تجربة اعتقال عضو هيئة شؤون الانصار وامام مسجد مردس بالكلاكلة الخرطوم

كتبت عن ملابسات اعتقالي مقالاً بعنوان “المِحنة حين تتحول إلى منحة!” ولكن البعض رأى أن هذا غير كافٍ بل لابد من تفصيل فرأيت أن ألخص ما شاهدت وما سمعت في ما يلي:
– تم اعتقالي في يوم الجمعة 16 /12 /2016م من منزلي بالكلاكلة القبة جوار المعاهد البريطانية على خلفية خطبة الجمعة الي ألقيتها في ذات اليوم بمسجد الحاج مردس بالكلاكلة القبة.
– الخطبة تناولت موضوعين: الأول فقه الأولويات أوضحت فيها أن مراتب الأعمال والتكاليف في الإسلام متفاوتة وليست على درجة واحدة؛ ففيها الضروري وفيها الحاجي وفيها التحسيني، وفيها الواجب وفيها المندوب، وفيها المهم وفيها الأهم. فقه الأولويات يُبصِر بهذا الوعي بحيث لا نُقدم المُوخَر ونُؤخِر المُقدم، ولا نُقدم المرجوح ونُؤخر الراجح، ولا نُقدم السنة على الواجب، ولا المهم على الأهم بحيث يأخذ كل عمل وتكليف مرتبته الصحيحة حتى لا تختل الموازين وسقت تطبيقات عملية لهذا الفقه.
أما الجزء الثاني من الخطبة فقد تناولت فقه الإصلاح السياسي مبيناً منهج الإسلام في الحكم وواقع الأمة من هذا المنهج والنتيجة البون الشاسع بين المنهج والتطبيق بسبب استبداد وفساد الأنظمة السياسية في العالم الإسلامي والعربي. وقلت: الحل لابد لهذه الأمة أن تتحرك في سبيل الإصلاح لأن الله لا يغيَر ما بقومٍ حتى يُغيَروا ما بأنفسهم. وبيَنت وسائل التحرك المشروعة وهي الوسائل المدنية وصورها في عصرنا التظاهر، الاعتصام، العصيان المدني؛ هذه الوسائل مشروعة والمرفوض إسلامياً هو الخروج المُسلح الذي يُرتب مفاسد أكبر من الواقع المغضوب عليه.
– عقب صلاة العشاء في ذات اليوم وحوالي الساعة التاسعة تقريباً جاءتني مجموعة من عناصر الأمن في بيتي وتم اعتقالي إلى مقر الجهاز بأبي آدم. وهناك أُخذت مني معلومات شخصية إضافةً إلى أفادات حول تفاصيل الخطبة.
– حوالي منتصف الليل تم ترحيلي إلى موقف شندي حيث فُتح لي ملف ومنها رُحلت إلى سجن كوبر حيث قضيت به يوماً واحداً وبعدها رُحلت مع مجموعة من المعتقلين إلى سجن دبك شمال الجيلي وقضيت به ما تبقى من آيام الاعتقال “37 يوماً”.
– سجن كوبر بيئته سيئة ” ما يُقارب ال 40 شخصاً في عنبر واحد تقريباً 5 متر في 7 وبه حمامٌ واحد”. الوجبات تأتي بانتظام وتشبه أكل المعسكرات؛ ولكن سجن دبك أفضل من حيث البيئة “ما يُقارب ال 40 شخصاً في أربع غرف بصالة طويلة وثلاثة حمامات”.
– شخصياً لم أتعرض لتعذيب في كافة مراحل الاعتقال ولم أر شخصاً عُذِب ولكن سمعت من كثيرين أنهم ضُربوا قبل دخول المعتقل. سياسة الجهاز اختلفت من السابق يُضرب المعتقل عند وصوله إلى الفندق وبعد ذلك يمكث طيلة آيام الاعتقال بلا تعذيب والنتيجة أنه عندما يخرُج لا يُرى عليه أثر التعذيب.
– التعذيب عبارة عن ضرب واستفزاز كلامي ويتم اللجوء إلى وسائل أشد مثل الصعق الكهربائي في حالات نادرة كما سمعت أنها استخدمت مع واحد أو اثنين من المعتقلين في قضايا مُتعلقة بقضايا حقوق الإنسان في مناطق النزاع المُسلح.
– التعامل اليومي الذي رأيته تعامل طيب وكما قلت التعذيب والاستفزاز يحدثان قبل دخول المعتقل وشخصياً عُوملت معاملة جيدة في كافة مراحل الاعتقال.
– نصيحتي إلى النظام لابد من إقامة دولة القانون حتى تُحفظ الحقوق. دولة الكل فيها سواسية لا حصانة لأحد فيها فرداً كان أم مؤسسة. مبدأ لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون متعلق بالله تعالى ولا يصح أن يتخذه البعض ستاراً من المساءلة لأن البشر عُرضة للميل عن الحق والصواب. ولذلك نُوصي بضرورة إلغاء الاجراءات التعسفية في الاعتقال بناءً على مرجعية غير قانونية. نعم مسؤولية الكلمة مهمة ولكن المحاسبة تكون وفقاً للإجراءات القانونية بأن يُساءل الشخص وتُتاح له فرصة الدفاع عن موقفه وبعد ذلك يُبرأ أو يُحكم عليه، أما اعتقال الأشخاص هكذا بلا مرجعية قانونية صحيحة فهو مدعاة لضياع الحقوق وبالتالي الفوضى. التوصية أن تهتم الأجهزة الأمنية بجمع المعلومات وتحليلها وتقديمها للسلطات المختصة ويترك أمر التنفيذ للشرطة بناءً على أوامر قضائية.
وفي الختام أسأل الله تعالى أن يفك أسر جميع المعتقلين وأن يهييء لبلادنا وأمتنا مخرجاً عاجلاً آمين.
الزبير محمد علي
عضو هيئة شئون الانصار وامام مسجد مردس بالكلاكلة الخرطوم
#المعتقلات_مقبرة_النظام_لدفن_حريتنا