حلايب بين أماني المواطنين والواقع المفروض

تثار قضية حلايب من وقتٍ لآخر وفي المواسم السياسية كشعار يتبناه القادة السياسيون استجابةً لمشاعر مواطنيهم الذين ظلوا يحلمون بحسم هذه القضية. ويتنازع الشقيقان السودان ومصر حول تبعية (المثلث) والصراع حول حلايب هل هو تنازع حول (الأرض) أم المواطن المقيم على تلك الأرض؟

فحلايب هي أرض (البشاريين والعبابدة) ويقول المؤرخون إن (البجا) وهنا نعني (البشاريين) تتوغل حدودهم داخل الأراضي المصرية حتى (أسوان), حتى أن الإخوة في مصر يطلقون على اللون الأسمر (أسواني).
والبشاريون كانوا هنا قبل أن ترسم الحدود بين السودان ومصر. وكلمة (حلايب) تعني نوعاً من النباتات وهي ذات معنى في اللغة البجاوية, ولطالما كان (المثلث) هو موطن البشاريين قبل أن تفصل الحدود, علينا أن نأخذ برأي المواطنين المقيمين في تلك البقاع.
والبشاريون الآن يقطنون في السودان ومصر إلا أن معظمهم تميزهم عن مصر الثقافة البجاوية السودانية وتحكمهم أعراف البجا والتقاليد السودانية, وأذكر أنني زرت في العام (1984م) منطقة (شلاتين) المتنازع عليها في معية المرحوم حامد علي شاش الحاكم الأسبق للإقليم الشرقي, وقد كلفه السيد عبد الله خليل للذهاب لتلك المنطقة ممثلاً لحكومة السودان, أقلتنا طائرة (هليكوبتر) من بورتسودان إلى حلايب ثم انتقلنا إلى شلاتين بعربة (لاندروفر), ورغم أن العربة كانت تحمل علم الحاكم إلا أن الشرطة المصرية في النقاط المبعثرة على المنطقة من (أبو رماد) إلى (شلاتين) أوقفت عربة السيد الحاكم عدة مرات بقصد إفهامنا أن الأرض مصرية, وعند وصولنا إلى قرية (شلاتين) استقبلنا الأمن المصري وهو يتقدم زعماء قبيلة البشاريين الذين اصطفوا لمقابلتنا, وظل يعرف الزعماء بالسيد الحاكم كأننا أجانب أو كأن البشاريين مصريون. وكان الضابط يقول للزعماء البشاريين (سلموا عليهم ما فيهاش حاجة, إخوانكم يعني), كأننا لا نعرف زعماء البشاريين وأنهم لا يعرفوننا, وفي مكان الضيافة وقف شيخ البشاريين ليرحب بالسيد الحاكم وبدأ خطبته بلغة البجا إلا أن المخابرات المصرية التمست منه أن يتحدث باللغة العربية فاستجاب الزعيم لطلبهم إلا أنه في نهاية الخطب رطن باللغة البجاوية مخاطباً المرحوم شاش قائلاً: (بعدين نديك الخبر) أي بعد أن ننفرد بك بعيداً عن مسامع الاستخبارات المصرية.
كان الضيق من هيمنة المجتمع المصري بادياً في أحاديثهم, وكان المصريون قد سيطروا على سلوك المواطن وحددوا تحركه وصادروا حريته وذلك بالإغداق على المجتمع الفقير بالخدمات ومدهم بالغذاء والماء وتخصيص منح للطلاب بالقاهرة وتوفير الوجبات للتلاميذ في مراحل التعليم الأساس.
إذن قضية حلايب قديمة ومتجددة, وهي قبل مجيء مؤتمر البجا إلى سدة الحكم وقبل مجيء ثورة الإنقاذ الوطني, ولقد أهملت الحكومات السودانية المتعاقبة أهلنا البشاريين الذين تصدوا لغزوات الفراعنة
والرومان, ولكننا تركناهم للمجاعات والجفاف حتى أصبحوا في مهب الريح بعد أن جفت الأرض ونفقت الثروة الحيوانية, نسيناهم وأهملناهم حتى ظلت تسيطر على أعرافهم وثقافاتهم أعراف وثقافات (غريبة) على مجتمعنا البجاوي السوداني.
إننا في السودان نثور ونلهب المشاعر حتى نصل درجة الاشتعال, ثم فجأة يخمد الاشتعال ونغط في نوم عميق وكأنما لم تكن هناك قضية وكأنما لم تكن (حلايب) في خارطة العالم.
إن إهمال السنين يولد الاغتراب النفسي ويباعد النفوس ويذيب الشخصية, وليست هناك صراعات دموية ولا منازعات قبلية بين السودانيين والمصريين على نحو ما يجري في أنحاء أخرى من الوطن ورغم ذلك فإن اللجوء إلى المحاكم العالمية قد يرضي الأطراف المتنازعة ويحسم أمر تبعية الأرض, واللجوء إلى (لاهاي) يقفل الأبواب ويتيح للحكومتين تعمير المنطقة بمشروعات التكامل التي تعضد أواصر الإخاء بين الشعبين.
إن الإهمال يولد الأحقاد ويوسع شقة الخلافات بين الحاكم والمحكوم, ونحن في السودان بدلاً من أن نتباكى على مصير مواطنينا ونجتر الذكريات ونثير العواطف, علينا أن نشكل حضوراً مكثفاً وأن نتماهى ونتفاعل معهم وننثر العلم في ربوعهم ونمسح غبار النسيان من على وجوه الكادحين ونغذي عقولهم بجرعات من الدروس والعلوم.
الانتباهة

تعليق واحد

  1. أكيد فيوم بيزول حكم ابن الغفير حلاب البن الهزيل ويحكم السودان رجل يعيد ما سلب منه حلايب سودانية

  2. أكيد فيوم بيزول حكم ابن الغفير حلاب البن الهزيل ويحكم السودان رجل يعيد ما سلب منه حلايب سودانية

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..