لحس المكوة والدفاع بالنظر !!!

حكايا

لحس المكوة والدفاع بالنظر !!!

صدقي البخيت
[email][email protected][/email]

في خمسينات القرن الماضي , وفي امدرمان معقل الحقيبة وشعراءها ومطربيها , مقهى صغير يجتمع فيه اهل الشعر والفن يتسامرون
على اضواء ام در الخافتة وطبيعتها الهادئة خصوصا في فترات المساء .
تلك الليلة اجتمع فيها عدد من صناع الكلمة دخل عليهم شاعرنا محمد بشير عتيق وهو في مطلع شبابه فتى يشع ذكاء وحضورا , ولج الى المقهى فترامى الى اذنيه حديثا كان يدور بين الجالسين , ورغم ان حديث الكبار كان يدور بصوت خافت اقرب الى الهمس , الا ان صاحبنا استطاع ان يسترق السمع دون ان يتقصد ذلك , والحديث كان يدور عن احدى حسناوات حي المسالمة . رجل يتحدث واخرون اعجبهم محتوى الكلام فباتوا يقاطعون المتحدث الذي بالغ في وصف الفتاة موضوع الحديث . وسأل سائل عن وصف المنزل الذي يضم تلك الحسناء فازداد تركيز صاحبنا وحفظ الوصف بدقة وهو يشكر السائل في سره لما اسداه له من خدمة .

ويقال ان الشاعر عتيق ظل يتردد يوميا على الحارة ويمكث ما شاء الله له ان يمكث من ساعات حتى يحظى برؤية الفتاة , وطال انتظاره ثلاثون يوما وهو يمر من امام المنزل جيئة وذهابا . وفي لحظة من لحظات مروره امام باب المنزل مباشرة يفتح الباب , ثم يطل منه ملاكا صغيرا رائع الحسن , وباهي الجمال , لم يصدق صاحبنا عينيه فاخذ يحدق الا ان الفتاة نظرت الا الارض في حشمة وحياء , فأكمل طريقه وهو يردد
بالبدر او بالزهر هم ما انصفوك يا جميل , الاوصفوك ..
اكمل طريقه الى المقهى واكمل سهرته وهو صامت , وعندما عاد ادراجه الى بيته كانت القصيدة مكتملة كما نسمعها الان .

كان العبادي في ذلك الزمان يجيز الشعر الغنائي عن طريق ختم خاص موضوع في خاتم في ابهام يمناه , فاخذ عتيق قصيدته وقدمها الى العبادي ليجيزها له . فقرأها العبادي اكثر من مرة ورد على عتيق قائلا ( قصيدتك جميلة ولكن دايرة ليها سمكرة )
لم يكترث عتيق كثيرا ولم يحاول تغيير محتوى كلمات (الاوصفوك ) ووضعها في درج خاص وتناساها .

المرحوم خضر بشير كان يزور عتيق بالصدفة في منزله بامدرمان بعد هذه الحكاية بعشر سنوات تقريبا واثناء (الونسة ) سأل خضر عتيق : هل لديك اي عمل جديد تقدمه لي , اعتذر عتيق ولكنه استدرك قائلا هناك قصيدة كتبتها قبل فترة ولم تعجب العبادي حينها , فعندما سمعها خضر بشير طار بها فرحا , وحرص على تلحينها بنفسه وكانت من اروع اعماله له الرحمة .

قرأت اعلان فني قبل يومين لاغنية جديدة لمطرب يسمي نفسه(البروف ) خالد العمدة تقول في بدايتها (كان بريدك الحس المكوة وانت في قلبي جوة مابتسوة) !!! لشاعر وملحن يدعى محمد صالح بحسب الاعلان .
تمعن يرعاك الله ويحفظك , اذا كان العبادي في الخمسينات لم يجيز ( الاوصفوك ) فكيف تخرج هذه الكلمات بعد ستين عاما , وكم هي السرعة التي نهرول بها نحو الانحطاط الفني المرتب والمدروس , والى اين يتجه شبابنا وهم قادة هذا الشعب فنيا وسياسيا ورياضيا واجتماعيا في المستقبل القريب , اي مستقبل موحش ينتظرنا ؟!!
هل هناك اي لجنة او هيئة للمصنفات الفنية واجازتها الان , وان وجدت ماهو دورها وكيف يسمح بانتشار هذا الكم المتصاعد من الكلمة الرديئة في الاوساط الفنية , وهل كل من هب ودب يستطيع ان يمارس الشعر الغنائي ككاتب او مطرب او ملحن دون رقابة او توجيه .
الفنون دائما تعكس حضارات الدول ورقيها وتطورها , ونحن نثبت لانفسنا يوما بعد الاخر اننا جديرون بالفشل في شتى المجالات , الفن والسياسة متلازمان بل هما وجهان لنفس العملة .بمعنى اقرب فان لحس المكوة والدفاع بالنظر يعكسان مدى الثقافة التي تشكل شعبنا رياضيا وسياسيا ثم فنيا
دمتم

تعليق واحد

  1. هذه النتيجة يا أخي التي كنا نتوقعها في هذا العهد ، عهد الإنحطاط في جميع المجالات ، في عهد يتلفظ قادته بمصطلحات ك(لحس الكوع ) و غيرها، بالأمس رأيت ( الحوت ) في قناة الشروق و يقف بجانبه حوت حقيقي ما أدري ما إسمه و هما يتغنيان بإحدى الأغاني الهابطة و في ختام الأغنية تبادلا العناق و القبلات ..!!

  2. حليل زمان وسنسين زمان ياعم المجود ده ماالسودان ولا فيه ديل سودانين الله ارحمك يا ابوى

  3. عشنا وشفنا لحس ( المكوة ) وللمكوة هنا حيث أقيم معنى غريب وعجيب والله لا ابتلاكم بلحس المكوة .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..