أثاثات الأفندية.. نسج كراسي البامبو والخيزران.. مهنة تقاوم الزمان

الخرطوم – نمارق ضو البيت
دخل الخيزران السودان مع دخول الاستعمار الإنجليزي للبلاد، خصوصاً بعد تأسيسه لدواوين الحكم في مختلف أنحاء البلاد، حيث استورده الخواجات من بولندا وتشيك سولفاكيا وغيرها من الدول الأوروبية، ومن ثم تم توزيعه على كافة مكاتب العمل، حتى انطبعت الصورة الذهنية لهذا النوع من الكراسي في أذهان السودانيين بمكاتب (الأفندية والمعلمين).
مع مرور السنوات لم تتغير طريقة نسج كراسي الخيزران رغم تغير أسلوب الحياة وشكل الأثاث، إلا أنها ظلت محافظة على شكل النسج، كما أنها تحمل ذات الاسم في كل مكان، ويصنع الخيرزان من خشب اللالوب، الذي ينمو في شكل سيقان مجوفة.
خبرة طويلة
في الخرطوم (3) وقبالة حديقة القرشي يوجد عدد كبير من الصنائعية الذين يعملون في مهنة صناعة أثاثات الخيرزان، من بين هؤلاء وجدت العم النور بخيت منهمكاً في تخريم طاولة خشب الموسكو بالدربكين اليدوي، ليُثبت عليها خيوط العصب فيما بعد، حيث قال لـ (اليوم التالي) إنه يعمل في هذه المهنة وفي ذات المكان منذ 30 عاما مضت، لم يغادر هذا موقعه إلا بغرض الدراسة.
وراثة المهنة
كمال خضر محمد ? صنائعي – قال لـ (اليوم التالي) إنه ظل يعمل في هذه المهنة منذ صغر سنه، حيث ورثها من خيلانه الذين يعدون من أقدم صانعي الخيزران في الخرطوم، منهم محمد علي وعبد الله محمد يوسف، إلى جانب المرحوم أحمد عبد المجيد الذي كان يملك ورشة في المنطقة الصناعية، يشتغل فيها البامبو المحلي والمستورد بذات أسلوب الخيزران. وأضاف: أغلب الذين كانوا يمتهنون تصنيع أثاث الخيزران تركوا المهنة بصورة نهائية، وفي الخرطوم (3) لا يوجد غير هذا الدكان، الذي نشتغل فيه كراسي البامبو والخيزران، وكذلك البنابر وترابيز وأي قطع من الأثاث المشغولة. وأردف: في الماضي كان تُنسج كراسي الخيزران من القش، لكن مع مرور الوقت استبدلناه بالعصب لأنه أكثر متانة ويعيش لفترة أطول، لكن أسلوب النساجة لم يتغير، وظل كما كان متعارفا عليه منذ دخوله للسودان.
مصنع خاص بالخيزران
وواصل كمال حديثه قائلاً: في الماضي كان هناك مصنع للخيزران في أمدرمان اسمه (مصنع أبو نجمة)، يصنع فيه العمال كراسي الخيزران للاستهلاك المحلي وكذلك للتصدير الخارجي، لكنه توقف عن العمل قبل 20 عاما، بسبب القطع الجائر للأشجار، وكان الخشب المستخدم في صناعته من شجر اللالوب. وأبان أن أثاث الخيزان المستورد من بولندا ويوغسلافيا دائماً ما يكون من خشب الخيزران الخالص. وزاد: بعد توقف المصنع صار السودان يستورد الخيزران من مصر، حيث وصل سعر الكرسي 350 جنيهاً، لكن ففي فترة تصنيعه في السودان كان سعره 15 جنيهاً، وهذا من سلبيات توقف عمل المصنع. وأشار إلى أنه في عهد الإنجليز كانت الحكومة تستورد أثاث الوزارات من الخارج، وتحرص على أن تكون الكراسي من أثاث الخيزران، وحتى هذا اليوم يفضل بعض الموظفين ممن يجلسون ساعات طوال، الجلوس على مقاعد منسوجة منه، وذلك لأن التنجيد متعب في الجلوس لفترة طويلة على عكس الخيزران.
زبائن معتمدون
واستطرد العم كمال قائلاً: العمل مستمر بصورة دؤوبة في دكاننا رغم صغره، ولدينا زبائن معتمدون منذ وقت بعيد، إلى جانب أن هناك جزءاً من الناس مهتمين بأمر الأثاث القديم، وهناك من يجلبون أثاث منسوج بطريقة أخرى ويطلبون نسجه على طريقة الخيزران، وآخرون يطلبون نسج كراسي من الحديد أو مقاعد من خشب الموسكو، وفي كثير من الأوقات يطلب الزبائن نسج البابو بالعصب، لذا نقوم بتخريمه لتثبيت العصب بمسامير، ويستغرق نسج الكرسي ما بين الساعة والساعة والنصف، وثقافة النسج بهذه الطريقة هي ثقافة أوروبية
اليوم التالي