السر مكي عدو العنصرية والقبلية

أكون مخطئاً بل مدعياً ومتطاولاً لو قلت إنني أحاول في هذه العجالة أن أنعي الفقيد الكبير (أبو الكل)؛ الأستاذ الأكبر والمربي الجليل والشيخ الوقور والكاتب الصحافي القدير تاج السر مكي الذي غادر هذه الفانية في فجاءة وهدوء منتصف الأسبوع الماضي، فلست مؤهلاً بما يكفي لأعرض وأستعرض سيرة هذا السامق الشامخ وهي سيرة باذخة ومسيرة حافلة وحاشدة بالبذل والعطاء الوطني والتعليمي المتفاني، ولكن ما كان لشخص مثلي مكنته صدفة سعيدة ليس بمعرفة الفقيد العزيز فحسب بل ومزاملته في صحيفة “الأيام” لفترة رغم قصرها، لكنها كانت كافية ووافية لأعب من خبراته المتراكمة في شتى المجالات، وأفيد منها في معاركتي للحياة، وهذا من فضله على شخصي الضعيف الذي حشرني في زمرة عارفي فضله، وكان لابد لي من كلمة وفاء في حقه، وها أنا ذا أجتهد ما وسعني الجهد لأقولها.
كان أكثر ما لفت نظري بل وهزّ دواخلي هزاً في شخصية الفقيد هو بغضه اللا محدود وكراهيته المطلقة للعنصرية والعصبية القبلية، كان يستشيط غضباً ويفسد يومه ويتعكر مزاجه اذا وقف على موقف فيه شبهة عنصرية أو قبلية أو سمع كلاماً أو قرأ مكتوباً تفوح منه هذه الرائحة النتنة، ومواقفه على ذلك عديدة وشواهدي عليها كثيرة، يكفيني منها في هذه العجالة المثال الذي لا أمل من ذكره والاستشهاد به، يومها كان الفقيد يجلس على مكتبه تكسو ملامحه وقاره المعهود؛ يشارك مجالسيه الحديث، دخل عليهم أحد الزملاء وطفق بلا مناسبة يكيل الشتائم لمن وصفهم بالعبيد، ثار الفقيد في وجه هذا الزميل ثورة عارمة وكاد أن يرميه من شدة غضبه عليه بشيء كان موضوعاً على طاولته، وبعد أن هدأ قليلاً أسهب في إلقاء محاضرة رصينة عن مضار العنصرية والقبلية وضرورة التخلص من هذه الأدواء الوبيلة التي لا تورث البلاد سوى الخراب والشتات، وكأني بالفقيد في حربه الضروس ضد العنصرية والقبلية كان دائماً ما يتمثل أبيات الشعر الشهيرة المناهضة لهذا المرض الفتاك.. كقول الإمام علي كرم الله وجهه (الناس من جهة التمثيل أكفاء.. أبوهم آدم، والأم حواء.. فإن يكن لهم من بعد ذا نسب يفاخرون به، فالطين والماء). أو قوله رضي الله عنه (أَيُّها الفَاجِرُ جَهْلاً بِالنَّسَبْ.. إنما الناس لأم ولأب.. هل تراهم خلقوا من فضة.. أم حديد أم نحاس أم ذهب.. بل تراهم خلقوا من طينة.. هَلْ سِوَى لَحْمٍ وعَظْمٍ وَعصَب) أو قول المعري (الناس للناس من عرب ومن عجم.. بعض لبعض وإن لم يشعروا خدم).. ذاك كان هو السر مكي العدو اللدود للعنصرية والقبلية. رحمه الله وأحسن اليه بقدر نقائه وصدقه وإخلاصه ووفائه لوطنه وشعبه.
اولا دعنى اصحح بيت الشعر المشهور : الناس بالناس من بدو وحاضرة ***بعض لبعض وان لم يشعروا خدم ولم يأت الشاعر بسيرة العرب او العجم فالبداوة والحضارة تشمل العرب وغيرهم ايضا وكما ان سياق بيت الشعر لا يتعلق بموضوع المفاضلة العنصرية ولكنه اختص بمدى حاجة واعتمادالناس لبعضهم البعض فى تسيير امور الحياة لكليهما ..بصراحةجذبنى العنوان الكبير لعلى اجد فيه جديدا يداوى ذلك المرض وقلت ربما للرجل مؤلفات فى هذا المجال او مواقف وطنية كبرى ولكن لقيت القبة يرقد تحتها شخص عادى جدا .. فالصحفيون دائما ما يلمعون بعضهم البعض حتى بعد الممات الا رحم الله الفقيد