إعادة كتابة

رأي

إعادة كتابة

أمير تاج السر

بالرغم من عدم اقتناعي السابق الذي كتبته عدة مرات، من جدوى إعادة كتابة الأعمال المنشورة، إلا أنني أحسست بأن روايتي صيد الحضرمية، المكتوبة منذ أكثر من عشرة أعوام، تستحق إعادة كتابتها، لما تحويه من أفكار مهمة، ربما أضاعتها سطوة الشعر التي كانت مسيطرة. هذا مقطع من الكتابة الجديدة:
غاص العمدة في سكة الاستفسار أكثر، وقد أحس بأعراض مرض عرق النسا الموروثة في عائلته، تزحف على ظهره ووركه اليمنى بلا هوادة، كان يعرف آداب التسمية وإنشاء الألقاب في البلدة، معرفة كبيرة، وشارك منذ صباه المبكر في تلقيب الكثيرين، ممن أصبحوا الآن يعيشون في المجتمع وقد نسي الناس أسماءهم الحقيقية: الخنفس، وجملكة، والغراب، وشجرة الدوم، وكلب الحر، وغيرهم، هؤلاء من إنجازاته التلقيبية التي لم يهزها الزمن. يعرف أن حبكة اللقب في حد ذاتها، أهم من شرب الماء، للذي يريد أن يلقب أحدا، ويعرف أيضا أن لقبا وارفا وظليلا كسكر البيت لا يمكن أن يمنح لواحدة مثل حورية أزرق خلطة الغجر بالحضارم، وصانعة المشاكل، حتى لو جاء في مرسوم حكومي، كان العمدة متزوجا من منصبه العمودي منذ كانت البلدة مجرد غبار ورمل وحصى، وسكانها مجرد رحل بادين، لا يعرفون عن الإعمار شيئا، ومقبلا على الزواج الأصعب والأرقى، من منصب أرفع شأنا في اللجان الشعبية الحكومية في إقليمه، سيتيح له السكنى في المدينة، والتمتع بما تبقى له من عمر، وكان وجود لقب هام كهذا في بلدته، وحول عينيه وأذنيه من دون أن يعلم به، أو يوقع شخصيا على استخدامه، حتى من باب الذوق والأدب، يعد نقيصة قد تؤثر على عافيته الخاصة، ومزاجه الذي يطمح لجعله صافيا في أي وقت، وزواجه المرتقب من منصب اللجنة الشعبية الحكومية، في رئاسة الإقليم.
قال المستشارون، بصدق الذين قد تفوتهم شاردة، أو واردة، ولا يلحقونها:
– لا ندري جناب العمدة، صحونا في أحد الصباحات ووجدناها سكر البيت، وكنا نظنك تعرف.
ثم التفتوا للفارس الغريب، تحلقوا من حوله، وابتدأوا يلحسون غرابته.
الآن صابر علي، عمدة البلدة، مبعثر الدم بصدق، ومستغرب إلى حد متعة الحساد. يراجع في ذهنه تلك النبوءة التي صدقت، ولا يعرف كيف حدث ذلك. تراجع استياؤه من الغريب، وابتدأ يفكر بجدية، في اتباع خط النبوءة، وتزويج الرجل من معشوقته التي جاء من أجلها، سيرسل في طلب الحضرمية التي كانت وليت أمر نفسها، سيتأكد من رد فعلها أولا، ويحاول إقناعها بنفسه، إن تفهت من شأن الغريب، أو افتعلت معركة ربما يراق فيها دم. كان الغريب قد بعثر مخلاته الكبيرة، أخرج منها ما تبقى من أغراض، وكانت ثوبا أبيض مغسولا بإتقان، وعدة خناجر لامعة، يبعث مرآها القشعريرة، كان ثمة خبز يابس، وجراب من جلد الماعز، ينز منه الماء، صرخ في أتباعه أن يذهبوا به ليغتسل أولا، ثم يطعموه ويجهزوه، ويخبئوا خناجره التي لا مجال لوجودها في مكان، ربما يشهد اليوم جلسة فرح. كان الغريب مطيعا، وتفهم بعمق، لكنه لم ينس أن يشهق وهو يغادر: يا سكر البيت.

الصحافة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..