فاطــــمة والذهــــب الاحمــــر …(بقية القصة)

فاطــــمة والذهــــب الاحمــــر …(بقية القصة)
منتصر نابلسى
[email][email protected][/email]
ضيق الحال اصبح يرمى بكثير من الشباب الى طرق ابواب المستحيل، فى سبيل بصيص امل يخرجهم من داخل قمقم العطالة والبطالة ، الى خارج دائرة التهميش فهم هنا اوهناك بين عسى ولعل… الشباب الذى لم يجد له موطأ قدم لعمل شريف يغنيه عن سؤال اللئيم… تسوقه اقداره الى طريق الاحلام بالذهب وقبول المخاطر فى انفاق مظلمة بالمجهول ، و مغاراة محفوفة بالهلاك كثير طمرت تحتها نفوس بريئة…..ومثلما يرمى الفقر والعوزالانسان فى طريق التخبط ، يسوق الاحــساس بالتهميش الى مغامرات انتحارية ، من اجل العيش الكريم… وهــكذا وتســـــــوق ابراهيم المغلوب على امره ،اقداره كغــيره من شبــــاب الوطن المحبط من سوء الحال ، وانحطاط الوضع الــــعام ، الى ارض التنقيب عن الذهب فيترك خطيبته الغالية فاطمة وقريته الحبيبة خلفه ، ميمما شـــطر ارض الامـــــانى المزعومة تتناوشه المخاوف ، وتتجاذبه طموحـــــــات لايستطيع ان يتكهن عن مــــلامحها الغامضة ، وحب يغالب اندفاعه ويثبط همته من ركوب امواج المجهول والخطر.
وصل ابراهيم ارض التنقيب مع جمع من الذين اغلقت دونهم السبل يحدوهم الامل فى العثور على ما تحتوى الارض من المعدن النفيس ،الذى يتوارى عن الانظار خجلا او دلالا بين الصخور وتحت الركام فهو ? اى الذهب- كالحــــــسناء التى تعشــق ان يزيد عدد خطابها ويغريهم دلالها وتمنـــعها ليزيد مهرها فتتعب قلوب طلابها…وربما هى ابـــــواب الذهب قد سخرها الله سبحانه وتعالى لاهل السودان ليفرح بعض الاحزان الكامنة فى قلوب الاوطان ويضحك عيــونا فد تنـــــكر لها الابتسام… فالقليل من الامل خير من التشائم والانهزام……
دارت المعاول فى رحــلة البحث عن الذهب، وداخت هنا وهنـــاك فى اجــــواء مكفهرة بالحر… ومتوقدة بالسموم، وتتساقط حبات العرق من الجبين ، وتتـــورم الايادى من اثار الحفر والتنقيب ، وتنزف الارجل بالدماء والجـــــــراح ، من اثر رؤوس الحجارة المدببة … ويملاء الغبار العيون.. فتحمرالاوداج.. وتغيب الرؤيا احيانا فلايكاد يرى احدهم الاخر، وسط هبوب الرمال و سطوة العواصف…وتمر الليالى المتشابهة المحمومة ، وهم بالهموم الاجـــهاد قد اثقلوا … وقد هدهم التعب وارهقتهم حركة المــعاول والبحث، بعد ان استنفذ النهار طاقاتهم فرقدت الاجساد كانها جثث هامدة ….يفترشون الارض ويلتحفون السماء ….ويابى النوم ان يزور عيون ابراهيم ، وقد شـــده الحنين الى اهله….ومـــرت شهــور وكلت الاجـــساد الكليلة العليلة، ولم تتكرم الارض عليهم بنفحة خير من ذهب قليل… ودب الياس بينهم…. ولا تنسى ذاكرة ابراهيم يوم تهدمت حـفرة التنقيب العميقة ، وفى جـوفها اثنبن من اصدقائه ، ولم تفلح المحاولات فى اخراجهم احياء…. فماتا شهداء تحت الهــدم والركام …وهم فى رعيـــان الشباب…يومها قرر ابراهيم العودة الى قريته فالحياة مــع الفقر خير، من الموت تحت الركام…. حاول الاخرين اقناعه بالعدول عن رايه …ومواصلة البحث عن الذهب….ولكنه كان قد عزم الامرعلى العودة … وفى اليــوم التالى اتفق ابراهيـــم و اصدفــــــائه بانه لن يرافــــقهم الى مناطق التنقيب وسيبقى فى المخيم ويمكنه ان يطبـــخ لهـــم وجبـــــة العشاء…. وهو ? اى ابراهيم – يجلب له حجـــارة ليتخذها موقـد يضع عليـه القدر ( الحلة) ساقتـــه اقدامه الى سفح جبل قريب من المخيــم وهو ينتقى الحجارة المناسبة ، وهـو يرفع احـــدى الحجارة ، ليجد تحتـــــها شىء لامــــع لاصق فى الاطــــــراف دقق فيه …اعاد الامعان فيه اعاد النظر كرتين اوثلاثة … فاذا بالحجــر قد احتــــوى على كمية من معدن الذهب ، اختلج بالغبطة والابتهاج والانشراح، مشـــــاعر قد نساها منذ زمن بعيد ..عــــاد الى نفس موقع الحجروبدأ بحـــفر المكان وماحوله تتجاذبه اشواق الفوز… ونشوة الانتصار، وتحفزه الامنيات وهو بين مصدق ومكذب كانه فى حلم جميل، مترع بالخير… فى زمن القحط والحرمان الذى طال امــده …يجد المزيد من الحجار الملتصق بها معدن الذهب فجمع ما تمكن منــها حامـــــــدا الله شاكرا… فضله وكرمه …. عاد اصحابه عشاءا… كعـــادتهم وهم يجرون اذيــال الخيبة والفشل فى العتور ولو على حبيبــــات من ذهب قليل .. ومعــهما اطنـــان الاجهاد والتعب … بادروه بالسؤال ، وقد نسى الاكل والعشاء.. فى نشوة مشاعر الفرح الغامر فاجابهم – الذهب!! ..الذهب!!… الذهب!! ( وهو يعــــرض راقصا)
– الزول جن ولا شنو؟؟؟ نقول ليهو العشاء يقول الذهب .. ابراهيم ودر عديل!!!
– لا والله لقيت الذهب ( ويقص عليهم كيف رزقه الله هذا الذهب ..وهو يعرض عليهم الحجارة المطهمة بالذهب.. ويدلهم على مكان استخراج الحجار…وياخذ كل واحد نصيبه الوافر من الابتهاج المفرح )
تحولت احزان القنوط الى اهازيج احتفال ، قـــفزت الاحــــلام الى حيز الواقع …واشرأبت النفوس الى التفائل …وتبدل الاحباط الى استبشار وامــل وليد … فمثل ما امتلاءت القلوب المهمشة بفرحة الانتصاروالظفر… امتلاءت الايادى المنسية بخيرات ارض …الوطن ….