مقالات سياسية

قراءة في قرار الدستورية بقبول الطعن بالغاء نيفاشا

قراءة في قرار الدستورية بقبول الطعن بالغاء نيفاشا

سيف الدولة حمدنالله عبدالقادر
[email protected]

وسط الانباء الكئيبة وحالة الانزلاق الارعن نحو نهيار الوطن الذي تقوده عصابة الانقاذ الوطني ، اطلعت على خبر يقول ان المحكمة الدستورية السودانية بعضوية ثلاثة قضاة قررت قبول الطعن المقدم من النائب المصري محمد العمدة عضو مجلس الشعب المصري الذي طالب فيه بإلغاء اتفاقية السلام بين الشمال والجنوب السوداني وانها قد احالته ? اي الطعن ? الى دائرة مكتملة الاعضاء للفصل فيه .

من حق النائب المصري ان يجري تجارب دستورية خارج ارضه ما دامت الارض التي تجرى عليها التدريبات ارض هاملة ، وما دامت ارضه هو قد استقر بها الحال الى الحد الذي سمح فيها دستوره المصري بان يجلس شخص على كرسي الحكم لمدة تجاوز فترة حكم صاحبة الجلالة الملكة نفرتيتي لبلاده ، وقبل التجربة الدستورية للسيد محمد العمدة ، يعتزم مليونان من مواطنيه الصعايدة الانابة عن الشعب السوداني في فلاحة ارض البلد الهامل بمشروع الجزيرة ، فكل هذا جائز ومحتمل ومفهوم .

بيد ان غير المفهوم هو حكم محكمتنا الدستورية الموقرة بقبول الطعن واجازته من حيث الشكل واحالته للدائرة الثلاثية – وقدها رباعي – للبت في موضوعها ، هنا لا بد لنا من القول بأن الدمار الذي اصاب دولاب العدالة في الوطن خلال عقدي الانقاذ الاعجفين اكثر بكثير – من حيث الحجم والأثر – مما اصاب قطاعات اخرى كالتعليم والزراعة والقوات المسلحة … الخ ، فالقضاء السوداني استطاع ان يحافظ على مكانته كأفضل النظم القضائية في افريقيا ? بما في ذلك مصر ? منذ الاستقلال وحتى مجيئ فتية الانقاذ الى سدة الحكم ، بما في ذلك فترتي الحكم العسكري لنظامي نوفمبر ومايو ، وقد توارثت اجيال القضاة تقاليد المهنة جيلا بعد جيل حتى ركب السودان شيطان الانقاذ الذي اطاح ? وفي يوم واحد ? باكثر من نصف مجموع عدد القضاة العاملين واستبدلهم بمنسوبي المؤتمر الوطني من اصحاب اللحى والقفاطين ، والمؤسف ? والحديث عن المحكمة الدستورية ? ان يشمل سيف الاطاحة للصالح العام بالاب الشرعي للفقه الدستوري السوداني في العصر الحديث ، مولانا هنري رياض سكلا ، والذي اسهم في اثراء علوم الدستور باحكام ستظل مزارا لاجيال ستتعاقب من القانونيين سواء في الاحكام القضائية التي اصدرها او المؤلفات الفقهية التي ملأ بها المكتبات، وقد مضى الى ربه في الاعالي بعد مدة قليلة من تاريخ فصله ، دون ان يشهد نهاية ما فعله هؤلاء الفتية بالقضاء وبالوطن ، له الرحمة .

لا ادري ان كان النائب المصري محمد العمدة يعلم ان المحكمة الدستورية هي من صنع اتفاقية نيفاشا التي يطالب بالغائها ، لا من صنع الدستور ، وان نصوص اتفاقية نيفاشا تقول ان على الدستور ان يشرب من البحر اذا خالف الاتفاقية ، و ان رئيس المحكمة الدستورية وقضاتها قد اقتسم ترشيحهم وتعيينهم كل من المؤتمر الوطني والحركة الشعبية ضمن برناج قسمة السلطة بينهما ، فهم ? اي القضاة ? ابناء نيفاشا لا ابناء الدستور الذي يرعونه ، مخصصاتهم الفخيمة وسياراتهم وبيوتهم الراقية وحتى الاوراق التي يكتبون عليها نيفاشوية وليست دستورية .

الواقع ان اقتسام وليمة القضاء بين الشريكين لم يقتصر على المحكمة الدستورية وحدها ، فبموجب اتفاقية نيفاشا انشئت المفوضية القضائية التي اقتسمها طرفا الاتفاقية قسمة الحلال البلال ، بيد ان الحركة الشعبية تنازلت عن حصتها في (وليمة) القضاء طوعا للمؤتمر الوطني وذلك بسبب نفاذ رصيدها من القانونيين الذين فضلوا عليها العمل بالبعثات الديبلوماسية الخارجية او الاستوزار ، لينفرد المؤتمر الوطني بالوليمة القضائية وحده فالتهمها كاملة ولا يزال يتجشأ .

ونحن ? رعايا دولة السودان ? اذ نشكر للنائب المصري محمد العمدة نخوته التي جعلته يلتفت عن هموم وطنه مصر وبلاويها ويحمل همنا في جنوب الوادي ، ويتحمل من جيبه رسوم رفع الدعوى الدستورية في السودان وهي لا تقل عن ثمن سيارة بيجو بين المحافظات ، بالاضافة للمصروفات الاخرى التي يدفعها للمحامين والممثلين القانونيين ، ومع ذلك ، لا يمكن النظر الى هذه الخطوة من النائب المصري على انها مجرد – قلة شغلة ? منه ، فالناظر الى المأزق الذي اوجدت فيه حكومة الانقاذ نفسها باقتراب موعد الاستفتاء مع عجزها عن الوصول الى حل بشأن معضلة ابيي ، وصحوة المطالبين بتنفيذ قانون ( المشورة الشعبية ) الذي نصت عليه اتفاقية نيفاشا لكل من سكان منطقتي جبال النوبة والانقسنا ، والتي باتت تهدد بشكل واضح بظهور بؤر تمرد ومطالبات انفصالية لسكان المنطقتين ، واحتمال تصاعد سقف مطالبات اهل دارفور بالانفصال ، وتدهور الحالة الاقتصادية وارتفاع سعر العملات الحرة وانعدامها الذي منع تدفق البضائع المستوردة في ظل عدم كفاية المنتجات الزراعية وتوقف الصناعات المحلية للسلع الاساسية كالزيوت والصابون والكبريت والقماش … الخ ، فمع هذا المشهد ، لا يمكن استبعاد احتمال جدية هذه الدعوى الدستورية التي ارى انها قد تمت بايعاز من المؤتمر الوطني لتنتهي بصدور حكم دستوري بالغاء الاتفاقية لتفريغ الازمة الى محور جدلي شعبي من نوع آخر ? حتى لو لم يكن ذلك جائزا من الناحية القانونية ? الامر الذي يمكن المؤتمر الوطني من كسب الزمن الكافي لتجميع انفاسه التي بات واضحا انه قد افتقدها بالكامل .

سيف الدولة حمدناالله عبدالقادر

[email protected]

تعليق واحد

  1. سمعنا من المؤتمر الوطني بل من رئيس الجمهورية مطالبات بتعديل اتفاقية نيفاشا – من باب تحصيل الحاصل و اللعب في الزمن بدل الضائع و بعد ان غابت السكرة و جاءت الفكرة و شبح الانفصال و ذهاب البترول اوشك ان يتجسد – هذه الاتفاقية التي كان المؤتمر يعض عليها بالنواجذ و يقدسها اكثر من القرآن الكريم…. الراجح الآن ان سعادة النائب المصري مدفوع و مدفوع له من المؤتمر الوطني للمشاركة في تمثيلية سمجة تشارك فيها ما تسمي بالمحكمة الدستورية و التي تمارس العدالة الدستورية بعينين مفتوحتين و بانتماء صريح للمؤتمر الوطني بلا خجل ! و ما تم حركة لا معني لها اذ لا تستطيع المحكمة المؤتمروطنية الدستورية الغاء الاتفاقية و لو الغتها فلن تمنع الانفصال باستفتاء و بغير استفتاء …. الغاء الاتفاقية بغرض الغاء الاستفتاء بواسطة قضاة المؤتمر الوطني حركة لن تنطلي علي احد خاصة القوي الدولية التي ايقنت تماما ان المؤتمر الوطني يتماحك و يتماطل و يريد ان يشعل حربا يخفي بها فشله و يقمع بها شعب السودان الذي ضاق به الحال و سوء المآل الي درجة تعود فيها ان ينفجر. هذه المسرحسة السمجة سيئة الاخراج و هذا المصري " المكري المحرش" لن يغيرا المصير المحتوم الذي تسبب فيه المؤتمر غير الوطني بل سيزيد الطين بله ليس باشعال حرب فقط بل لمواجهة قوي المجتمع الدولي لتصبح حربا لا تبقي و لا تذر و تحول السودان الي عراق اخري في الوطن العربي!
    متي يتعلم اهل المؤتمر غير الوطني من التجارب و الي متي يعيدون انتاج الفشل و المآسي لشعب السودان بل و يفاقمونها و يزيدونها بله؟؟

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..