الفنان الكبير إبراهيم حسين :ــ كل الأخصائيين أكدوا أمكانية التعافي ولكن ضيق ذات اليد حرمني من الشفاء

*هناك عدالة فوق السماء قادرة على إنصاف كل الكائنات.. ونحن المظاليم
*لا أمتلك غير فني وأحمد الله على ما أراده وسطره
*لا أتسول بمرضي ولا أطلب الشفقة والعطف من أحد
*جرعات الدواء باهظة جداً وفي كثير من الأحيان لا أمتلك قيمتها
*الدولة أوقفت معاشات كبار الفنانين.. وهذا يحدث لأول مرة في الكره الأرضية
*عدادات شباب اليوم تساوى ميزانية جمهورية السودان زمان
من منا لا يعرف الفنان الكبير إبراهيم حسين، من منا لم يترنم بإحدى أغنياته الخالدة، نجمة نجمة الليل نعدو، وليه ياشمعة سهرانه، وغيرها من الأغنيات والألحان الشجية التي شكلت الوجدان القومي للسودانيين، عقود طويلة مرت منذ أن وطأت أقدام إبراهيم حسين الحيشان الثلاثة.. ومنذ أن انضم لتلك الكوكبة اللامعة في سماء الوطن، ليسهم معهم في تطور وتقدم مسيرة الفن السوداني عطاءاً فنياً غير محدود. ولكن ما يعيشه هذا الفنان والمبدع الآن لا يشبه بأي حال تاريخ وأخلاق هذا الشعب العظيم، “الجريدة” زارت إبراهيم حسين في منزله واستمعت أليه..
حوار ـ علي ابوعركي
*أرى إمامي (مسبحة ومصحف وحجر تيمم)، هل بإمكاننا أن نقول أنها صوفية غير معلنة؟
ـ أنا من أسرة هذا خطها وعنوانها، فكل أهلنا صوفية (تجانية) قضينا جزءاً كبيراً من مراحل تكويننا تحت هذه الظروف الزاخرة بالانتماءات والارتباطات الروحانية، هي وحدها من شكلت في دواخلنا احساساً بقيمة الحياة، ومن ثم قادتنا لأن نكون كما ترانا اليوم، فالصوفية مدرسة تعطيك عيناً غير عيون الآخرين واحساساً مختلفاً عنهم، ومن ثم تعزز اهتماماتك بخفايا من الصعب اكتسابها في دروب أخرى.
* رفدتنا بحلو الكلام عن الناحية الصوفية، أيعني ذلك أنك قد أخذت سحر النغم من هذا المدد؟
ـ أرى أن في هذه الدروب ضياء ونور، وتعافي للنفس والروح، فإذا اكتملت هذه الارتباطات أكسبتك سحراً وجمالاً يدفعك دائماً للتأمل في مكونات الكون ومعجزات الله، هذا المقام اذا استطاع أن يصل إليه فنان فإنه يصنع منه حالة نادرة قادرة على إخراج موسيقى مشبعة بخطوط مدهشة، لأنها تكون قد تكونت في عمق بعيد، أضف إلى ذلك أنها تكسو الضمير الانساني بسكينة وسلام داخلي، وهذا الإلهام ما يجعلك أثير لحن .. دائماً ما يكون معلقاً بين السماء والأرض.
* تحدثنا في المحاور السابقة عن التصوف وأثره على الأغنية والفنان، ولكننا لم نتطرق للإلهامات التي قادتك لمسرح الغناء فماذا تقول في ذلك؟
ـ كان لدي شغف كبير منذ البواكير بالإذاعة وما تقدمه من أغنيات لدرجة (لو رسلوني الدكان بكون ماشي في الشارع وبغني)، هذا الهوس الغنائي لفت إلىّ الأنظار ومن بعد ذلك وجدت دعماً كبيراً من أبناء جيلي و(أولاد الحلة)، وتواصل اهتمامهم بفتح المساحات لي في مناسبات الحي وامتد إلى الأنحاء، بعد ذلك اكتسبت شهرة بفضل هذه المؤازرة وبدأ قطار الرحلة خط سيره، وتوالت الأحداث بعد ذلك.
*توسدت الفراش الأبيض منذ بضع سنين، مما تشكي ؟
ـ توسدت الفراش الأبيض لفترة تجاوزت 17عاماً مصاباً بجلطة في الدماغ، حدث ذلك بالتحديد في يوم 8/7/ 2000م .. بدأت حكايتي مع المرض في ذاك التاريخ، كنت نائماً استيقظت فجاءة فوجدتني في وضع غير معهود ونقلتني الأسرة للمتشفى أجرى علي طبيب الحوداث بعض الفحوصات فتبين أنني مصاباً بجلطة، بعدها تم نقلي للسلاح الطبي ولكن لا فائدة، وتوالت رحلات العلاج ولكن لا نتائج كما ترى الآن.
*طالت فتره الإصابة، هل يعني ذلك أنها مستديمة؟
ـ كل الأخصائيون أكدوا أن بالإمكان التعافي منها بإجراء عملية محددة، ولكن ضيق ذات اليد حرمني من التعافي والشفاء، ولا أمتلك غير فني ..والآن أصبحت عاجزاً والحمد الله على ما أراده وسطره لي.
*كان من المفترض أن تكون هناك مبادرات للعلاج ؟
ـ لا أتسول بمرضي، ولا أطلب الشفقة والعطف من أحد، نحن قدمنا عصارة عمرنا وشبابنا في خدمة الناس فناً ومواقفاً، هناك حق كان يجب أن يقوم به هؤلاء تجاهنا ولكني لا أطالب بهذا الحق المسلوب، لأن الوفاء لا ينزع .. فقط أطالب بحق الحياة، بحق في العيش وهذا مقصد من مقاصد الإنسانية.
*أكثر مما تشكو منه الآن؟
ـ رفع الدعم عن الدواء أزم محنتي وضاعف من معاناتي، وأنا محمول بأبناء وأسرة كبيرة جداً، أضف إلى ذلك إنني كما ذكرت أصبحت عاجزاً عن العمل ولا أستطيع مجابهة موجة غلاء الأدوية، يكفي صبري عليه. لا أتعشم في فضل من أحد، عشت بكرامتي وسأموت بكرامتي حتى لو كان الثمن هلاكي، ليس العبد الضعيف الذي يتجزع من ابتلاء الله، ولكني المبتلى المحصن بذكره ” أموت كالأشجار واقفاً حتى أهدي للبشرية مبدأً يعيشون به بعزة وافتخار”.
* طالما أن الداء يمكن علاجه، هل وصلتك أي مبادرات؟
ـ هناك وعودات فقط، ولكن حتى الآن لا يوجد شيء، إذا تحققت تلك الوعودات فمرحباً.. وإذا لم تتحقق فسيمتد صبري حتى يأتي حكم الله.
*نعود لأمر رفع الدعم عن الدواء.. كيف كانت معاناتك في الحصول عليه؟
ـ تمثلت معاناتي في عده جوانب أولها “تقطع جرعات الدواء لعدم توفرها، وزيادة أسعارها الباهظة أصلاً.. ففي كثير من الأحيان لا أمتلك سعرها لعدم الدعم وضيق الحال.
*وكيف هي حالتك الآن، استقرت أم ماذا؟
ـ كيف يكون الإستقرار وعمر الإصابة قد تجاوز 17عاماً، بإمكاننا أن نقول إن الحالة قد وقفت في وضع واحد، ولكن المستجدات هي أن هنالك أدوية مستمرة إذا لم تتوفر يمكن أن تتطور الحالة ويسوء وضعي الصحي، وهذا ما أتخوف منه الآن.
*بلا شك أن فترة المرض قد كشفت لك ما لم يكن في الحسبان؟
ـ صدقت القول.. فعلاً قد كشفت لي الكثير من الوقائع والمواقف التي لم تكن في الحسبان، وجدت فيها ما لم أكن أتوقعه، وبالمقابل تناست ذاكرتي أشخاص كانوا من المحيطين بي دوماً، زيادة على ذلك عرفت قيمتي عند الكثيرين .. ووجدت جواباً لتساؤل كان يحوم حول أفكاري لوقت طويل، وهو ماذا يعني إبراهيم حسين للعامة والخواص؟. .
*بماذا خرجت من هذا التصنيف؟
ـ من الدبلوماسية أن لا يكون الجواب بشكل واضح، ولكن ما ذكرته في مجريات الحوار فيه إجابة على هذا المحور.
* بشكل آخر ظلت أغنياتك حتى الآن تردد من معظم المطربين (نجمة نجمة، تعيش أنت ويدوم خيرك ) ألم يكن هناك استفادة مادية من هذا؟
ـ أبداً لم يأتني أي عائد منها ولم أستفد منها أي شيء.
*ولماذا لا تطالب بهذا الحق؟
ـ الفنان الحقيقي لا يطالب بحقه في أغنياته لأنه لا يسترزق بإحساسه، ويبقى من الذوق والإنسانية أن يرد إليه الوفاء بالمثل، حتى ” لا تتسول بحق هو في الأصل لك” .
* لكننا نرى في كل يوم أغنية من أغنياتك تردد في الوسائط الإعلامية، ومعروف أن هذه الوسائط تحرم الفنان من ترديد أغنيات الغير دون استئذان؟
ـ في كل مرة يأتيني فوج من المطربين الشباب يطلبون التنازل، أو السماح بترديد أغنية حتى يتثنى لهم ترديدها في وسيط من الوسائط، أنا تمنعني إنسانيتي من أن أقول لهم غير موافق.. وهذا الجانب قاموا باستغلاله.
*بأي إحساس تتقبلها عندما تستمع إليها بصوتهم؟
ـ جزء من المطربين قام بترديدها بشكل مقبول وبعض الأصوات الأخرى قامت بتشويهها، وفي اعتقادي أنه يجب على هولاء الشباب أن يتريثوا في تقديم أعمالهم، وأن يكفوا عن ترديد غناء الغير، مستعطفين الجمهور حتى يقبلهم بأغنيات هي في الأصل موجودة في الوجدان، يجب أن يقدموا تجربتهم ويطرحوا فنهم حتى يسهم ذلك في رفد الساحة بنمط جديد، وهنا يظهر تأثير الجيل الجديد بما جاء به وليس بما وجده.
*موجة غلاء الأسعار اجتاحت حتى عقودات الفنانين، فأصبح عداد حفلاتهم بما يفوق حد الخيال.. ما رأيك ؟
ـ عدادات المطربين الشباب الآن تساوي بمعايير زماننا ميزانية جمهورية السودان، جزء من رسالة الفنان مشاركة الناس أفراحهم والفرح لا يقدر بثمن، إضافة إلى أنه مرهف الإحساس ولا يثمن نفسه وقيمة فنه بأي أسم أو رقم. في زماننا كان الاتحاد ممثل في سكرتاريته مسؤول من تحديد أجور الفنانين جميعهم، بالرغم من أنهم كانوا عمالقة في الساحة، إلا أن سعر أرتباطهم لا يتجاوز الأربعة والعشرون جنيهاً، وبالنسبة للشباب 12 جنيه، وكل هذا ارتباط جماعي وليس مبلغ يقدره الفنان بنفسه.. بل يفرض عليه هذا المبلغ. وتحديد الأجور كان يجعل الفنان في متناول يد الجميع، ولا يجد عامة الشعب معاناة تذكر في توفير الأجر.
*إنزوى الفنانون الكبار عن خشبة المسرح وبيوتات الأفراح، ما الأسباب التي تقف وراء ذلك؟
ـ أحوال الساحة الراهنة تفيد بأنه لم تعد هناك حاجة إلينا، ولوجودنا في ظل ذوق هذا الجيل، إن هذا الجيل لديه مطربيه ولم تعد تصلنا دعوات للمشاركة، وسيطرة هؤلاء على مشهد الغناء تؤكد صحة ذلك.
*طالما إنك أكدت هذا الغياب، نسأل: هل تم تهميش جيلكم عمداً؟
ـ أغنياتنا موجودة في الساحة الآن ومصدر رزق لكثير من المطربين، استطاعوا عبرها أن يحققوا ثروات كبيرة، وهذا يعكس أنها صالحة للذوق العام. أما هذا الغياب فمؤشراته تؤكد أنه قد حدث بفعل فاعل .
*وهل أستسلمتم لهذا الواقع ؟
ـ الواقع لا يحتاج لعناء حتى يفهم، قمنا بإنتاج غزير من الأغنيات تجاوز المائة أغنية خالدة، وبعد هذا كله لا يمكن أن يحدث أن ” نشحد مساحة استماع، لا يمكن بعد عمر فني تجاوز النصف قرن من الزمان”.
* في اعتقادك لماذا لم يدافع المستمع والمجتمع عن وجودكم وعن حقوقكم؟
ـ هذه مسؤولية كان يجب أن يقوم بها، ومن الظاهر أن المجتمع الآن يجد نفسه في الحالة الماشة، بعد أن تأثر بالسائد من الأغنيات، كجزء من مخطط التهميش الذي أتاح الفرصة لاستقبال هذا النوع من الأغنيات والمطربين.
* دعك من أمر المشهد والساحة، لماذا لم تناضلو ا من أجل نيل حقوقكم؟
ـ الفنان ضمير، والمواجهة تكون بالمنافسة، وإذا أنعدمت شروط المنافسة تبقى الحكاية مجرد مكايدات ليس إلا،” أنا ما تاجر بعرض في بضاعة، أنا فنان بغني غناء إحساس وقيم وجماليات، ولا يمكن أن نصارع بعد هذا العمر”، أكتفي فقط بقول أننا عملنا العلينا، وهذه مسؤولية الجهات المختصة، والمستمع إذا لم يتحرك فبها وإذ لم يأت بالحق المسلوب فعليه، وهنالك عدالة فوق السماء قادرة على إنصاف كل الكائنات ونحن المظاليم.
*لكل فنان قصة مع إحدى أغنياته، فأي من أغنياتك امتازت بحكاية خاصة؟
ـ أغنية “نجمة نجمة”، أذكر إنني لحنتها من مكنة الخياطة، أذكر أنني خرجت من البيت معجباً بالنص، وحملت معي عودي وجلست على مكنة الخياطة وأثناء تطريزي لإحدى قطع القماش جاني إحساس اللحن، مستوحى من حركة المكنة عندما تتحرك على قطعه القماش، أخذت العود واستمريت في تحريك المكنة دون قماش.. وإنا أردد في النص وأكسيه باللحن الذي استوحيته من حركه الدوران، وأكتمل لحنها في وقت واحد. هذه أبرز الحكايات ولكن توجد حكايات مختلفة مع كل ألحان أغنياتي أبرزها ” ليه ياشمعه سهرانة، ساعة الغروب” وغيرها. وتعد أغنية “نجمة نجمة” الأقرب لقلبي، فأول ما تغنيت بها وجدت صدى كبير، وأضافت لي جمهور جديد، ولا زالت حتى الآن محافظة على سحرها، مع إنني تغنيت بها في العام 1974.
* بأي شكل ساهمت الدولة في تخفيف الأعباء عليكم ؟
ـ كان هناك معاش لكبار الفنانين، أسعدنا في بداية العمل به، لأنه يعطينا إحساس بالانتماء والتقدير، فهو حافز معنوي أكثر من أنه مادي. ولكن أوقف قبل 4 سنوات دون تفسير، ونحن نتساءل: ما السبب ؟ وهذا الإيقاف فتح باب تساؤلات عديدة، وأرى أنه ولأول مرة في عرف وقانون الكرة الأرضية يوقف معاش مبدع.. ما السبب لا أدري !
* على أبواب الخروج..
ـ زمان الصحافة إسمها السلطة الرابعة ولكن لا أعرف هل تلاشى الإسم كما تلاشت حقيقة كل المسميات!
ـ الأغنية السودانية من أجمل الأغنيات “لكن تصدقوا كيف”.
ـ كسلا مدينة تنام سحراً وتصحو على أنغام، وإنسان كسلا فنان بذوقه قبل صوته.
ـ لم يعد الإحساس الأول موجود وأنصرفت لعوالم أخرى لا أود الحديث عنها.
الجريدة
______
لك الله يااستاذ يارائع هكذا هو حال مبدعي بلادي الدوله لاتهتم بهم.شفاك الله استاذ اراهيم حسين ..
أغنية ( ليه يا شمعة سهرانة) من ألحان عمر الشاعر يا كاتب التقرير
أنا متأكد ابراهيم حسين لم يقل إنه من ألحانه لكن كاتب التقرير حاول يتفلسف و كتب من خياله.
لك الله يااستاذ يارائع هكذا هو حال مبدعي بلادي الدوله لاتهتم بهم.شفاك الله استاذ اراهيم حسين ..
أغنية ( ليه يا شمعة سهرانة) من ألحان عمر الشاعر يا كاتب التقرير
أنا متأكد ابراهيم حسين لم يقل إنه من ألحانه لكن كاتب التقرير حاول يتفلسف و كتب من خياله.