?الحقيبة? أيقونة الغناء السوداني التي تقاوم الأغاني الشبابية الهابطة

لا تزال أغاني (الحقيبة) التراثية التي يعود ظهورها إلى أكثر من مئة عام، تتمتع بشعبية كبيرة في السودان، حيث تحتفظ هذه الأيقونة الموسيقية بأسرار التراث السوداني وتاريخه الثقافي المتنوع وبحسب صحيفة العرب القطرية فإن هذه الأغاني التراثية يعتمدها أكثرية الموسيقيين كعمود فقري للحركة الغنائية في السودان. ولأن أغاني (الحقيبة) انتشرت قبل وصول الأوركسترا إلى البلاد، فإنها ارتكزت بالأساس على مغنّ واحد، يردّد من ورائه آخرون مقاطع الأغنية دون آلات موسيقية سوى الرق (الدف) والطبل. وما ساعد في ذيوع (الحقيبة)، إفراد حيّز كبير لها في الإذاعة السودانية، بعد تأسيسها عام 1940، وتغطيتها تدريجيا لأنحاء مختلفة من البلاد. ومن الإذاعة، أخذت هذه المقطوعات، وفقا لأكثر الروايات تداولا، اسم (الحقيبة)، وذلك نظير بثها، ابتداءً من عام 1954، في برنامج إذاعي بعنوان (حقيبة الفن). وهذه الأغاني، المُكرّسة لتمجيد الفروسية، كان لها الفضل في تغذية الروح الوطنية، لمناهضة المستعمر الإنكليزي، حتى خروجه من البلاد العام 1956. وتاريخيا لم تكتف (الحقيبة) بالدور السياسي فقط بل دعّمت قضايا مجتمعية ملحة، مثل الاهتمام بالتعليم الذي كان وقتها محدودا، من حيث شكله الحديث المُهيكل في مدارس وجامعات. أيامها، كانت الخلاوى (مدارس تقليدية لتحفيظ القرآن الكريم واللغة العربية) مصدر التعليم الرئيس، ويديرها شيوخ الطرق الصوفية الذين يدين لهم غالبية السكان بالولاء. ولأن عددا مقدّرا من فناني هذا الضرب كانوا من خريجي (الخلاوى)، امتدت أعمالهم للمدائح النبوية الشريفة والحضّ على مكارم الأخلاق. ومن تأثيرات مدارس (الخلاوى) على أغاني الحقيبة، أن كثيرًا منها أُقرض من اللغة العربية الفصحى بجانب العامية. ويقول الباحث ومغني الحقيبة محمد حسن الجقر إن ?هذه الأغاني كانت تحاول تثبيت قيم مجتمع زعزعه الاستعمار، لذلك لم تنزلق إلى تقديم فن متدن?. وحتى الأغاني التي بها جوانب من الغزل، يضيف الجقر أنها ?لم تكن تخرج عن حدود العرف السائد، مع وجود البعض من الاستثناءات?. ويعتقد الباحث السوداني أن السمة الأهم لأغاني (الحقيبة) هي ?المساهمة الكبيرة في تكوين النسيج الاجتماعي بدمج المكونيين العربي والأفريقي?. ويستشهد الجقر بأن هذه الأغاني ?اعتمدت على إيقاع الطبل والرق (الدف) وهذا مكوّن رئيس في اللحن الأفريقي، مع كلمات عربية فصيحة أقربإلى العامية، لذلك حظيت بالقبول عند الثقافتين?. وشأنها شأن بقية روافد الأغنية السودانية، تُعزف (الحقيبة) على السلم الخماسي. ومع أن هذه الأغاني التراثية كانت ولا تزال في موضع زخم، إلا أن وتيرتها ارتفعت، خلال الأيام الماضية، من خلال مهرجان يوثق لها، هو الأول من نوعه.
اليوم التالي