السودان والأمم المتحدة: انعدام الثقة وتأجيل للمواجهة..لن يكون من مفر أمام حزب البشير سوى الانحناء امام الضغوط الدولية،

تشهد العلاقة بين الأمم المتحدة والسودان توتراً جديداً على خلفية الانتهاكات المرتكبة في ولاية جنوب كردفان، وتضييق الحكومة السودانية على القوات الأممية المنتشرة في البلاد. ورغم ذلك، لن يكون من مفر أمام الطرفين سوى التعاون
جمانة فرحات

فصل جديد من التأزم بين السودان والمجتمع الدولي، وتحديداً الأمم المتحدة، بدأت ترتسم معالمه بعد اطلاق الأمم المتحدة دعوة إلى التحقيق في تقارير عن انتهاكات جسمية لحقوق الإنسان في ولاية جنوب كردفان، لتصب الزيت على النار في علاقة حكومة الخرطوم المتردية مع الأمم المتحدة نتيجة الخلافات حول القوات الأممية المنتشرة في السودان، وحدود مهامها.
انتهاكات عديدة ارتكبت خلال الاشهر الماضية في كادوقلي، عاصمة ولاية جنوب كردفان، وجبال النوبة المحيطة، ودارت معارك طاحنة بين الجيش السوداني والحركة الشعبية، ووثقت الامم المتحدة التجاوزات، كما حذرت من أن الانتهاكات «إذا ثبتت صحتها قد تصل إلى جرائم ضد الإنسانية أو جرائم حرب». ورغم ان التقرير حمّل المسؤولية عن معظم الانتهاكات للجيش السوداني والميليشيات المتحالفة معه، فإن الاوساط ترى أن الرئيس السوداني عمر البشير لن يكون بمنأى عن التداعيات.
وقد يجد البشير نفسه مضطراً من جديد إلى مواجهة المزيد من التهم أمام المحكمة الجنائية الدولية التي سبق أن أصدرت بحقه مذكرتي توقيف على خلفية الجرائم المرتكبة في اقليم دارفور، نتيجة الحرب التي خاضتها الحكومة ضد المتمردين منذ عام 2003. كما ان الاتهامات الجديدة مرشحة لإضافة المزيد من الضغوط السياسية الداخلية على الرئيس السوداني، الذي يتحمل في نظر جزء كبير من مواطنيه إلى جانب المؤتمر الوطني الحاكم المسؤولية عن انفصال الجنوب، والتسبب في ولادة جنوب جديد في جنوب كردفان، بالاضافة إلى تحميله مسؤولية تردي الوضع الاقتصادي في البلاد.
الأزمة الجديدة أظهرت أن الحكومة السودانية لم تتعلم من درس الأزمة في دارفور، عندما ساهم تعنتها في ايصال ملف الاقليم إلى المحكمة الجنائية الدولية، وهو ما تجلى من خلال مسارعة وزارة الخارجية السودانية إلى شن حملة تشكيك في تقرير الأمم المتحدة، معتبرةً أنه «لا أساس له» و«خبيث»، واضعةً اياه في سياق «دعم حركة التمرد والقتال ضد الحكومة السودانية، وانها لا تسندها أي أدلة ولا تعكس الحقائق على الارض في جنوب كردفان». إلا أن الحكومة السودانية سرعان ما استدركت خطأها، فأعلنت أن وزير العدل السوداني، محمد بشارة دوسة، أصدر مرسوماً بتشكيل لجنة لتقييم اوضاع حقوق الانسان والتحقيق في الأحداث التي شهدتها المدينة.
واللافت أن صدور التقرير يأتي في وقت تشهد فيه علاقة الحكومة السودانية بالمجتمع الدولي توتراً ملحوظاً نتيجة الخلاف حول القوات الأممية المنتشرة في السودان وحدود مهامها، في أعقاب تحفظ حكومة الخرطوم على قيام مجلس الأمن بتغيير طبيعة مهام بعثة «يوناميد» المنتشرة في اقليم دارفور.
وتصاعدت حدة الأزمة بين الأمم المتحدة والسودان مع اصدار مجلس الأمن الدولي نهاية الشهر الماضي، قراراً يقضي بالتمديد لمدة عام واحد لبعثة «يوناميد»، ضمن تفويض جديد يشمل وفقاً لما ورد في ديباجة القرار، «العمل مع حكومة السودان للمساعدة على التصدي للتحديات المختلفة في السودان»، الأمر الذي وضعته الحكومة السودانية في اطار السعي إلى التدخل في شؤون البلاد الداخلية، ومحاولة للالتفاف على قرار الحكومة إنهاء بعثة «يونميس» التي كانت مكلفة دعم تنفيذ اتفاق السلام الشامل الموقعة في عام ٢٠٠٥.
سبب اضافي اثار سخط الخرطوم نتج من تضمين القرار فقرة تحث «على التنسيق الوثيق في ما بين بعثات الأمم المتحدة في المنطقة (السودان شمالاً وجنوباً)، بما في ذلك العملية المختلطة وقوة الأمم المتحدة الأمنية المؤقتة لأبيي وبعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان»، وهو أمر ترفضه الخرطوم بشدة خصوصاً بعد انفصال الجنوب وتحوله إلى دولة مستقلة.
اما التوتر فترجم من خلال تراشق اعلامي بين الطرفين بعد اتهام الأمم المتحدة للخرطوم بالتسبب في تردي حالة جرحى ينتمون للقوات الإثيوبية في دارفور نتيجة تأخير منح إحدى المروحيات الدولية إذن الهبوط في أبيي لإجلاء الجرحى الذين اصيبوا في انفجار لغم أرضي.
من جهته، لجأ ممثل السودان في الأمم المتحدة، دفع الله الحاج علي عثمان، إلى التشكيك بدور البعثة متهماً الأمم المتحدة باستخدام طائراتها لنقل أشخاص غير مصرح بهم إلى السودان، حيث تخوض الحكومة معارك ضد عدة حركات تمرد في أنحاء أراضيها.
وفي اعقاب هذا الجدال، حاولت الدول الغربية، وتحديداً الولايات المتحدة، دفع مجلس الأمن الدولي الى تبني قرار يدين السودان لعدم تعاونه مع الأمم المتحدة، قبل أن تعمد الصين إلى جانب عدد آخر من الدول الأعضاء إلى التصدي لهذه المحاولة، وذلك بعد ايام فقط من نجاح بكين في حذف بعض الفقرات الواردة في قرار التمديد لبعثة يوناميد، وبينها ما يتعلق بالمحكمة الجنائية الدولية، لتثبت الصين من جديد أنها تشكل سنداً قوياً للسودان في المحافل الدولية وتحديداً مجلس الأمن.
ومن غير المتوقع أن يتجاوز الطرفان سريعاً خلافاتهم الحالية حول بعثة «يوناميد»، وخصوصاً أن الأزمة تأتي تتويجاً لسلسلة من الأزمات طبعت العلاقة بين الأمم المتحدة والسودان، واشتدت مع موعد انفصال السودان الشهر الماضي، عندما اصرت حكومة الخرطوم على انهاء مهام بعثة «يونميس» تماشياً مع مقررات اتفاقية السلام الشامل الموقعة في العام ٢٠٠٥، وهو ما رفضته الأمم المتحدة في حينه، موضحة أنه يعود لها وحدها انهاء مهام البعثة. كذلك لا تزال الحكومة السودانية متمسكة بمعارضتها انضمام أي جندي من «يونميس» للبعثة الجديدة «اليونسفا» التي اتفق على نشرها في ابيي أو لبعثة يونميد، حفاظاً على الخصوصية الأفريقية التي تمتاز بهما هاتان البعثتان.

على الرغم من ذلك، لن يكون من مفر أمام الحكومة السودانية سوى الانحناء امام الضغوط الدولية، وخصوصاً أنها لا تزال بانتظار أن تحصد نتائج تعاونها في تمرير انفصال الجنوب بسلاسة، وتحديداً من الولايات المتحدة التي سبق أن تعهدت برفع اسمها عن لائحة مكافحة الارهاب، ورفع العقوبات المفروضة عليها، فضلاً عن تسهيل خفض جزء من ديونها لدى البنك الدولي، وهو أمر ترى الحكومة السودانية أنها في أمسّ الحاجة إليه لإعطاء دفع لاقتصادها الذي بدأ يترنح تحت وطأة خسارة عائدات النفط وارتفاع اسعار العملات الأجنبية، مضاعفاً من حالة التذمر التي تجتاح المواطنين.

الاخبار

تعليق واحد

  1. المؤتر الوطني فرح بالسلطة وقال الفول فولي زرعته وحدي وساكله وحدي … ويلا قابل الجماعة وحدك يا شاطر ….:lool:

  2. قبل الاستفتاء كانت الحركة بتطالب بسودان علماني ثم تنازلت وطالبت بعاصمة علمانية مقابل التصويت للوحدة-رفضت الحكومة وانفصل الجنوب ويجوا يقولوا امريكا هي السبب-زوّروا الانتخابات في كردفان وعينّوا والي ليس من المنطقة بل مجرم حرب -يجوا يقولوا امريكا هي السبب

  3. (افتعال) النظام للأزمات مع الامم المتحدة و الغرب و غيرهم « حيلة » يهدف من وراءها تأجيل (الثورة) التي باتت على تدق ابوابه !!!!!!

  4. رئيسكم هدْا انكسر ظهره من شة الانحناءات والاملاءات الخارجية وانتفخت كرشه من كثرة شرب قراراته المبلولة الممروصة ..هدْا البشير ما هو الا نمر من ورق وعمرو ما بيعرف المواجهة ..وأنت عارفين خوفوه من القوة الاممية مش نابع من حرصه وخوفه على ما تبقى من السودان ..بل يعتبر البشير القوة الاممية هو مدخل للقبض عليه .. وزي ما قال الشاعر : ادْا ساء فعل المرء ساءت ظنونه …وصدق ما يعتاه من توهم ..بس يا جزار سيك سيك سيف العدالة مسلطة فيييييييييييييك ..

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..