أخبار السودان

القمح.. فاتورة لم تتمزق

عادل إبراهيم حمد

كلما قدمت الميزانية، وكلما عقدت ورشة أو كُتب تقرير عن الاكتفاء الذاتي من الغذاء، يتكشف أن واردات السودان من القمح في تزايد حتى تضاعف المستورد من سلعة (خططت) ثورة الإنقاذ في بداياتها لتمزيق فاتورتها، كان قادة الثورة يقولون محقين: إن أمة تأكل من وراء البحار غير جديرة بحياة العزة؛ لذا فالثورة تخطط لتحقيق الاكتفاء من هذه السلعة الاستراتيجية، وأن القمح الذي أصبح سلعة سياسية قد يعرض الوطن لضغوط تجعله لا يملك قراره، لكن أرقام المستورد من القمح بعد أكثر من ربع قرن على قرار الاكتفاء تبرهن أن الأمر لم يتعد دائرة الشعار السياسي والهتاف الذي كان المذياع يبثه ملحناً ومموسقاً (شعارنا العالي بيرفع.. والعالم كله بسمع.. فلنأكل مما نزرع).
مثال يقودنا لتناول ظاهرة الافتتان بالشعارات لدرجة الهوس؛ فبعد ربع قرن على وضع خطة علمية مفترضة, لا زالت الحكومة تحاول معالجة تراجع إنتاجية القمح، وخفض فاتورة استيراده، هذا يؤكد أن الحماس أو حسن النوايا وحدهما لا يكونان بدائل للتخطيط, فقد يندفع الزراع نحو الحقول تلاحقهم الحكومة بالأهازيج التي وضعت ألحانها في الخرطوم، فيكتشف المزارع عند الحصاد أن عائد المحصول لا يفي باحتياجاته، وتكتشف الحكومة متأخرة أن تكلفة إنتاج القمح أعلى من قيمة شراء القمح المستورد.
لو راهنت الحكومة على القوى الكامنة في المجتمع لأفلحت في تحقيق الشعار.. المجتمع بطبعه أدرى بمصالحه ويتحرك نحوها بلا حاجة لنداءات الحكومة، وأسوق التنقيب الأهلي عن الذهب مثالاً يؤكد صحة الرهان على تحفيز المجتمع المنتج في كل المجالات بما فيها المجال الزراعي بالطبع.
يكاد اكتشاف الذهب يكون جهداً أهلياً خالصاً سبق به (الأهالي) الحكومة التي لحقتهم فيما بعد بتسوير مناطق التعدين وابتداع طرق الجباية.. والإغراء وحده هو الذي دفع الأهالي لشراء أجهزة كشف الذهب من حُر مالهم وجعلهم يتركون أسرهم، متوغلين في تلك الأصقاع البعيدة متحملين المشاقّ والأخطار حتى تغيرت حياة كثير من الأسر السودانية من نشاط التعدين الأهلي، وضخ الذهب نسبة مقدرة للخزينة العامة.
هذا النشاط الذي يعتبر وليداً شرعياً للنشاط الأهلي، حرّكه عامل واحد فقط، هو إغراء المنتج.. فهل تدرك الحكومة ذلك وتغري الزرّاع بما يجعلهم يندفعون بحماس نحو الحقول، يزرعون وفق خطة يضعها مختصون, وبآليات تزيد المساحات وتقلل من مشقة الزراعة؟.. ولا بأس من شعارات ملحنة تطرب الأسماع وترطب الدواخل.;

العرب

تعليق واحد

  1. يا عادل سلامات و للاسرة الكريمة .لكن ياخوى ده إنقلاب عسكرى ما ثورة .انت نسيت و للا شنو؟

  2. يا عادل سلامات و للاسرة الكريمة .لكن ياخوى ده إنقلاب عسكرى ما ثورة .انت نسيت و للا شنو؟

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..