بطل عالمي في الملاكمة يتحول بقوة إلى السياسة في أوكرانيا

حين سار فيتالي كليتشكو في أحد شوارع كييف هذا الأسبوع، اتجهت أنظار جميع الناس لمشاهدة هذا الرجل صاحب البنيان الضخم. مد كليتشكو، الذي بدا وسيما في مظهر وحشي، من خلال منظر العروق البارزة في رقبته، يديه اللتين بدتا في حجم طبقين كبيرين، لمصافحة مهنئيه، هاتان اليدان اللتان اشتهر بهما بطل ألحق الهزيمة بـ39 خصما خلال مسيرته الرياضية كبطل ملاكمة محترف. غير أن كليتشكو، الحائز على لقب بطل العالم للوزن الثقيل من مجلس الملاكمة العالمي، لم يكن هنا في العاصمة للمشاركة في مباراته التالية، ولم يكن يحيي معجبيه بصوته الجهوري، بل كان يتحدث عن السياسة الأوكرانية، مستشهدا دون توقف بتشبيهات من لعبة الملاكمة، على نحو حاز إعجاب الحضور هنا.

كان حزبه المعارض «اللكمة» the punch، قد فاز بمقاعد في المجالس التشريعية المحلية في 15 منطقة من إجمالي 24 في أوكرانيا الخريف الماضي. وعلى المستوى الوطني، على حد قول معاونيه، تشير الاقتراعات إلى دعم للحزب من قبل نسبة تقدر بنحو 4,5 في المائة من الناخبين المحتملين – ليست نسبة كاسحة، ولكنها كافية لوضع حد نسبته 3 في المائة للتأهل للانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها العام المقبل.

ويناضل كليتشكو، الذي خاض مباراته الأولى للحصول على لقب بطل العالم، ضد لينوكس لويس في لوس أنجليس في عام 2011، لحشد المعارضة الممزقة في أوكرانيا. وهو من مؤيدي الوحدة الأوروبية ويدافع عن اللغة الأوكرانية بوصفها لغة وطنية. لكن يبدو أن العامل الأساسي الذي يجعله يحظى بجاذبية خاصة هو أنه قوي البنية وطويل القامة، إضافة إلى أنه لم يشغل أي منصب حكومي من قبل في أوكرانيا على الإطلاق.

ويرى خبراء سياسيون ودبلوماسيون أن السجال التلاحمي المستديم بين الطبقة السياسية الأوكرانية، الذي تجلى الأسبوع الماضي حين ألقى المدعون القبض على زعيمة المعارضة، يوليا تيموشينكو، أثناء محاكمتها بتهم يقول مؤيدوها إنها ملفقة – قد خيب آمال جمهور الناخبين هنا، حيث إن الناس يتوقون لرؤية وجوه جديدة على الساحة السياسية.

ويقول كليتشكو، الذي توقف الأسبوع الماضي عن تمرينات الجري ورفع الأثقال والملاكمة التي اعتاد القيام بها مرتين يوميا بموقعه التدريبي في النمسا، من أجل العودة إلى كييف احتجاجا على اعتقال تيموشينكو، إنه مهتم بالسياسة على أمل إحياء المعارضة المنهكة من جديد.

«ليس من الطبيعي على الإطلاق أن يزج برموز المعارضة السياسية واحدا تلو الآخر في السجن».. هكذا تحدث كليتشكو في لقاء أجري معه مؤخرا، مشيرا إلى ما يقوله بعض المدافعين عن حقوق الإنسان من أنه تطهير شامل لرموز المعارضة من قبل حكومة الرئيس فيكتور يانوكوفيتش. إلا أنه استطرد سريعا بقوله إنه يدعم الحريات السياسية بشكل عام، وليس تيموشينكو على المستوى الشخصي.

وقال: «بالطبع نفهم أن تيموشينكو ليست معصومة من الخطأ». وأضاف: «هناك جوانب سلبية في سلوكها. الحكومة الحالية والمعارضة اللتان كانتا تتبادلان الأدوار من حين إلى آخر متوافقتان تماما مع بعضهما البعض». وفي إشارة إلى الفرصة المتاحة لشخصيات جديدة، تشير استطلاعات الرأي هنا إلى أن نسبة 35 في المائة من الناخبين المحتملين لم تحسم أمرها بعد. وكان الكثير من هؤلاء مؤيدين للتحالف الذي تولى مقاليد السلطة بعد مظاهرات الشوارع المعروفة باسم الثورة البرتقالية، بحسب ما ذكر ميخائيل بوغريبينسكي مدير مركز الدراسات السياسية والنزاعات في مقابلة أجريت معه مؤخرا. وقال بوغريبينسكي: «شعبية الحكومة تتضاءل، ولكن الناس لا يرغبون في التصويت للتحالف البرتقالي». وأضاف: «الفرصة مهيأة الآن لظهور شخصية سياسية جديدة».

ومقارنة ببيلاروسيا وروسيا المجاورتين لأوكرانيا، فإنه في غضون عشرين عاما تقريبا منذ إعلان الاستقلال في أوكرانيا في 24 أغسطس (آب) 1991، قامت العديد من الأحزاب السياسية بتحديد أسس معينة ترتكز عليها في عملها. بعض الأحزاب يدعم قضايا محلية مثل القومية الأوكرانية الغربية وإقامة علاقات أقوى مع روسيا على شبه جزيرة القرم. أما بعضها الآخر، فهو أكثر قومية في نطاقه، أو منحاز إلى جانب الأعمال والمشاريع التجارية، فيما تتمثل أحزاب أخرى عديدة في مجموعات منشقة تركز على شخصيات على شاكلة تيموشينكو.

يتألف البرلمان من ستة أحزاب سياسية و24 عضوا مستقلا. وتعتبر أوكرانيا أكثر تشعبا من بيلاروسيا المنقسمة إلى الشرق المؤيد لروسيا والغرب المؤيد لأوروبا. ويعني هذا أنه حتى إذا كان يانوكوفيتش يسعى إلى قيام اتحاد سياسي هنا مماثل لذلك الذي شكله فلاديمير بوتين في روسيا، مثلما يعلن منتقدوه، فمن المرجح أن يكون هناك صراع ممتد. ويقول يانوكوفيتش، من جانبه، إن المدعين يفرضون فقط إجراءات صارمة ضد الفساد. وعلى نحو ينطوي على نوع من التناقض، يبدو اعتقال تيموشينكو وكأنه بث الحياة من جديد في المعارضة، حيث شكل 12 حزبا ائتلافا مؤقتا، أطلق عليه اسم «لجنة المقاومة للديكتاتورية»، لمعارضة الاعتقال.

يعتبر كليتشكو، وهو ابن جنرال سوفياتي في القوات الجوية، لاعب ملاكمة محترفا. وهو واحد من بين أربعة لاعبي ملاكمة يفوزون بلقب بطل العالم ثلاث مرات مختلفة. اللاعبون الثلاثة الآخرون هم محمد علي ولويس وإفاندر هوليفيلد. ويعتبر هو وأخوه، فلاديمير، الملاكم أيضا، بطلين رياضيين في أوكرانيا.

وسعيا لإحداث طفرة في مجال السياسة، يتبع كليتشكو نهجا اتبعه مؤخرا ماني باكوياو، بطل العالم في فئات أوزان عديدة وعضو البرلمان في الفلبين، الذي يشاع أنه يفكر في الترشح لرئاسة الفلبين.

كان كليتشكو، الذي يبلغ من العمر 40 عاما ويجيد أربع لغات ويحمل درجة الدكتوراه في العلوم الرياضية – مما أدى به إلى الترويج لنفسه مهنيا باسم دكتور «أيرن فيست» أو القبضة الحديدية، على موقعه الإلكتروني – قد بدأ بداية غير ناجحة في مجال السياسة، متكبدا خسارة مرتين في سباقات انتخابية لشغل منصب عمدة كييف. ويقول كليتشكو: «في الملاكمة والسياسة على حد سواء، لا يمكنك التنبؤ بالنتائج». ويضيف: «يجب أن تكون مستعدا لخوض 12 جولة. ولكن إذا فزت في الجولة الأولى، يجب أن تكون مستعدا لأن تحقق الفوز سريعا». ومثل كثيرين في أوكرانيا، شهدت سياساته تحولا من التحمس إلى الثورة البرتقالية إلى الانقلاب ضدها. وفي الأوقات الأكثر عنفا في إطار مباريات الملاكمة، دافع باستماتة عن لقبه كبطل العالم في الملاكمة ضد داني ويليامز من بريطانيا في ديسمبر (كانون الأول) 2004، بينما كان يرتدي زيا برتقالي اللون، ثم أهدى انتصاره إلى الديمقراطية الأوكرانية.

وعقب مؤتمر صحافي في كييف يوم الثلاثاء، استقل كليتشكو سيارة «تويوتا لاندكروزر» سوداء وجاب أنحاء كييف لعقد اجتماعات مع دبلوماسيين أجانب، مارا بمظاهرات في الشوارع تدعم تيموشينكو.

ربما يكون اتخاذ موقف قوي بشكل مبالغ فيه خطوة خاطئة.. هكذا تحدث مستشاروه السياسيون، خشية أن يكون عقد تحالف قوي مع الائتلاف البرتقالي بمثابة عائق سياسي. وعبر عن فلسفة تقترب من تلك التي يتبناها لاعب ملاكمة آخر على درجة كبيرة من الوعي السياسي، هو محمد علي، الذي يطير كفراشة ويلدغ كنحلة. «الذي يوجه اللكمة لا يفوز».. هذا ما قاله كليتشكو. واستطرد: «من يتفادى اللكمة هو الذي يفوز». وأثناء اللقاءات التي أجراها الثلاثاء، ارتدى بدلة مخططة ذات لون رمادي داكن. وفي المصعد بالمبنى الكائن فيه مكتبه، ابتهج أفراد السكرتارية بمجيئه. وعلى الرغم من ذلك، يقول حزبه إنه يحظى بشهرة أكبر بين الرجال، وعلى وجه الخصوص من محبي الرياضة.

* خدمة «نيويورك تايمز»
الشرق الاوسط

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..