أخبار السودان

الديمقراطية مظلومة

عادل إبراهيم حمد

كلما نوقشت أزمة الحكم في السودان، سارع البعض إلى القول إن (كل) الأنظمة الوطنية التي تعاقبت على الحكم بعد الاستقلال شريكة في ما آلت إليه الأوضاع في السودان، وهو قول يعني ــ بهذا الحكم المعمم ــ (توزيع) المسئولية بالتساوي، حتى يكون نصيب الأحزاب التي قفزت للسلطة على ظهر الدبابة مساوياً لنصيب الأحزاب التي ارتضت النظام الديمقراطي. وغني عن القول إن أصحاب العبارة منتمون لأحزاب دعمت أو تدعم أنظمة شمولية ثبت فشلها في إدارة الدولة، بل تورطت في سفك دماء وطنيين بدعوى خيانتهم للوطن، عندما اختلفت آراؤهم عن رؤية النظام الحاكم.
يمكن تلخيص أزمة الحكم في الاحتقان السياسي، وقد عايش السودان في العهود الشمولية الـ3 كل تداعيات الاحتقان التي وصلت حدا سيق فيه خيرة أبناء الوطن إلى المشانق وإلى (الدروة)، فهل ثبت بالتجرِبة أن القتلة يحملون القول الفصل والحل العبقري؟
يكفي الديمقراطية دليلاً على التفوق أن كل أبناء الوطن ـ بمن فيهم المعارضون ــ آمنون على حياتهم وأمنهم وحريتهم، لأن الديمقراطية تكفل للجميع (حق) الاختلاف وحق التعبير عن الرأي المختلف والالتفاف حوله في تنظيم معترف به، ولا بد أن يصحب التعبيرَ عن رؤى مختلفة قدرٌ من الصبر حتى تستبين الرؤى الأصح، أو على الأقل حتى يتاح لمختلف التنظيمات التعبير عن برامجها حتى لا تحس جماعة أنها قد أجبرت على خطة محددة أو برنامج محدد، لكن الشموليين الذين لا يملكون رصيداً جماهيرياً اتهموا الديمقراطية بالبطء والتلكؤ، فقفزوا للسلطة بالقوة العسكرية بدعوى التنفيذ الفوري لبرامج التنمية والخدمات التي لا خلاف عليها، بدلاً عن إضاعة الزمن في سوق الكلام وقشور الديمقراطية.
اصطدم الشموليون بعد تنحيتهم لخصومهم من الرجعيين أو المارقين، اصطدموا بأن اختلاف الآراء يمكن أن يحدث داخل تنظيمهم الحاكم نفسه، رغم انفراده بالسلطة بعد خلو الساحة من كل الخصوم، بل كانت التصفيات الداخلية بين الرفاق والإخوان أشد باساً من خصوماتهم مع مخالفيهم في النظام الديمقراطي، فأقبلوا يبحثون عن صيغة ديمقراطية شريطة عدم الإقرار بالفشل، فراحوا يروجون لعبارتهم الأثيرة: إن (كل) الأنظمة الوطنية شريكة في ما آلت إليه الأوضاع في السودان. لكن هيهات أن ينطلي هذا الزعم على أحد، فالمقارنة معدومة. ولا سبيل لترقيع الديمقراطية، فهي منظومة متكاملة جوهرها الحريات التي بها تصان حقوق الإنسان، وتنظم عبر سلطات منفصلة ومتكاملة في التشريع والرقابة والتنفيذ والقضاء المستقل.;

العرب

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..