الحمد لله على انهيار دولتي "الخلافة"

د.حمود الحطاب
سقطت الاتجاهات السياسية الإسلامية سياسيا ,وسقطت معها تزامنا موقوتا دولتان للخلافة الإسلامية كما تخيلوها, وكأنهما أقيمتا من ورق! إحداهما, وهي دولة"طالبان" الأقرب للتيار السلفي, بنيت من الأعصاب المشدودة, وكم هائل من الأقفال والعقول المغلقة, فأتلفت الحياة الطبيعية والدينية معا!
الدين لا يقوم إلا في الحياة الطبيعية البشرية التي لم تدخل في عقول "طالبان", فحرموا متع الحياة الحلال على الناس وأخذوا بالرأي المتشدد في الدين, وهم يقودون شعوبا فيها المؤمن قوي الإيمان, والمسلم ضعيف الإيمان والمنافق مذبذب الإيمان, ويقودون المرأة والطفل والكهل والاقتصاد والتعليم والحرب والسياسة, وفي وسط عالمي مذهل في انفجارات العلم والمعرفة والتطبيق. فلم يفعلوا غير العمل التشددي في العادات والتقاليد وأوقعوا الحياة في حفرة الضيق ودفنوا في قبور الفكر المظلمة الأمل والبسمة والبراءة في الحياة التي خلقها الله حرة, وقالوا للناس هذا هو الدين الإسلامي, وأساءوا إليه أيما إساءة.
لست أدري, وأنا كنت أدري; لست أدري أي كذبة كبرى كذبها أتباع "طالبان" علينا وعلى الناس ونقلها بكل غباء مشايخ الناس هنا عندنا وهناك, ومن على منابر بلد الوعي والحضارة والتفكر والحرية, حين أغرقونا بالزعيق الخطابي والصراخ, وقالوا في كل جمعة خطبوها وأذهلوا الحضور بها: إن الأفغان كانوا يرون الملائكة تقاتل معهم على خيول تأتي إليهم من السماء أثناء حرب أفغانستان ضد الاتحاد السوفياتي! تلك الحرب التي كانت تقاتل فيها حقا ليست الملائكة وإنما الولايات المتحدة الأميركية بأيدي الأفغان والتي أمدتهم بكل عون.
انتهت "طالبان" كدولة دينية مزعومة, والتي هي إلى السلفية المتعصبة المتشددة أقرب, رغم أن تأسيسها كان إلى اتجاه الإخوان المسلمين, ورعايتهم لها كان أقرب. وانتهت معها أجندة عمل مهلهلة لحكم قيل عنه تعسفا إنه حكم ديني إسلامي!
كانت أجندته بيضاء فارغة, كانت بيضاء من فراغها, بيضاء إلا من صفحات مكتوبة بخط اليد وغير المقروء, وريقات مبعثرة الفكر والتناغم مع الحياة والأحياء حكموا بها البلاد والعباد, ولا دستور ولا حكم شورى ولا توسعة على الناس, ولا أرزاق ولا تعليم ولا مدنية ولا حضارة, دولة كانت جامدة جمود من ينتظر الموت ومن غير حراك. وقد جاءهم الموت وهم ينظرون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ومع انتهائها تلك الدولة المسكينة يظهر فارس ليس ملثما يقود حربا بالديناميت وال¯"ت أن ت, على دول تسير قواعدها العسكرية على أرض وعلى البحار!
دول تمشي على البحار بحاملات الطائرات العملاقة, وأجهزة العلم الحديثة وفنون القتال المتطورة. ويستمر ذلك الفارس يرمي "الأباتشي" والدروع الجبارة بالكلاشينكوف الخفيف ويده ترجف من ضعفها, وهو يحرك زناده الرقيق ليرمي هدفا وهميا, فتدفعه البندقية التي لا ارتداد قوياً فيها إلى الخلف فتطيش الطلقات التي كان يستعذب ألحانها من هذه البندقية الرشيقة, فهذه البندقية الروسية لها أنغام حلوة عذبة تغري صاحبها بإفراغ ملايين الزخات منها ليستمتع بألحانها المدوية التي تكسبه نشوة وهمية لا حقيقة مادية معها, وهي لا تسخن أبدا مهما غنت ورقصت, ولكنها مع كل هذه التقنية المناسبة للرقص في ميادين الحروب الشعبية قد واجهت حرب الأقمار الاصطناعية والاشعاعات المرتدة.
ولم يستطع ذلك الفارس مواجهتها بالمثل, والذي كان لايرى من اشعة عينه حتى قمر رمضان الذي لا يراه إلا بالعين المجردة التي يغم عليها الهلال هلال شعبان ورمضان, فتكمل عدتهما ثلاثين يوما.
ويسقط فجأة من دون حساب منه للتقدم العلمي العالمي, يسقط في فراشه ذلك الفارس الغني والمتواضع في هيئته, يسقط في قلعته الطينية مضرجا بما تبقى فيه من دماء قليلة, فلقد كان مريضا ضعيفا هزيلا, بعد أن راقبوه بالأشعة وتابعوا حتى اللقمة وهي تدخل في أمعائة الضيقة المتهالكة. لقد اصطادوا ذاك التحدي من ذاك الذي لايحسن القراءة في الحياة.
ويسقط مع الفارس غير الملثم كل تبجح وغرور وكذب ووهم لتلكم التيارات التي أساءت إلى دولة الخلافة في أفغنستان, لتأتي دولة السودان فتكمل السقوط الرهيب لتجربتين لإطلاق دولة خلافة إسلامية في فضاء أفكارهم المحدودة .
والحمد لله أنها لم تقم تلك الدولة. فلو قامت لكانت أكثر صورة بشعة تشوه أجمل مبادئ على الأرض. إلى اللقاء.
* كاتب كويتي
[email protected]
السياسة