التجارة في الممنوع

اسماء محمد جمعة

أخبار كثيرة ترد في الصحف اليومية عن مجهودات الشرطة في القبض على أطنان من المخدرات بجميع أنواعها أو أدوية وسلع مغشوشة أو منتهية الصلاحية أو كريمات ممنوعة وغيرها في طريقها إلى الأسواق، ومالم يرد في الصحف أكثر بكثير بلا شك ، ويحدث هذا في جميع الولايات وفي وقت واحد ، محاكمات تتم (بالجملة ) والمئات من (الشباب) يُرحلون يومياً إلى السجون ، وكل مرة تقدر الشرطة قيمة المضبوطات بمليارات الجنيهات ،سنوات طويلة والشرطة تدور في هذه الدوامة ، السؤال الذي يفرض نفسه هنا إلى متى ستظل الشرطة تلهث خلف تجار المخدرات والسلع المضروبة الذين يزداد عدهم كل يوم، أليس هناك حل علمي تقوم به الدولة يقلل من هذه المهنة المنتعشة بشراسة ؟ مؤكد هناك ألف حل ولكن لن يتحقق من تلقاء نفسه ولن تأتي حكومة من دولة أخرى لتقوم به .
يبدوا إن هذا النوع من التجارة أصبح هو المهنة الوحيدة التي لها عائد مجزٍ في ظل تدهور الاقتصاد وانتشار العطالة ،ويبدو أن الفوضى قد عمت البلد وفلت العيار ،وهنا تأتي المشكلة ولن تسطيع الشرطة وحدها أن تفعل شيئاً ، وقريباً ستضيق سجون الدولة بالمحكومين وستجد نفسها إنها في حاجة إلى مزيد من السجون خاصة مع عدم وجود توجه للحكومة يبشر بحل المشكلة بطريقة مدروسة ، والقوة والقانون لم يعد لهما القدرة على إخافة المواطن ما دام هناك واسطة ورشوة ومحامون شطار ودولة عميقة .
حكومة المؤتمر الوطني وضعت السودان أمام محك صعب ، فهي من حرمت شعبه مع سبق الإصرار من أن يحيا حياة كريمة تجعل أي مواطن قادر على تحقيق طموحاته المشروعة بطريقة مشروعة ، وهو لن يقف مكتوف الأيدى إلى أن يموت، صحيح هناك من اختار الانتحار ولكن آخرين سيظلون يبحثون عن طموحاتهم بالطرق المشروعة وحين تنعدم ستنفتح أمامهم أبواب الطرق غير المشروعة تلقائياً ولن يتردد أحد في الدخول عبرها و ستصبح الشرطة كمن يحرث في الماء، وهذا ما وصل إليه الحال فعلياً .
كثير من الحكومات التي وصلت إلى سدة الحكومة في مطلع التسعينات بالتزامن مع الإنقاذ وجدت دولها غارقة في الجريمة وزراعة المخدرات وتجارتها وسجونها مكتظة بالمحكومين ، وقد استطاعت أن تنقذهم بسياسات مدروسة وخطوات محسوبة فتوقفت تجارة المخدرات وأفرغت السجون، تلك الدول الآن أصبحت مثالاً يحتذى به ، حكومتنا هي الحكومة الوحيدة في العالم (شغالة عكس) فتحت أبواب الجريمة مشرعة أمام المواطن وزادت عدد السجون ووسعتها لتستوعب أكبر عدد ممكن من المواطنين، كل مؤسسات الدولة تعمل على صناعة الإجرام وتسهل التجارة في الممنوعات والمحرمات عدا الشرطة ، وهي نفسها لم تسلم من الأذى ، فكيف يصبح المجتمع آمناً .
لم أرَ حكومة في الدنيا تعين شعبها على الإجرام والفوضى وتجعل التجارة في الممنوعات باب عمل يطرقه المواطن غير حكومة المؤتمر الوطني هذه ، أتعلمون لماذا لأنها أصلاً هي مجرمة بالفطرة فهي تسعد جداً حين تلقي الشرطة القبض على تجار ممنوعات وتزج بهم في السجون ولكنها لا تفكر كيف وصل هؤلاء إلى هذه المهنة الخطرة مع أن أغلبهم شباب ، لذلك لا تفكر مثل بقية حكومات العالم ، وعليه ستتسع التجارة في الممنوع والمحرم.

التيار

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..