روسيا والمشي فوق حبل مشدود في حقل ألغام

محجوب محمد صالح
يبدو أن ما تعتبره روسيا نجاحاً كبيراً لتدخلها العسكري والدبلوماسي في الملف السوري قد حفزها لتكرار هذا الدور في كل مسارح الصراع العالمية بل وجعل الفرقاء الآخرين في تلك الصراعات يسعون لإقناعها بالدخول في الصراعات المحتدمة في دول جديدة تمتد من ليبيا في الشمال الإفريقي إلى أفغانستان في أعماق آسيا.
ففي الوقت الذي تدير فيه روسيا مفاوضات أستانا للوصول إلى وقف دائم لإطلاق النار في سوريا وتستعد للقاء جنيف المرتقب، تتلقى روسيا دعوات من الغرب ومن الفرقاء في النزاعات المختلفة لكي تتدخل في تلك النزاعات وأن تسهم في الوصول إلى حلول لتلك الأزمات وذلك يرشحها لأن تلعب دور القطب الأساسي في الصراعات العالمية خاصة إذا نجح دونالد ترمب في تحقيق تطلعاته إلى (عزلة) أميركية تحت شعار(أميركا أولا).
وبالأمس كشفت مسؤولة شؤون الأمن والسياسة في الاتحاد الأوروبي فيديركا موجيرلين عن اتصالات يجريها الاتحاد الأوروبي لإشراك روسيا في الأزمة الليبية المعقدة والمستعصية على الحل، وقالت فيديريكا: إن الاتحاد الأوروبي لا يواجه أي مشكلة في إشراك روسيا في الملف الليبي ووصفت الجهود الروسية في هذا الملف خصوصاً وفي كل قضايا منطقة البحر الأبيض المتوسط عموما بأنها (مساهمات إيجابية) وأن الاتحاد الأوروبي يدير الآن محادثات مع روسيا لإشراكها في الملف الليبي ويأمل في الوصول إلى (أرضيات مشتركة) تدعم مساعي السلام في ليبيا.
ومن ناحية أخرى قال وزير الخارجية الإيطالي أنجلينو ألفانو: إن الحوار قد بدأ بين بلاده وروسيا حول الملف الليبي، وأضاف أن محادثاته أسفرت عن (مؤشرات إيجابية) خلال الاجتماع الذي انعقد يوم الجمعة الماضي وأن الحوار سيستأنف بينهما في السادس عشر من هذا الشهر آملا أن تحسم التفاصيل في اللقاء الثاني وكان ألفانو قد أجرى محادثات بشأن ليبيا مع قطرو الإمارات ومصر، وقال: إنه لمس من الجميع رغبة في التعاون، وقال: إن ما تقوم به بلاده ليس مبادرة جديدة لكنها محاولة لخلق إجماع حول الحلول المقترحة للصراع الليبي.
ومع هذا التمدد الروسي الذي طال الشمال الإفريقي وغرب البحر الأبيض المتوسط تخطط روسيا لنشاط آسيوي جديد فقد أعلن وزير الخارجية الروسي سيرجى لافروف في مؤتمر صحافي مع نظيره الأفغانستاني صلاح الدين رباني (أننا أكدنا لزملائنا الأفغان الدعوة إلى مؤتمر جديد حول تسوية النزاع في أفغانستان ينعقد في موسكو منتصف هذا الشهر بمشاركة كل من روسيا وأفغانستان وباكستان والصين وإيران والهند) وهكذا وبكل وضوح تعزل روسيا كل الدول الأوروبية من هذا المؤتمر الذي يسعى ليعالج أزمة أفغانستان! الجدير بالذكر أن الغموض ما زال يحيط بمصير مؤتمر حول ليبيا بعنوان «رؤية جديدة- أمل وفرص» دعت الولايات المتحدة لعقده في واشنطن لمعالجة المشكلة الليبية وكان مقرراً عقده في السادس عشر من هذا الشهر إلا أن معلومات مسربة من العاصمة الأميركية تفيد أنه سيؤجل بسبب قرارات حظر دخول أميركا التي أصدرها الرئيس الأميركي مؤخراً والتي طالت دولاً كانت مدعوة لهذا المؤتمر.
يبدو أن كل المتغيرات تدعم روسيا وتطلعها إلى وضع القطب الأهم في معادلة الدول الكبرى، لكنها مازالت تواجه تحديات إذ هي تعاني من مشكلة أوكرانيا وتحتاج لتحقيق قدر كبيرٍ من التوازن بين الدول القائدة في الشرق الأوسط، فالتوازن بين الدور الإيراني والدور العربي والدور التركي والاستراتيجيات المتقاطعة سيحتاج إلى قدر كبير من المرونة والدبلوماسية وإجادة المشي فوق حبل مشدود!!.;
العرب