ألسِنة خِرْفان

*(البعض كالأمواج إذا سايرتهم أغرقوك
وإذا عارضتهم أتعبوك..).
-….-
.. بعد أن تناولت غدائي، قالت لي والدتي:‏
– خالكَ طلبكَ لأمر ضروري.‏
– هل أخبركِ ما هو؟‏
– لا.‏
انطلقتُ مسرعاً، إلى بيت خالي، وأنا أوجس خيفة.. خالي رجل مربوع أكرش، طويل اللسان، مثير للفتن والمشاكل، يعمل سائقاً، منذ ربع قرن.. عندما دخلتُ بيته، استقبلني بالترحيب، وابتسامته المشرقة، تضيء وجهه، المكتنز باللحم، ثم سحبني من يدي، وأقعدني مع القاعدين، حول وعاء كبير، مملوء بألسنة خرفان مقلية، سرعان ما غمرَتْ وجهي بأبخرتها، العابقة بالثوم والبصل..‏
التفتُّ إلى خالي، وقلت:‏
– اعذرني يا خالي، لقد تركتُ الطعام، حينما جئت إليكم.‏
– أهذا كلام؟!‏
– لو علمتُ ما عندكم، لما أكلتُ في البيت.‏
– ما أكلتَهُ في البيت، هضمتَهُ على الطريق.‏
– صدِّقني لا أقدر على أكلِ شيء.‏
– لن أصدِّقك!‏
أمسكتُ عن الكلام، فتناول خالي لساناً، يقطر دهناً، أعطاني إياه، وقال:‏
– كلْ هذا من أجل خالك.‏
أخذتُ اللسان، وبدأتُ آكله، ولا أكاد أسيغه.. التهم خالي، ثلاثة ألسنة، وهو ينظر إليَّ خلسة.. وحينما فرغْتُ من أكل اللسان، التقط خالي، لساناً طويلاً، ناولني إياه، وقال:‏
– انظرْ إليه، ما أجمله!‏
– لا أقدر يا خالي!‏
– شاب مثلكَ، له طول وعرض، ويعجز عن أكل لسان؟!‏
– أقسم لكَ، إنني شبعان!‏
– ألم يعجبك طعام امرأة خالك؟!‏
– لقد أعجبني كثيراً، وليتني أقدر على أكله كلِّه.‏
قال خالي:‏
– كلْ هذا من أجل امرأة خالك.‏
لم أدرِ ما أقول!‏
قالت امرأة خالي:‏
– اجبرْ خاطري، ولا تخجِّلْ خالك.‏
ضاق الحصار حولي، ولم أجد مخلصاً، فأخذتُ اللسان، وشرعتُ أنهش منه، متقزِّزاً كارهاً، داعياً ربي الرحيم، أن ينقذني – سالماً- من هذه الورطة.‏
بعد جهد جاهد، انتهيتُ من أكل اللسان، وشعرتُ بغثيان، فحاولْتُ ضبط نفسي، ريثما أغادر البيت، فحدث ما لم يكن في الحسبان، فقد تناول خالي، لساناً كبيراً، كأنه لسان ثور، أدناه من فمي، وقال جازماً:‏
– امرأتي طالق ثلاثاً، إذا لم تأكل هذا اللسان!‏
حملقتُ إلى اللسان، فاقشعرَّ جلدي، اشمئزاازاً ونفوراً..‏
أخذتُ أتوسّل إلى خالي، وأسترحمه، وأستعطفه، وأستعفيه من أكل اللسان، ولكن خالي، ظل راكباً رأسه، مصّراً على أكله.. تلفتُّ حولي، لم أجد مهرباً.. خالي أمامي كالجدار، يمناه تقبض على اللسان، وتسدِّده إلى فمي..‏
أطبقتُ فمي، إطباقاً محكماً، ولذتُ بالصمت، لأعبِّرَ عن رفضي، بغير كلام..‏
عيون الحاضرين ترمقني، وتطعنني كالسهام.‏
ظللتُ صامتاً، مطبق الفم.‏
توقف الآكلون عن الأكل، وشرعوا يرجمونني بالكلام:‏
– كلْهُ وخلِّصنا، لا تكنْ عنيداً!‏
– ليت لي خالاً مثله، يطعمني بيده.‏
– لولا محبته لك، لما ألحَّ عليك.‏
– أنت مثقف وفهمان!‏
– أتريد أن يطلِّق زوجته؟!‏
قال خالي غاضباً:‏
– لن أطلق زوجتي لأجله، وسيأكله شاء أم أبى.‏
ظللت صامداً جامداً..‏
مدَّ خالي كفَّهُ الغليظة، وضغط على فكيَّ بقوة..‏
انفتح فمي قليلاً، فأدخل فيه طرف اللسان، وصار يدفعه إلى الداخل..‏
لقستْ نفسي منه، وصرت أقيء ما أكلت..‏
ظل خالي متشبثاً بي، يدفع اللسان في فمي..‏
ضننتُ بروحي، فدفعتُ خالي، بكلتا يديَّ، فانطرح على ظهره، بعيداً عني..‏
نهض الحاضرون غِضاباً، وأحدقوا بي من كل جانب..‏
هربتُ مذعوراً، لا أبصر طريقي..‏ عثرتُ بخزانة لئيمة، فأمسكَتْ بي الأرض.‏
انتفض خالي واقفاً، وهجم عليَّ، كثور هائج، يشتمني، ويقول:‏
– أترمي خالكَ يا كلب؟!‏
ربض على صدري الضعيف، وجعل رأسي بين ركبتيه، وأخذ يضغط فكيَّ، فانفتح فمي راغماً، فأخذ خالي، يُدخل اللسان في فمي، حتى لامس سقف حلقي..‏
ضاقت أنفاسي، وانتفخت أوداجي، وجحظت عيناي، وزاغ بصري، خالي ما انفك يدفع اللسان في حلقي..‏
نطقت – في نفسي- بالشهادتين، ثم ارتمى رأسي جانباً، ولم أعد أعي شيئاً..
[email][email protected][/email]‏

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..