المعارف يجعله يشعر ببؤس الخطاب المتدثر بالدين و يستعيد قول أحد النابهين (حيدر المكاشفي) في القوم أن كلامهم فساء و يحسبونه ريح مسك … ألا لعن الله كل من عذب أو مهد للتعذيب أو برر للتعذيب أو صنع المناخ الذي يكون فيه التعذيب ممكن … خسأ الجلادين و شاهت وجوههم و لعنهم التاريخ … المجد للصامدين و الشهداء في تلك البيوت السيئة التي تشبه أهلها كما تشبه بيوت الدعارة الداعرين و الداعرات .
السكوت عن جرائم التعذيب جريمة ،، يجب فضح كل الأساليب خاصة اللااخلاقية والإغتصاب حتى تعرف الناس نوعية من يقومون او يوجهون بهده الأساليب ،،، قيل ان الأشخاص الذين يقومون بالتعذيب يأتون إليك في يوم إطلاق سراحك ويطلب منك العفو لما فعلوه معك !!!
أود أن ألفت إنتباه القراء بشكل عام وبشكل خاص ضحايا مثل هذه الاعتداءت المؤلمة وكذلك كافة الجهات الخيّرة التي تختص برصدها ومعالجتها إلى الموقع الإلكتروني لـ ?مركز علاج الصدمات النفسية عن طريق الإنترنت? في ألمانيا والذي يقدم خدماته باللغة العربية لمعالجة الضحايا مجانا
ilajnafsy.org