السودان ومبادرة حوض النيل وحديثو العهد بالقوانين الدوليّة

السودان ومبادرة حوض النيل وحديثو العهد بالقوانين الدوليّة
د. سلمان محمد أحمد ٍسلمان
1
الدكتور محمود أبو زيد وزيرٌ سابقٌ للري والموارد المائية بمصر. عمل وزيراً خلال فترةٍ متقاربة للفترة التي عمل فيها المهندس كمال علي وزيراً للري والموارد المائية في السودان. وقد كان الرجلان الممثلين لبلاديهما منذ البداية في مبادرة حوض النيل. وقد التقيتهما مراراً خصوصاً أثناء زياراتهما للبنك الدولي في واشنطن.
غير أن الدكتور محمود أبو زيد عَبَرَ المياه المحلية إلى أخرى إقليمية ودولية. فقد تمّ انتخابه في بداية هذا القرن رئيساً للمجلس العالمي للمياه. وهذا المجلس هو الهيئة الأولى المعنيّة بالموارد المائية في العالم، وهو الذي ينظّم المنتدى العالمي للمياه والذي يُعقد كل ثلاثة أعوام، وقد حضر مؤتمر عام 2012 قرابة الأربعين ألف شخص. والمجلس يصدر دوريّة “سياسات المياه” وهي إحدى أبرز الدوريات الأكاديمية في هذا المجال في العالم (أنا أحد أعضاء المجلس الاستشاري لتحريرها). والدكتور أبو زيد هو أيضاً رئيسٌ سابقٌ للجمعية الدولية لمصادر المياه، والرئيس الحالي للمجلس العربي للمياه.
2
اتصل بي الدكتور أبو زيد في شهر يونيو عام 2011 ليخبرني أن المجلس العربي للمياه سوف يُنظّم المنتدى العربي الثالث للمياه في القاهرة في شهر نوفمبر عام 2011، وأنهم وضعوا إسمي كأحد المتحدثين الرئيسيين في المنتدى. كما أخبرني أن ورشة عمل ستُعقد بعد المنتدى وأنني سأكون أحد الذين سيقومون بالتدريس فيها. شكرته على الدعوة وأخبرته أن لديّ عدة التزامات في ذلك الشهر وأنني سوف أحاول أن أعدّل توقيتها. ردّ عليّ الدكتور أبو زيد بمزيدٍ من الإصرار على الحضور وضرورة تعديل وقت التزاماتي الأخرى.
بعد أسابيع تلقيت مكالمةً هاتفيةً من الدكتور أبو زيد. كان يريد أن يطمئن على أنني قد نجحت في تعديل جدول التزاماتي وأنني سوف أحضر المنتدى والورشة. كانت سعادته بالغةً وواضحة عندما أكّدت له حضوري. قال لي إن المنتدى هو مؤتمرٌ عربيٌ للمياه، ولا معنى له إن لم يحضره خبراء المياه العرب. شكرته على كلماته الطيّبة وعلق بذهني أنه كان يمكن للدكتور أبو زيد أن يترك أمر دعوتي ومتابعتها لأحد موظفي المجلس العربي للمياه، ولكنه آثر أن يكتب لي ويهاتفني بنفسه مراراً وتكراراً.
3
وصلتُ القاهرة في نوفمبر الماضي وحضرتُ المنتدى وكنتُ المتحدث الرئيسي عن التطورات في قوانين المياه الدولية. وتحدثتُ في ورشة العمل عن الإطار القانوني لمؤسسات أحواض الأنهار ودورها في تحقيق التعاون. وقد كان اهتمام المجلس العربي للمياه واهتمام الدكتور أبو زيد بي كبيراً أخجل تواضعي.
كان الحضور للمنتدى والورشة مكثّفاً ومن كل الدول العربية وشمل عدداً من وزراء المياه العرب. تحدثتُ مع عددٍ كبيرٍ من الحضور وطلب الكثيرون منهم عوني في عدة مسائل تتعلّق بقوانين وسياسات المياه، بعضها كانت مسائل وطنية والأخرى إقليمية. وقد وعدتهم خيراً وبدأ سيلٌ من الطلبات في الوصول إليّ، وأخذ وما زال يأخذ الكثير من وقتي وجهدي. غير أني سعدت به كثيراً.
ولكنّ الملاحظة الأساسية عن المنتدى وورشة العمل كانت غياب التمثيل الرسمي للسودان. فلم يكن هناك وزيرٌ أو أي مسؤولٍ رسمي بالمنتدى أو ورشة العمل. وقد حضر المنتدى ثلاثة سودانيون هم السيد الإمام الصادق المهدي والدكتور فيصل خضر وأنا، وليس لأيٍ منا أية صفةٌ رسمية. وقد كنتُ أنا السوداني الوحيد في ورشة العمل.
لماذا لم يحضر المنتدى والورشة أي مندوبٍ للحكومة والمؤسسات الأكاديمية السودانية؟ أين كان السيد الوزير كمال علي (وقد كان وقتها ما يزال وزيراً)، وأين كان ممثلو وزارة الري ومستشارهم القانوني د. المفتي؟ إنني لم التقِ د. المفتي إطلاقاً في أيٍ من المؤتمرات الدولية والإقليمية عن الموارد المائية التي حضرتُها خلال العشرين عاماً الماضيةً، والسبب أنه لم يحضر أياً من هذه المؤتمرات. وكما سنناقش في مقالٍ لاحق، فإن الغياب عن ساحات مؤتمرات المياه الدولية قد حرم المفاوض السوداني من عنصرٍ هامٍ من عناصر المعرفة، ومن الاطلاع على ما يجري على الساحة الدولية وكيف يفكر بقية العالم، ومن إمكانية تطوير قدراتهم التفاوضية.
بعد نهاية المنتدى والورشة التقيت بالدكتور أبو زيد على وجبة الإفطار. تحدثنا عن التطورات في القانون الدولي للمياه وعن مبادرة حوض النيل واتفاقية الإطار التعاوني (اتفاقية عنتبي) والمشاكل العالقة. اتفقنا على مسائل واختلفنا على أخرى، ولكن كان الاحترام المتبادل هو المظلة التي جمعتنا أيام المنتدى والورشة وفي ذلك اللقاء.
4
علقتْ بذهني كلمات الدكتور محمود أبو زيد الطيّبة وإصراره على حضوري المنتدى والورشة وتقديم محاضرةٍ في كلٍ منهما، ومتابعته لدعوته لي واهتمامه الكبير بي أثناء المنتدى. تذكرتُ كل ذلك الأسبوع الماضي وأنا أقرأ كلمات المهندس كمال علي في المقدمة التي أسماها بالهامة لمقاله الذي قام فيه بالردّ عليّ ونشره في عددٍ من الصحف والمواقع الالكترونية. وقد ذكر المهندس كمال علي في تلك المقدمة “الهامة” وبالحرف الواحد الآتي:
“لقد برزت في الآونة الأخيرة أشياء غريبة غير مألوفة منها أن حديثي العهد بالقوانين الدولية جعلوا من أنفسهم خبراء عالميين وكل حصيلة إنجازهم أنهم يقومون بنقل القوانين والإتفاقيات القائمة نقل مسطرة ويملأون بها الصفحات.”
حزنتُ كثيراً لهذه الفقرة الموجّهة ضدي. حزنتُ لبلادي ولوزارة الموارد المائية فيها. فالسيد كمال علي الذي عمل وزيراً للمياه في الفترة التي عملتُ فيها أنا في البنك الدولي لم يكن يدري على ما يبدو أن أحد أبناء وطنه قد تمّ اختياره لأول مرة في تاريخ البنك الدولي مستشاراً لقوانين المياه بالبنك. ولم يكن السيد الوزير يدري ما أنجز ابن وطنه هذا من الكتب والمقالات والتدريس في الجامعات في أوروبا وأمريكا على مدى عشرين عاماً. وقد كان الشيئ المُتوقّع من المهندس كمال علي بحكم مهنته وموقعه أن يكون أول العارفين وأول المحتفلين بي.
حزنتُ كثيراً وتساءلتُ: ترى ماذا سيقول الأربع وعشرون طالباً الذين قمتُ بتدريسهم في صيف عام 2001 في أكاديمية لاهاي للقانون الدولي بهولندا عندما كان معظمهم يكمل بحثه لرسالة الدكتوراه في قوانين المياه الدولية بمساعدتي؟ معظم هؤلاء أكمل بحثه ويعمل الآن بروفيسور في إحدى الجامعات. وماذا ياترى ستكون ردة فعلهم إن سمعوا بما قاله وزير الموارد المائية السابق في السودان عن أن أستاذهم في قوانين المياه الدولية قبل أكثر من عشرة أعوامٍ من حديثي العهد بالقانون الدولي؟
5
لكنني حزنتُ أكثر وأنا أقارن كلمات السيد كمال علي برسائل وكلمات الدكتور محمود أبو زيد وإلحاحه على حضوري المنتدى العربي وورشة العمل، وعلى تقديمي المحاضرة الرئيسية عن القانون الدولي للمياه. كان اهتمام الدكتور أبوزيد والمجلس العربي للمياه بي كبيراً، وكان يُبرز بوضوحٍ التقدير لما أنجزتُه وما قدمتُه في مجال قوانين المياه.
كان ذلك في القاهرة والتي بنتْ قراراتها على ما أنجزتُ أنا في واشنطن وفي لاهاي وفي مدن كثيرةٍ أخرى في العالم في مجال قوانين وسياسات المياه الوطنية والدولية. أمّا في الخرطوم فقد اختزل ابن وطني الوزير السابق للموارد المائية المهندس السيد كمال علي كلَّ إنجازاتي على مدى عشرين عاما في مجال قوانين المياه الوطنية والدولية بوصفه لي أنني من حديثي العهد بالقوانين الدولية الذين يقومون بنقل القوانين والاتفاقيات القائمة نقل مسطرة ويملأون بها الصفحات. ترى هل هذه كلمات السيد كمال علي أم كلمات مستشاره القانوني؟
6
كتبَ إليّ عشراتُ القراء ممن أعرف ومن لا أعرف، كلهم غاضبون للتجريح الذي تعرّضتُ له على يد المهندس كمال علي. تساءل الكثيرون: هل حقاً لا يدري السيد كمال علي عن إنجازاتي أم أنه يدّعي أنه لا يدري؟ قال معظمهم إن كان السيد كمال علي لا يدري فتلك مصيبةٌ، وإن كان يدري فالمصيبة أعظم.
تساءلتْ مجموعةٌ من القراء والأصدقاء لماذا كنتُ مُتسامِحاً مع السيد كمال علي في تعقيبي عليه، ولماذا لم أردْ عليه بغضبٍ؟ أجبتُ هؤلاء القراء والأصدقاء أن حزني على وطني طغى على غضبي على كلمات االوزير السابق.
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. الدكتور سليمان محمد سليمان المحترم
    حقيقة لم اسمع بهذا الاسم من قبل الا في في برنامج حتي تكتمل الصورة بقناة النيل الازرق وكان من ضمن المستضافين في تلك الحلقة هذا الدكتورالعلامةمن ضمن اربعة من الضيوف والذين كانو يمثلون وفد الحكومة الرسمي وذلك عقب اتفاقية مياة النيل الاخيرة باديس ابابا وكيف كانو يتكلمون بطريقة سطحية وكان هذا الرجل يتحدث حديث العالم العارف ببواطن الامور والادهي والامر كانو يغالطونة بمنتهي السطحية في ذلك اليوم اكبرت هذا الدكتور لغزارة علمة وحزنت جدا علي وطني الذي يوفد مثل هولاء في قضايا مهمة كقضية المياة وينحي مثل هذ الهمام العالم…. لك الشكر الدكتوروربنا يحفظك { السفية نيذ الباشا}

  2. التحية للبروف سلمان ومساهماته الثرة في مجال قوانين المياه على المستوى الدولي، وانا كواحد من طلابه بكلية القانون جامعة الخرطوم والمتابعين لنشاطه وعمله كمستشار قانوني وخبير لقوانين المياه في ال Legal Vice Presidency في البنك الدولي سعدنا كثيرا بعودته للسودان وسعدنا اكثر بمقالاته العديدة في الصحف الورقية والالكترونية حول موضوع المياه بصفة عامة ومياه النيل واتفاقياته بصفة خاصة. نشكر للبروف التعريف بنفسه لمن لا يعرفه ونشكر المهندس كمال على على (( مقدمته الهامة)) التي استفزت البروف وجعلته يعرف بنفسه وهو الذي لا يحتاج للتعريف خاصة بالنسبة للقانونيين السودانيين الذين عاصروه في الجامعة كطلاب.ولكن للمزيد من التعريف بالروف نحيلكم لمتابعة اعماله في Audiovisual Library of International Law التابعة للامم المتحدة.وانا شخصيا سعدت كثيرا حين زرته في مكتبه بالبنك الدولي في العاصمة الامريكية واهداني عددا مقدرا من مؤلفاته حول المياه ونتمنى ان يتمكن من ترجمتها للعربية حتى تعم الفائدة. ان جملة (….حديثي العهد بالقوانين الدولية جعلوا من انفسهم خبراء عالميين ……..) التي وردت في مقدمة المهندس كمال علي لا اعتقد ان المقصود بها البروف سلمان حيث لا يعقل ان لا يعرف المهندس كمال علي بحكم منصبه كوزير للري والموارد المائية من هو بروف سلمان.

  3. مع تعلميك الراقى وعلمك الغزير يبدو لازال فى داخلك ذلك السودانى(الغشيم)..! أفعل مثلى وأمنح خبرتك وتجاربك وولائك للبلد الذى عشت فيه وأتمنى أن تكون حاملاٌ (جواز) أجنبى محترم وأنسى حاجة إسمها( السودان) فسوف تشتم ولسوف تغتال شخصيتك ف(هؤلاء) ولائهم للتنظيم وليس للسودان ..أما المصريين فالوزير يعرف ماتستطيع عمله فسيحاول أن يستميلك لجانبه فأن لم يستطيع فعلى الأقل يجعل( محايداُ) لكى لاتذهب للأفارقة أو حتى لأبناء عمومتنا الأثيوبيين ! .. أعتقد بأنك المخطئ فلماذا تذهب للسودان وأنت تعرف من يحكمها ! ( ملعون أبوها بلد ) ..

  4. يكفيك يا دكتور سلمان أنك راجل جاد ومقتنع بما تقول وتؤسس لما تؤمن به

    هذا لا يمنع أن نختلف معك في كثير من القضايا لكنه الإختلاف الذي يرجي منه

    تطوير النقاش للفائدة العامة ، وليست ككلمات وزير(نا) كمال (كنت اعمل سابقا بالري)

    فهي للسباب الشخصي و لا تفيد تقدم النقاش في الموضوع المطروح.

    أنا لا ارى غضاضة في أن ينقل لنا شخص ما القوانين “نقل المسطرة” ، فنحن في حاجة لتعلمها

    ببساطة لأننا لا نعرفها . ونقل المسطرة ليس عيبا خصوصا فيما يتعلق بالقوانين لأنو بتثبت

    الجدية والمهنية في تناول الموضوع وتبعد الناس من المهاترات والسباب الشخصي الذي

    يود وزيرنا كمال أن تؤل الأمور اليه.

  5. بالأمس و بالصدفة تابعت برنامج متى تكتمل الصورة و الذي استضاف الدكتور سلمان صاحب هذا المقال و الدكتور المفتي (مشتشار) وزارة الري ، وكان الموضوع حول السودان ومبادرة حوض النيل، ومنذ الوهلة الاولي ادركت انه شتان ما بين الثرياوالثري علماُ وثقافة وتجربة واقناعاً وتواضعاً و أدباً و فهماً وادركت تماماً ان كل شئ في السودان في غير مكانه و انصرفت وشأني مستنكراً كل ذلك الخواء و العجرفة والقفز فوق حقائق الاشياء وكل تلك الدفوعات الفارغة من الطرف الآخر.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..