وطن بدون وطنية

وطن بدون وطنية

دلال الطيب
[email][email protected][/email]

أني اعترف بأن مقياس حب الوطن عندنا في ادنى مستوياته _مقارنة بالشعب المصري_ على سبيل المثال وتقريبا للمفهوم .
فالكثير منا لا يحب السودان ، و لا يشعر بالانتماء لهذا الوطن ، لدرجة انني في بعض الاحيان ، اذهب في الاعتقاد بأن السودان عبارة عن تكتلات عرقية و جهوية ، تضمها أرض ،و لا يوجد رابط اجتماعي يوحدها وطنيا” .
وانخفاض مستوي الوطنية عندنا يعزى الى اسباب عديدة: اولى هذه الاسباب اننا لم نحصل علي استقلاننا عن طريق حرب ، وانما بريطانيا وهبتنا الاستقلال و وهبتنا دولة كاملة الدسم ، بسكة حديدها ،و خدمتها المدنية ، و برلمانها …… الخ.
وذكر عدم خوض حرب من اجل نيل حريتنا يقودنا الى سبب أخر,فالسودان ايضا لم يخض حرب ” دولية ” حتى تساهم في ارتفاع مقاييس الحب الوطني ، فالحرب عندنا كانت و لا تزال حرب ” أهلية ” بين ابناء الوطن . و ما تنتجه الحرب ” الأهلية ” هو المساهمة في تقليل الانتماء الوطني ، فالحرب الاهلية تجعل الأخر يكره الوطن و يبغض الاخرين الذين ساعدوا الظالم على ظلمه ، مما يجعل كل شخص يبحث عن من يوفر له الحماية , سوى انتماء عرقي او حزبي او طائفي ، الامر الذي يؤدي بدوره الي تفتيت ” اللحمة الوطنية ” على حساب تكتلات أثنية و عرقية و حزبية وطائفية.
ضف الى ذلك ,الثنائية النمطية التي نعاني منها ” ثنائية الجهة و الطائفة ” فنحن مازلنا نتعامل بمنطق الجهة ، شمالي و جنوبي ، شرقي و غرابي ، و انصاري و ختمي ، و هلالابي و مريخابي ,,, الخ
كل هذه الانتماءات العصبية اذابت الوطن في داخلها ، مع عدم مراعاة الأخر او الاعتراف به.
هناك سبب أضافي ومهم جدا ادي الي تقليل الحس الوطني , هو ان الدكتاتوريات تلجأ غالبا الى تكوين حزب سياسي يعبر عنها ، و لانها ترفض مبدأ التعددية السياسية ، فأن احزاب الدكتاتورية غالبا ما تحمل في اسمها ” الوطني ” مما يجعل من يعارضها في خانة ” عميل ” ضد الوطن.
بالاضافة الي ضعف المادة الوطنية التي تقدم على مستوى المناهج التعلمية . اما ما يقدم علي مستوي الدراما و المسرح فلا يرقى ابدا لأن يصنع شخصية وطنية.

فعذرا” وطني ، لا احد يكرهك ، و لكن الجميع يحبون انفسهم.

تعليق واحد

  1. اي والله كلامك صحى لانو مصر احتلت امريكا وبريطانيا والنمسا وسويسر بعد داك ادتهم استقلالهم

    وجو راجعين مصر بوطنيه 100% لكن نحنا الثوره المهديه فى 1881معركه الجزيره ابامع دينكا نقوك

    وفى نفس السنه معركه قدير ضد دينكا ابلين ، وفى1882معركه الابيض مع النوير ،وفى 1883معركه

    شيكان مع جد جون قرنق وفى 1885تحرير الخرطوم من ايدى دوله جنوب السودان بعدها توفى المهدى

    وبدا عهدالخليفه عبد الله و جديد من المعارك مع الحكم الدينكى المصرى حاربهم حاربهم فى كرري

    وام دبيكرات وانتهت الثوره المهديه وبعد داك فى 1924 على عبد اللطيف وعبد الفضيل الماظ

    عملوا حركات داخليه، بعده دوله الجنوب عمرت لينا البلد ذي ماذكرتى وسلمتنا بلد دسمه ومواطن

    غير وطنى .

    انتو قاعدين تتسطلوا فى الراكوبه دى وتكتبوا ولا شنو.

  2. يا دلال الطيب اعترفي بمقياس حب الوطن عندك بس ..
    العنصرية والجهوية وسؤ التربية التي زرعها النظام اعطاك هذا الانطباع
    اما ان كان مقياسك لحب الوطن هو النظام او المهدي او الميرغني والترابي فهذا شئ اخر ..
    شوفي المواطن التعبااان دة واحكمي بعدين

  3. الأخوة المشاركون،

    سوف (أنبري) هنا لشرح ما أعتقد أن الأخت دلال قد قصدت من هذا المقال، على إفتراض أن التعبير قد لا يكون قد أسعفها بالشكل المناسب. فكلامي هنا كله قائم على هذا الإفتراض، و لو كان إفتراضي هذا في غير محله فيمكنكم إعتبار أنه رأيي الشخصي في هذه القضية.

    أنا أيضاً ممن يرى أن هنالك أزمة وطنية حادة بين السودانيين، و إن كنت لا أعزيها لنفس الأسباب التي ذكرتها صاحبة المقال هنا.

    و أنا مع المقولة التي تذهب إلى أن (الوطن ليس مفهوماً طوباوياً)، بمعنى أنه لا يمكن أن يوجد و يعيش مفهوم (الوطن) في وجدان المواطن فقط لمجرد وجود المواطن في البقعة الجغرافية المحددة تلك. فمفهوم الوطن يرتبط بالعلاقة المتبادلة بين المواطن من جهة و ذلك الوطن من جهة أخرى، و ما الوطن بالنسبة للمواطن إلا مؤسسة الدولة و هيكلها الإداري (الحكومة).

    إن ما يدعى (بالعقد الإجتماعي) الذي يربط المجموعات البشرية في رقعة جغرافية محددة مع بعضها البعض، و مع النظام الذي تختاره لإدارة شؤونها (الدستور مثلاً) هو في غاية الأهمية، و هو ما قد يكون الحلقة المفقودة في أحجية الوطنية السودانية التي نحن بصددها هنا.

    بغض النظر عن الكيفية التي نال بها السودان إستقلاله، أو تاريخه في الحروب، فمما لا شك فيه أن الحكومات المتعاقبة على السودان لم تعبأ بالتربية الوطنية حتى على مستوى المدارس. أقول ذلك بحرص لأن التربية الوطنية المدرسية في حد ذاتها ليست الحل، و لكنها تقوم على مبادئ و توجهات حكومية تؤمن بالمواطنة كحق طبيعي لكل مواطن، دون تمييز، و من ثم تؤمن بحق المواطن على الدولة. و لكن بسبب غياب هذا التوجه الوطني الواعي في جميع الحكومات السابقة و الحالية لم تتوفر الأرضية المناسبة لبروز الحاجة لتدريس التربية الوطنية للنشء. فغياب هذا النوع من التربية ليس إخفاقاً من جانب بخت الرضا، بقدر ما هو نتيجة لغياب مفهوم الوطن و المواطنة عن كل الحكومات.

    إن من يعيش في السودان اليوم يرى بأم عينيه أنه في كنف دولة لا تعطي، بل تأخذ! فالمواطن لا يأمن على نفسه و أهله و ماله، بسبب إنعدام الأمن، و لا يجد قوت يومه نتيجة الفقر و الفساد، و لا حيلة له في الحصول على العلاج إذا ألمت به وعكة صحية، أيضاً بسبب الفقر و إهمال الدولة لقطاع الصحة، و لا يكاد أن يتمكن من تغطية أقل إحتياجات أبنائه من التعليم المناسب، أيضاً للأسباب السابقة. أما مؤخراً فقد بات المواطن في حالة من الهلع بعد أن تبين له أن عمق البلاد مكشوف أمام الدول الأخرى، تضربه و تقصفه بالطائرات و الصواريخ وقتما شاءت!

    في المقابل يدفع هذا المواطن الضرائب القاسية بمختلف أنواعها، و لا حاجة بنا للخوض في تفاصيل هذه الضرائب.

    إذاً، كيف تتشكل في وجدان المواطن تلك العلاقة بينه و بين دولة بهذا الشكل؟ يشكو السودانيون عادة من (الحكومة)، فيقال أن (الحكومة ما شايفة تعب الناس) أو أن (ناس الحكومة ديل فاسدين)، إلخ، و لكن ما يعنيه الناس في الخفاء هو أنه لا مصلحة لنا في هذا العقد (المضروب) مع هذه الدولة المدعوة بالوطن!

    نتيجة لذلك فلا تجد للسودانيين مفهوماً للوطن إلا بالشكل الطوباوي الرومانسي، البعيد كل البعد عن الواقع! و قد يثور البعض على كلامي هذا من واقع ما يعتقدونه من (حبهم الشديد) للسودان كوطن و عدم إحتمالهم العيش بعيداً عنه. لهؤلاء أقول أن عليهم التفريق بين عاطفة الإنتماء لمجموعة بشرية معينة (قبيلة، أهل، أصدقاء، أرض، إلخ) و بين مفهوم الوطن. فمفهوم الإنتماء بالمعنى الأول قديم قدم الإنسانية نفسها، و يصعب أن نتخيل أي مجموعة إنسانية عاشت في أي بقعة جغرافية بدون هذا الحس (الإنتمائي). و لكن مفاهيم الوطن و الوطنية و المواطنة تعتير حديثة جداً، و هي من إنتاجات العالم الحديث القائم على مفهوم الدولة الوطنية المتجاوزة للحدود الفاصلة بين القبائل و القوميات. ففي العالم القديم كان الناس يعيشون ضمن حدود القبيلة أو الأسرة الممتدة أو العشيرة، و كان الإنتماء محصوراً في تلك الحدود. و تدريجياً بدأت المجتمعات القبلية بالتجمع في أشكال قومية نتيجة لعدة أسباب، كالدين المشترك أو الغزو و الإحتلال.

    و مهما يكن من أمر، فالواقع الآن يقوم على أن هنالك عالم مكون من مجموعة من الدول، و تلك الدول قد تكبر و تصغر في المساحات. فأما صغيرة المساحة منها فتكون غالباً في مأمن من إشكالات الهوية و المواطنة، غالباً بسبب عدم التغاير و التمايز في نسيجها الإجتماعي و الثقافي، فكلما قلت القوميات أو الإثنيات في دولة محددة زاد إحتمال الإنسجام في ما بين أفراد شعبها. أما الدول كبيرة المساحة فتكاد كلها تشترك في شيء واحد، و هو أنه لم تسلم أي دولة منها من الحروب الأهلية و الإنقسامات الداخلية، بدءاً من أمريكا، رائدة الحريات و الحداثة، و إنتهاءاً بروسيا، و القائمة تطول.

    أعود للنقطة السابقة، و كنت أتحدث فيها عما يعتقده البعض من إحساس بالوطنية، من واقع حبهم للسودان، فأقول أن ما يبدو لهم أنه حس وطني ليس إلا تلك العاطفة التي تحدثت عنها في الفقرة السابقة، حيث أنه يستحيل وجود الإنسان في معزل عن تلك الأشياء التي يرتبط بها. أما الوطنية فهي شيء مختلف جداً!!

    في نظري أن الحس الوطني لا ينفصم عن الحضارة، أو التحضر، و المدنية. الوطنية مفهوم حديث يشير إلى العلاقة الواعية و غير الواعية بين الفرد و (مؤسسات الدولة) و ليس فقط الوطن بمعنى الحيز الجغرافي و البشري الذي يعيش فيه. عندما نأخذ هذا البعد في الحسبان نكتشف الفرق بين ما نحسه من حب للسودان و بين الوطنية.

    الوطنية تتجلى عندما نحترم القانون، بإعتباره أحد أعمدة العقد الذي يربط المواطنين ببعضهم البعض. و لكننا في السودان لا نطيق للقانون صبراً، خصوصاً لو كان في عكس مصالحنا الشخصية.

    و تتجلى، أي الوطنية، في معاملة الجميع معاملة حضارية تستلهم قيم العالم الحديث، كحقوق الإنسان و المساواة و عدم التمييز. و لا أعتقد أننا بحاجة للإسهاب في إشكالاتنا كسودانيين في هذه الجزئية.

    و لكن من أكثر مظاهر الوطنية شيوعاً، و التي لا نراها في السودان، غير أننا نشاهدها في بلاد الغربة بشكل يومي، هو وجود رمز الوطن في حياة الناس اليومية بشكل واعي، و لنضع خطين تحت كلمة (واعي) هذه. و أضرب هنا مثلاً من المجتمع العماني الذي نعيش فيه. مما لا تخطؤه العين هنا مظاهر الإحتفال (الشخصية) بالعيد الوطني! أقصد بالشخصية هنا أن العماني يضع علم بلاده (بوعي تام) على سيارته و على طاولته في المكتب، و قد يلبس ملابس مطبوعة بالعلم في أيام الإحتفالات، و قد يتعداها لأيام قلائل بعد ذلك!

    ليس هذا فحسب، بل أننا كوافدين على هذا البلد الطيب نجد أنفسنا نحمل الأعلام و نشجع فريق كرة القدم العماني كلما حانت فرصة، و كأن شيئاً بداخلنا يربطنا بهذا البلد الطيب على قاعدة الوطنية!

    و بالعودة إلى السودان، فلا أذكر و لا مرة واحدة أنني قد شاهدت العلم السوداني يخفق فوق سيارة أحدهم، أو يرفرف على مكتب آخر، أو يتدلى من جلباب أي سوداني، حتى في أيام الإستقلال! السودان بذلك المعنى لا وجود له في دواخلنا، و لا يخطئ البعض و يعتبر أن ذلك من صغائر الأمور و قشورها. ذلك من صميم مفهوم الوطنية بالمعنى الحديث و الحقيقي لها، و لا يخلطن البعض ذلك مع مفهوم الإنتماء البسيط الذي شرحته سابقاً.

    لماذا نحس كسودانيين بذلك الرابط القوي بعمان؟ بكل بساطة للآتي:

    هذا البلد يوفر لنا كسب الرزق الحلال بأقل قدر ممكن من التمييز. نتمتع بالرعاية الصحية بشكل محترم، و لا يخشى المرئ على نفسه من أن تلم به ملمة على حين غرة. أولادنا يذهبون إلى مدارسهم على ظهر الترحيل الحكومي، أو الخاص، و يمارسون هواياتهم في اللعب في الشارع دون خوف من إختطاف أو إغتصاب، و عندما تدمر الأمطار أحد الشوارع تتخذ الجهات المعنية كل التدابير في الإرتقاء بالطرق لتلافي آثارها في المستقبل، و نفس الشيء يحصل عندما تضيق الشوارع بالسيارات، فنجد الملايين تصرف في أعمال التوسعة و التطوير. تتحرك كل أجهزة الدولة حسب إيقاع نمو المجتمع لتلبية إحتياجاته المستمرة و المتغيرة. و حينما تحتفل عمان بعيدها الوطني الأربعين تصرف الحوافز المادية (لجميع) من يعيش على أرضها، مواطنين كانوا أم وافدين!!

    أليس هذا هو بالضبط ما نفتقده في السودان؟

    هل يوجد سبب للتعجب من وجود العلم العماني على مكاتبنا؟

    و هل نفهم لماذا نشجع الفريق العماني في المنافسات؟

    نحن، أيها الإخوة نحس بالوطنية تجاه عمان، ليس إلا!!

    في الختام أود أن ألخص ما قلت في التالي:

    أولاً أن الوطنية مفهوم (تفاعلي) بين المواطن و الوطن، يقوم على قاعدة الفائدة المتبادلة.

    ثانياً أن الوطنية لا تنشأ في بيئة مشحونة بالعنصرية و الجهوية، لا سيما لو إنخرطت أجهزة الدولة في هذا الشحن و الإستقطاب

    ثالثاً أنه من صميم دور الدولة (الجيدة) أن تعني بالتربية الوطنية و غرس قيم الوطن في المواطنين، ليس بالخطب الرنانة و التدليس، و لكن بالعمل على قاعدة أن الوطن لا معنى له بدون المواطن، فقد أتى على الإنسان حيناً من الدهر لم يكن يعرف فيه مفهوم الدولة، و كانت الأمور تسير على ما يرام! أما الآن و قد أصبحنا نعيش في (دول) نريد أن ندعوها (أوطان) فلا بد من إعادة النظر فيما ندعوه (بالوطنية).

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..