الهلع و الفوضى في الاسواق السودانية

علي عبدالرحمن
و نحن نتابع في المواقع الاسفيرية و ما نسمعه من مصادر متعدد تؤكد تماما ما قلناه في الاشهر السابقة, بان العملة السودانية في طريقها لتصبح عملة غيرة مبريء للذمة. و بهذا قد تكون فقدت العملة الوطنية (الجنيه) ليست قيمتها فقط امام العملات الاخرى, بل حتى اسمها كنقود و مخزن لقيمة و وسيلة للتبادل السلع, و بذلك يصبح الجنيه بمجرد ورقة تحمل اختام و تستخدم لتغطية بعض الالتزامات الطارئة دون ثقة كبيرة. انعدام ثقة الجمهور تجاه الجنيه السوداني يزيل عنه اسم ليقل تندا.
لاثبات ذلك نرجع لتعريف النقود في علم الاقتصاد:
تعرف النقود بأنها وسيلة للتبادل، مخزن للقيمة، ومقياس تقوم على أساسه السلع و الخدمات.
يتم تصنيع الأوراق النقدية باستخدام مواد خام رخيصة نسبياً وبالتالي فإن الورقة النقدية تحمل قيمة أعلى من قيمة المادة المصنعة منها. السؤال هنا هو: لماذا يتعامل الأفراد بهذه الأوراق النقدية (الرخيصة) في تسوية معاملاتهم و التي تصل إلى مبالغ واموال ضخمة؟ يكمن السبب في كون النقود تتمتع بالخصائص التالية:
# صفة الإلزام القانونية للنقود (إلزام قانوني من الدولة ككفيل لضمان صيغته القانونية)
# ثقة الناس في قبول هذه الأوراق (تستطيع التعامل بها في أي وقت و أي كمية لشراء السلع و الخدمات, متى ما قررت ذلك)
لكن التعريف اعلاه لا ينطبق في السودان و ذلك ا بعد اعلان رفع العقوبات الاقتصادية جزئيا حصل هرج و مرج في السوق السوداني الذي لا يتوفر فيه نقود ذات خاصية كاملة. حسب تاكيدات بعض المتعاملين في السوق, فان عمليات البيع و الشراء توقف تماما منذ اعلان رفع العقوبات و ذلك لحالة عدم التاكد و الهلع والاشاءات والخوف في نفوس التجار و الموردين والمصدرين و جميع المتعاملين في السوق.
لماذا يحدث كل ذلك؟ لان ببساطة الجنيه ليس مخزن للقيمة ولا يتوفر الثقة فيه محليا و اصبح ورق دون معنى, واصبح يرهن قيمته بما سيؤول اليه وفرة ام ندرة الورقة الخضراء الدولار الامريكي. ومعنى ذلك ان بنك السودان (البنك المركزي) لا يسيطر على حركة الكتلة النقدية في البلاد, كما ان الية السوق عبر الطلب و العرض لا يعمل وان الكتلة النقدية خارج النظام المصرفي. و هذه ازمة ونحن في عنق زجاج نسال الله ان يخارجنا منه سالمين امنين.
الشاهد في الامر ان البنك المركزي و البنوك التجارية لن يغييروا اسعار الصرف منذ شهر و السعر مع الحافز حتى نهار اليوم السعر هو 15.8 جنيه للدولار, لكن السوق الاسود مع حالة الهلع و التذبذب و الاشاعات اثر في كل عمليات البيع والشراء للسلع المختلفة في السودان و تاثر كل وحدات السوق من (عقارات, سيارات, زراعة, بورصة), مما يعني ان السوق الموازي او الاسود للاسف هو المسيطر الحقيقي على الاقتصاد السوداني وهذه كارثة حقيقية تطلب جهود لاعادة بناء الدور الاساسي للبنك المركزي كبنك البنوك و كلاعب اساسي في حركة الكتلة النقدية و السيطرة عليها و امتلاك قدرة لاستخدام السياسة النقدية كواحدة من اليات التحكم في السوق و النشاط الاقتصادي ككل.
مشكلة الهلع و الاضطراب اعلاها يوضح موقفين بسبب عدم الثقة في الجنيه:
الموقف الاول: هنالك من يتردد من بيع المخزون من السلع الذي اشتراه بالسعر الجاري بسبب توقعات بارتفاع الدولار مجددا او الثبات في السعر الحالي ولذلك يفضل تجميد البيع لحين استيضاح الرؤية, هل الاسعار تميل للارتفاع ام الي الثبات.
الموقف الثاني: الاشاعة و التفاعل الزائد دفع بالمستهلك و المشتري للتريس و الانتظار حتى يحدد تجاه الدولار واصبح امل المستهلك بان الاسعار سوف ينخفض اذا ما فتح العلاقات مع امريكا لذلك يتردد من الشراء بالسعر الحالي و ينتظر بما سيؤول اليه الاسعار تجاه الارتفاع او الثبات او الانخفاض.
النقطة المهمة كذلك ان الانهيار الاقتصادي كواقع الزم اغلب التجار للتدخل في عمليات المضاربة بالعملات و تخزين الدولار والعملات الاخرى مثل الريال السعودي و الاسترليني و اليورو والاستفادة من فرق السعر مع الزيادة المضطردة في سعر الصرف في السنوات السابقة. والشاهد ان اغلب المحلات التجارية مثلا في السوق العربي نجد مثلا ان تجار تلفونات و اقمشة كلهم يعملون في بيع و شراء الدولار و عمليات المضاربة في العملات اصبحت النشاط الرئيسي, لانها اصبحت من اكبر النشاطات ربحا واقلاها تكلفا.
اليوم مع حالة الهلع فان الذين تورطوا في نشاطات بيع و تخزين الدولار وعملات اخرى و لا يمتلكون احتياطات اخرى للعيش ولهم مشكلة في تصور المستقبل اصبحوا في حالة قلق و انهيار نفسي مع الدعاية الاعلامية المكثفة بان الامور سوف تتحسن في القريب العاجل و ان سعر الصرف سوف يتحسن تجاه الجنيه وبالتالي صغار التجار سوف يدفعون الثمن غاليا مع انخفاض الرقم الاسمي لاموالهم. اما كبار التجار و رجال الاعمال الذين يحملون احتياطات الدولار, فلا يخافون لانهم على دراية بحدود اللعبة و كذلك لان اغلب معاملاتهم في السوق تتم اصلا بالدولار.
اخيرا نقول ان الجنيه السوداني دخل العناية المكثفة منذ فترة طويلة و ان العملات الاخرى هي التي تسيطر على تقييم الواقع الاقتصادي السوداني وتحديد اسعار كل السلع و ليس الجنيه, و الشاهد ان (تجار اللبن تجار الطماطم و الترمس و البلح يتحدثون ويبررون زيادة اسعارهم جميعا بسبب سعر الدولار).
في الختام نقول ان الجنيه السوداني للاسف اصبح كالانسان المصاب بالسرطان و الامراض المزمنة الاخرى, حينما يتلقى المريض جرعة علاجية يحصل تهدئة وينتعش و يعيش طبيعيا لايام, ثم ينتكس مرة ثانية مع المرض, و كما هو معلوم ان اعلاج السرطان يتطلب مهلة طويلة و مبالغ كبيرة و صبر و مثابرة وتحمل, فان علاج الجنيه يحتاج لفترة و جهد و عمل و انتاج و تصدير و الامنيات وحدها لا تكفي, و اذا لما تتوفر الامكانيات اللازمة للتعامل معه بجدية فان المريض سوف يعاني الي ان يلاقى اجل الله.
[email][email protected][/email]




دا كلو كوم والصورة دي كوم آخر، هذا السوق في أي مدينة وأي بلد وأي زمن .
يا زمن حرام عليك ، الفنان الذري قال ليك وقف شوية وليس إلى الأبد، نحن في القرن الواحد وعشرين فهذا المنظر لا يوجد حتى في الصومال .
و الله اخشى ان يتجه الناس للتعامل المباشر بالدولار او أى عملة موثوق بها.. و لا أستبعد أن نصبح كلبنان.. الليرة موجودة لكن كل التعامل بالدولار.
يجيبو عديل يقول صدو…يجيبو سليم يقول قدو … اكان القصة بالمنطق تراب النيل دا وين ودو…يفرحكم ما يحزن السودان .ويحزنكم ما يفرح السودان . فقط حسبنا الله ونعم الوكيل…
مع احترامي لرأي اخونا كاتب المقال، الدولار هو عملة التجارة الدولية الرئيسية وبنسبة 80٪ فمن الطبيعي ان يؤثر تذبذب سعره في السوق السوداني او غيره.
ولا ارى مبررا لهذه النظرة السوداوية وتهويل الامر