انكل فشودة ..! الأول والأخير في صفوف حركة الانانيا. مغامرة بريطانية في ادغال جنوب السودان (2)

مقتل الرفيق

تفاصيل مثيرة ومعلومات نادرة يسردها فشودة حول خلافه مع الضباط الاسرائيليين الذين قدموا الى الاقليم الجنوبي واستاثروا بالقرار الى جانب تداعيات اعفاء الجنرال غوردن مورتات منقبل الجنرال جوزيق لاقو ، قبيل اتفاق السلام مع حكومة جعفر نميري ، واللحظات العصيبة التي رافقت اتجاه الجنرال لاقو للدخول في عملية السلام وكيف نجح غرودن مورتات في عدم وقوع صدام بين رافضي السلام والداعين له .
فبعد جهد جهيد وافق “فشودة” وهو الاسم الحركي الذي لازمه لسنوات طويلة ، اثناء عمله على تدريب قوات الانانيا في الاقليم الجنوبي ، وافق على الحديث معنا لشرح رحلته منذ ان تلقى اتصالا من صحفيين بمجلة نيوزويك يسالونه ان كان يرغب في العمل مع “متمردي جنوب السودان ، وكيف امضى تلك الفترة ، في تحويل قوة بسيطة من مئات الاشخاص الى جيش مدرب يخوض المعارك ، الى جانب تفاصيل مقتل صديقه البريطاني الذي رافقه طوال سنوات القتال مع متمردي دول اخرى الى ان جرح ودفن في جنوب السودان ، ودقائق اول اتصال بين سودانيين والحكومة والجيش الاسرائيلي ، لتقديم اسلحة وعون لوجستي لحركة الانانيا ، ،
السيد فشودة هلا حدثتنا كيف تم الاتصال بك للحضور والعمل مع “متمردي” حركة الانانيا في ذلك الوقت ؟

اتصال غامض
كنت قد امضيت نحو سنتين في الكونغو ثم امضيت نحو سنتين ايضا في شمال روديسيا ، حيث كنت اقاتل هناك ثم عدت بعدها الى لندن ، وبينما انا موجود في مدينتي التي ولدت فيها ، تلقيت اتصال من باريس ومن صحفيين اثنين كانوا يعملون لدى مجلة نيوزويك الامريكية والذين قالوا لي انهم رشحوني لأبناء جنوب السودان للعمل معهم ، ثم بعد ذلك التقيت ممثل عنهم (الييا دوانق) – توفي بالسرطان لاحقا في لندن ، و تاسفت عليه كثيرا فهو كان رجل ذكي جدا ، وهو درس في الفاتيكان – بعد ذلك غادرت الى نيروبي حيث التقيت اليجا وبعد ان اخبرتهم حول ما يمكن ان اقدمه لهم وما يحتاجونه مني ، ثم اتفقنا بعدها على تفاصيل راتبي وغادرت معهم الى يوغندا ، حيث التقيت لأول مرة مع الجنرال غوردان مورتات ، ومن ثم انتقلت بعدها بنحو اسبوع او اسبوعين الى بلدة (ارووو) التي تقع بجهة يوغندا ، ولكنها على الحدود مع جنوب السودان في محاذاة منطقة قبائل المادي كان ذلك في العام 69 شهر يوليو .
من منطقة (اروو) استقلينا عربة تاكسي اجرة واتجهنا الى بلدة (ابا ABA) على الحدود الكونغولية ، لم تكن الرحلة طويلة كانت مدتها ساعات قلائل ، وفي بلدة ابا مكثت لفترة طويلة قبل ان ادخل الى جنوب السودان ، وفي بلدة ابا قمنا برشوة رجل الجوازات والهجرة و اعطيناه قليل من المال ، وطلبنا منه ان لا يبلغ قادته بوجودي او دخولي الى جنوب السودان لاحقا.

داخل الاحراش
في بداية التدريب الذي كان يتم وسط الغابات الواقعة داخل الكنغو ، لم تكن السلطات الكنغولية تعلم بوجودنا (كنا نعمل بشكل غير قانوني) اخبرت الجنرال غوردان مورتات انه ليس بحاجة الى تدريب عدد كبير مئات او ألاف ، ولكني ابلغت القادة اننا اذا دربنا ( بلتون او 2 بلتون ) تدريب جيد وبصورة ممتازة ، هذا ما نحتاج اليه اضافة الى ان تدريب عدد محدود لن يلفت الانظار ، و وافق القادة على مقترحاتي .
وبدينا عملية التدريب التي استغرقت مابين 9 الى عشرة شهور ،وكان تدريبا شاملا استخدامت فيه الاسلحة التي كان اغلبها AK ، وبعد تحويل هذا العدد البسيط من قوة غير منظمة الى قوة ذات تدريب عالي ،و اصبحت لديهم كفاءة غير مسبوقة ويستدرك فشودة قائلا ” علمت لاحقا ان النميري استفاد كثيرا من عناصر هذه القوة بعد توقيع اتفاق السلام مع جوزيف لاقو، وبعض الذين دربتهم علمت انهم صاروا من الحراسة الخاصة للنميري ولعبوا ادوار في حماية نظامه ” .

إطلاق نار
فاهمّ الاشياء التي ركزت عليها ،هي إعطاء جرعة تدريبية لهذه القوة الصغيرة على كيفية تنفيذ الهجوم بشكل محكم وفي التكتيكات حيث كانوا في السابق يطلقون النار بشكل عشوائي ثم يتراجعون بعد فترة قصيرة ، ما حاولت ان اعلمه لهم هو كيفية استمرار الهجوم والتقدم الى الامام بشكل مستمر مع الثبات في الهجوم ، وبعد ان اتقنوا التدريب على العمليات الهجومية التي كنا نقوم بها داخل اراضي الكنغو و على الحدود -بشكل غير قانوني- قمنا بالدخول عبر الارجل والتسلل الى جنوب السودان من ناحية الضفة الشرقية للنهر الى ان وصلنا الى قاعدة قوات الانانيا.

معارك هجومية
هناك ثلاث معارك تحدث عنها :
المعركة الاولى قمنا بوضع جنودنا المدربين في مواقعهم الى جانب قوات غير مدربة كان يقودها (?—) وبدينا الهجوم ولكن مع مضي المعركة بدا الجنود غير المدربين بالتراجع للخلف ، رغم اننا وضعناهم في اماكن جيدة ، ثم قامت قوات (العرب- الحكومة) بمطاردة المنسحبين وطاردت عربة مسلحة “القائد الذي كان يقود الجنود غير المدربين) ولكنه كان يركض بسرعة عالية جدا ، ولم تستطع عربة (جيش العرب ) اللحاق به ، ولكنه مع هذا هو توفى في نفس الوقت بعد اصابته بذبحة قلبية (هارد اتاك) وفي المعركة الثانية كنا قد استفدنا من اخطاء التجربة الاولى ، ونفذنا الهجوم المباغت بواسطة (بلتون واحد) كانوا من القوة المدربة ، ولكن كانت القوة التي قمنا بمهاجمتها تتكون من 2 بلتون ، بالرغم من انه مفروض يحدث العكس -الهجوم يكون ب 3 بلتون على قوة مكونة من بلتون واحد- تقدمنا نحو بلتون (الحكومة – الاعداء) ولكن كانت هناك بعض الاخطاء ايضا متعلقة بالتقديرات للمسافات ، فالأفارقة يمكن ان يقولوا هذا المكان يبعد ميل ، ولكن في الحقيقة يكون يبعد اكثر من ذلك ، لذا قواتنا عندما اقتربت من قوات العدو كانت منهكة قليلا ، لكنها لأول مرة تهاجم بشكل صحيح ، وتتقدم الى الامام اثناء الهجوم ، وكان هذا تطور كبير ولكن مع هذا فان قوات العدو كانت تطلق علينا نيران كثيفة ، كما اصبت انا بجروح على جانبي الايمن وجانبي الايسر ، كان من ضمن قوات العدو احد الجنوبيين الذين يعملون مع قوات الحكومة اسمه ملوال وكان معروف انه من احسن الرماة ، وممتاز في التصويب تحدثت الى صديقي وزميلي (اكيلا) – البريطاني الاخر الذي كان يقاتل معي ويساعدني في التدريب والهجوم – طلبت من اكيلا ان يتعامل مع هذا القناص ، وكان اكيلا ايضا ممتاز جدا في ضرب الاهداف واستطاع ان يصيبه في راسه ليموت (ملوال) جراء هذه الاصابة ، وهو ما خفف مستوى تعرضنا للنيران .