إجراءات مصر لمكافحة الإرهاب: استهداف معسكرات في الخارج ومحاصرة الإعلام

القاهرة
بدأت الحكومة في مصر عددا من الإجراءات العسكرية والأمنية والقانونية والإعلامية لمكافحة الإرهاب، الذي استفحلت عملياته خلال الشهور الأخيرة، خصوصا ضد أقباط مصر، وكان آخرها استهداف حافلات جنوب البلاد قبل نحو أسبوعين وسقط خلالها 29 قتيلا وأكثر من 20 مصابا. ورد النظام المصري على الحادث الأخير جاء سريعا من الناحية العسكرية أولا، إذ أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي بدء استهداف معسكرات تدريب الإرهاب، حسب تعبيره، سواء داخل مصر أو خارجها، وهو الخطاب المقتضب الذي ألقاه يوم حادث المنيا وعقب دقائق من انتهاء اجتماعه المصغر مع قيادات أمنية وعسكرية في البلاد.
السيسي أوضح خلال خطابه أن العمليات بدأت على الفور خلال لحظات حديثه بتوجيه ضربات لمعسكرات الإرهاب وتدريب الإرهابيين، وهو ما اتضح ليلتها بأن الضربات استهدفت تجمعات لمجلس شورى المجاهدين في مدينة درنة الليبية التابع لـ»تنظيم القاعدة».
وكشف الكاتب الصحافي المقرب من السيسي ورئيس مجلس إدارة مؤسسة «أخبار اليوم» ياسر رزق، أن الضربات المصرية على مواقع إرهابية في ليبيا، أسفرت عن استهداف 15 موقعا في منطقتي «درنة والجفرة» وأن الأوامر صدرت للفريق يونس المصري قائد القوات الجوية بتوجيه ضربات مكثفة على عدة أهداف لمركز تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا عقب انتهاء اجتماع السيسي مع القيادات الأمنية والعسكرية مساء الجمعة قبل الماضي، بعد نحو 9 ساعات من حادث الاعتداء على أتوبيس الأقباط في المنيا في صباح اليوم نفسه.
رزق أشار في مقال معلوماتي كتبه في أعقاب الضربات بنحو 48 ساعة، إلى أن الضربة بدأت في حدود السادسة مساء بـ60 طائرة قتال متعددة المهام من طراز «رافال» فرنسية الصنع، و«F16» التي تعد أحدث جيل من المقاتلة الأمريكية، لافتا إلى أن الضربة استمرت 12 ساعة كاملة «نهارا وليلا» استهدفت خلالها مركز قيادة التنظيم وموقع تدريب عناصره ومخازن عتاد أسلحة وذخيرة وتجمعات للدبابات والمدرعات. وأوضح أن الضربات حققت خسائر في العتاد والأرواح للعدو بنسبة نجاح 100٪.
المواجهة الإعلامية
ورغم سيطرة النظام المصري الحالي على غالبية وسائل الإعلام الحكومية والخاصة، إلا أن تضييق الخناق على الإعلام الإلكتروني بشكل خاص، زادت وتيرته عقب حادث المنيا الإرهابي، إذ عكفت السلطات على حجب عشرات المواقع الإخبارية العربية والدولية وحتى المحلية على الانترنت، بالإضافة إلى حجب تطبيقات هاتفية والتشويش على قنوات فضائية عربية.
ذلك التوجه لم يكن بمعزل عن تعيينات الهيئات الإعلامية التي تدير كل وسائل الإعلام في مصر، وهي المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، والهيئة الوطنية للصحافة، والهيئة الوطنية للإعلام، إذ عين رؤساء تلك الهيئات وأعضاءها من الصحافيين والإعلاميين المحسوبين على النظام، وكللت الحكومة خطواتها بتعيينات رؤساء مجالس إدارات وتحرير الصحف القومية العريقة من الطائفة نفسها.
كل ما سبق من خطوات يمكن اعتبارها ضمن استراتيجية مصرية ظاهرها مكافحة الإرهاب، عبر محاصرة وسائل الإعلام التي اعتبرها النظام داعمة للإرهاب وموفرة له المظلة الإعلامية والسياسية، ما دفعه لحجب العديد من المواقع الإخبارية العربية على الانترنت.
الحجب والسيطرة يسيران إلى جانب خطاب إعلامي من المحسوبين على النظام بالهجوم على دول ووسائل إعلام ومنظمات وتيارات سياسية يتهمونها بدعم الإرهاب، دون تقديم دلائل ملموسة على الاتهام.
المواجهة الأمنية والقانونية
قبل شهرين وعقب حادث استهداف كنيستين شمال القاهرة في تفجيرين انتحاريين تبناهما تنظيم الدولة الإسلامية، راح ضحيتهما نحو 50 قتيلا وأكثر من 120 مصابا، أعلن السيسي فرض حالة الطوارئ في جميع أنحاء مصر لمدة 3 أشهر تبدأ من 9 نيسان/أبريل الماضي، بهدف تأمين البلاد. وحسب الدستور والقوانين المصرية، تتيح حالة الطوارئ صلاحيات أوسع لرجال الأجهزة الأمنية في التوقيف والاشتباه والاحتجاز والإحالة للمحاكم العسكرية في أي تهم، لا سيما المتعلقة بالإرهاب، علاوة على منع عقد مؤتمرات جماهيرية وحجب ومصادرة وسائل إعلامية.
وتعلن مصر تشديد إجراءاتها في التأمين والمراقبة والتفتيش على مناطقها الحدودية، لا سيما الحدود الغربية المتاخمة للدولة الليبية، والتي يرجع لها النظام المصري سبب تصاعد العمليات الإرهابية في البلاد، بعد تسلل مسلحين مدربين عبر تلك الحدود قادمين من سوريا وليبيا لشن هجمات ضد الأمن والأقباط في مصر.
قبل أيام قليلة، أصدرت محكمة جنايات القاهرة قرارا بإعادة ادراج المتهمين في القضية «451 لسنة 2014 حصر أمن الدولة العليا» على قوائم الإرهاب، وحسب ما نشرته الجريدة الرسمية للبلاد، الأربعاء الماضي، فقد «أدرجت محكمة جنايات القاهرة، 20 شخصاً في 4 كانون الثاني/ يناير الماضي منتمين لجماعة مرتبطة بتنظيم الدولة الإسلامية في محافظة مرسى مطروح (شمال غرب) القاهرة، على قائمة الكيانات الإرهابية لمدة 3 سنوات.
وأوضح الخبير القانوني المصري عزت غنيم أن «هذا القرار يعتبر أول حكم قضائي يصدر باعتبار تنظيم الدولة الإسلامية جماعة إرهابية في مصر ووضع بعض أعضائها على قوائم الإرهابيين».
وأفادت الجريدة الرسمية بأن المحكمة نفسها أدرجت في 26 كانون الأول/ديسمبر الماضي، 154 شخصا في اتهامهم بتأسيس جماعة إرهابية في محافظة الفيوم أطلق عليها (لجان العمليات النوعية) على قوائم الإرهابيين لمدة 3 سنوات.
قوافل دعوية
منذ أشهر عدة بدأت مشيخة الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف في تسيير قوافل دعوية متنوعة لمناطق وفئات مستهدفة مختلفة في أنحاء الجمهورية لمواجهة التطرف وتمدد الفكر التكفيري والإرهابي.
وتتنوع القوافل بين دعوية لمقاهي شعبية وقرى ريفية ومدارس وجامعات ومراكز شباب ومنتديات فكرية وثقافية، إضافة إلى لقاءات مباشرة ودروس وخطب دينية تحاول تفنيد الفكر التكفيري، خشية استدراج الشباب المصري لتياراته عبر الانترنت واللقاءات المباشرة مع عناصر التكفير. ولم تقتصر المؤسسة الدينية في مصر دورها على القوافل، بل خصصت مراصد للفكر التكفيري والفتاوى المتشددة، منها مرصد دار الإفتاء، ومرصد الأزهر الشريف، لتتبع الفتاوى التكفيرية والتحريضية على القتل واستباحة الدماء، علاوة على مرصد الأزهر باللغات الأجنبية لمواجهة التكفير والتشدد.
«القدس العربي»